2024-11-24 11:29 م

رسائل متبادلة بين حزب الله وإسرائيل.. من جديدة يابوس إلى الجنوب

2020-04-18
لم يكد ينطوي اليوم الثاني على الغارة الإسرائيلية التي إستهدفت سيارة مدنية لحزب الله، قبل أن تتجاوز مركز الأمن العام السوري في نقطة جديدة يابوس الحدودية مع لبنان، حتى كانت منطقة الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية، تشهد في الساعات الأخيرة، "حدثاً أمنياً"، وصفه الناطق بإسم الجيش الإسرائيلي بأنه "خطير جداً".
ماذا في التفاصيل؟

فجأة ومن دون سابق إنذار، وقبيل منتصف ليل أمس الجمعة، حوّل الإسرائيليون سماء القطاع الأوسط في الجنوب اللبناني إلى ساحة إشتعلت بالقنابل المضيئة، بالترافق مع حملة تمشيط بالأسلحة الرشاشة المختلفة، لامست أحيانا “الخط الأزرق” أو خط القرار 1701 بين لبنان وإسرائيل.

وفيما كانت مواقع التواصل تضج بالصور والأخبار، إنبرى المحلل العسكري في القناة 13 الإسرائيلية ألون بن دافيد للقول إن السياج الحدودي في المنطقة الشمالية تم قطعه في ثلاث نقاط: الأولى، في نقطة قريبة من مستوطنة المطلة قبالة بلدة كفركلا وسهل بلدة الخيام. الثانية، في منطقة قريبة من مستوطنة يفتاح الواقعة قبالة بلدتي عيترون وميس الجبل. الثالثة، في نقطة قريبة من مستوطنة أفيفيم الزراعية قبالة بلدة مارون الراس. وقال إن هذا “يدل على عمل منسق لا يتم إلا بموافقة حزب الله”. ونقلت القناة 13 عن الجيش الإسرائيلي إعتباره ذلك “حدثاً خطيراً جداً”، محملاً الحكومة اللبنانية المسؤولية عن أراضيها، مؤكداً أنه تم إصلاح الفتحات الثلاث.

وفيما ضج الإعلام العبري بما حصل، إلتزم حزب الله الصمت، وإكتفت وسائل إعلامه فقط بنقل ما يورده الإعلام الإسرائيلي، أما خارج الإعلام، فإن قيادة قوات “اليونيفيل” سارعت إلى إجراء إتصالات ليلية عاجلة، تمهيدا لإنعقاد اللجنة الثلاثية اللبنانية الإسرائيلية الدولية، في الناقورة، إلا إذا تم إيجاد صيغة ثانية للتواصل بسبب أزمة كورونا.

هذه الحادثة لن تنتهي تداعياتها في الساعات المقبلة، بل ستبقى قيد التفاعل، ربطاً بالحادثة نفسها، وهل أن الأمر إقتصر على قص فتحات في الشريط أم حصلت عمليات تسلل وما هي طبيعة الرسالة التي أرادت الجهة المنفذة إيصالها للإسرائيليين، ربطاً بإستهداف السيارة المدنية لحزب الله في الأراضي السورية ظهر يوم الأربعاء الماضي؟

تسريب متعمد لشريط جديدة يابوس

واللافت للإنتباه أنه بالتزامن مع ما شهدته الحدود اللبنانية الإسرائيلية، ليلاً، تم تسريب شريط فيديو قصير (1:55د)، ليل أمس، صوّرته كاميرا أحد المحلات السورية بالقرب من السيارة المدنية المستهدفة، وتظهر كيف أن ثلاثة شبان في العقدين الثاني والثالث، أقدموا فجأة على مغادرة جيب “الشيروكي”، وعملوا على مدى دقيقة على إخلاء ما كان بداخلها (حقائب صغيرة محمولة على الكتف)، فضلا عن أغراضهم الشخصية (هواتف ومسدسات)، قبل أن تتعرض سيارتهم إلى صاروخ بعد 38 ثانية، ما يرجح فرضية أن جهة ما قد حذرتهم قبيل الإستهداف (جرت العادة أن الجانب الروسي يبلغ غرفة عمليات حزب الله والجيش السوري بهكذا عمليات).
وكما هو متعارف عليه، فإن هكذا فيديو لا يقوم حزب الله بتسريبه إلى الإعلام، وذلك إنسجاماً مع قاعدة متبعة منذ العام 2011، مفادها أن تعميم أي نشاط إعلامي يخص الحزب على الأرض السورية يجب أن يحظى بموافقة مسبقة من الجانب السوري، لأسباب سيادية سورية، وهذا يعني أن الجانب السوري وافق على تعميم الشريط بالتزامن مع أحداث الجنوب اللبناني ليل أمس، وربما يكون في التسريب رسائل إضافية للإسرائليين، بأن الهدف من الغارة لم يتحقق، بدليل إخلاء ما كانت تحتويه سيارة الجيب، وذلك قبل سقوط الصاروخ عليها وتدميرها بالكامل.

الغموض المتبادل

 

وكان الأمين العام الحزب الله السيد حسن نصرالله قد أعلن أن القصف الإسرائيلي الذي إستهدف مدينة عرقبا في سوريا (24 آب/ أغسطس 2019)، أصاب منزلاً لحزب الله في سوريا “وليس مركزاً إيرانياً كما ادعى نتنياهو”، مضيفاً “إذا قتلت إسرائيل أياً من أخواننا في سوريا سنرد على ذلك في لبنان وليس في مزارع شبعا”. وأتبع ذلك بالرد الذي إستهدف قافلة إسرائيلية في منطقة أفيفيم قبالة مارون الراس.

ويعيد منطق الرسائل و”الغموض المتعمد المتبادل” من الجانبين اللبناني والإسرائيلي، تسليط الضوء على حادثة جديدة يابوس في سوريا، عندما إستهدفت مُسيّرة إسرائيلية إحدى السيارات المدنية التابعة لحزب الله من دون وقوع ضحايا، ومن دون أن تتضح هوية الهدف أو وظيفته، فضلا عن إختيار هذا المكان (السوري) ووظيفته.

 

قواعد الإشتباك

 

لبنانياً، وفيما أدانت وزارة الخارجية اللبنانية ما حصل على أرض سوريا (…)، كان لافتاً للإنتباه إلتزام حزب الله الصمت المطبق، قيادة وإعلاماً وكتلة نيابية، وهذه ليست المرة الأولى، التي يُقرر حزب الله عدم إعلان موقف، لكن يصبح الأمر مدعاة للأسئلة في إتجاهين متناقضين: الأول، إتجاه تبسيطي، أي أن حزب الله يريد تجاوز ما جرى أقله سياسياً وإعلامياً؛ الثاني إتجاه أكثر تعقيداً، وعندها نكون أمام أبعاد أمنية من النوع الإستراتيجي، أو ما يمكن تسميتها “ضربة أمنية” في سياق حرب أمنية مفتوحة بين الجانبين، وبالتالي، لا يكون مستبعداً أن يختار الحزب أو أمينه العام التوقيت الذي يرونه مناسباً من أجل إثارة الموضوع وتناول أبعاده وتداعياته ولا سيما قضية قواعد الإشتباك المعمول بها في الساحة السورية.

مع تطورات الساعات الأخيرة في منطقة الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية، يصبح الإتجاه الثاني هو الأكثر ترجيحاً، أي تبادل الرسائل الأمنية، من دون معرفة ما إذا كان الإسرائيلي قد أغار على السيارة من موقع الفعل أو ردة الفعل، وهذا الأمر ينسحب أيضا، على ماهية الرد الإسرائيلي على عملية تهشيم إجراءات الإحتلال في ثلاث نقاط حدودية حساسة، برغم كل الإجراءات الإلكترونية وكاميرات المراقبة والأقمار الصناعية والمناطيد ومراكز التنصت وأبراج المراقبة على طول الحدود الشمالية من الجانب الإسرائيلي.

تل أبيب: الصواريخ الدقيقة

 

في غضون ذلك، لوحظ أن الجيش الإسرائيلي لم يتبنَ غارة المصنع رسمياً حتى الآن، لكن الإعلام العبري، قال إن الهدف هو “تدمير مكونات مهمة لها علاقة بمشروع الصواريخ الدقيقة لحزب الله وصلت من إيران إلى سوريا.. وليس اغتيال أحد قادة حزب الله”، على حد تعبير المحلل العسكري يوني بن مناحيم في مقالة نشرها في موقع “معهد القدس”، مشيراً إلى أن الهجوم على السيارة “حصل في الجانب السوري من الحدود، على ما يبدو، كي لا تتورط إسرائيل في مواجهة مع حزب الله لو نُفذ الهجوم داخل الأراضي اللبنانية”. ما يعني أن إسرائيل “تحافظ على قواعد لعبة مختلفة في كل ما له علاقة بمهاجمة أهداف تابعة لحزب الله داخل الأراضي اللبنانية”.

ولعل النقطة الجوهرية التي ركز عليها الإعلام العبري في اليومين الماضيين هي أن حزب الله، وبرغم إنشغاله في مواجهة فيروس كورونا، “يواصل بناء بنى تحتية إرهابية في هضبة الجولان السورية، وأيضاً استئناف مشروع الصواريخ الدقيقة بواسطة عتاد خاص يصل من إيران”.

ويقول يوني بن مناحيم إنه إذا كانت إسرائيل فعلاً هي التي تقف وراء الهجوم، فإن في ذلك رسالة إسرائيلية واضحة لكل من حزب الله وإيران تقول: “لا تعتقدوا أنه بسبب أزمة الكورونا سنسمح لكم بمواصلة التحضيرات لمهاجمتنا. لدينا معلومات استخباراتية دقيقة، ولن نتردد في مهاجمتكم لإحباط خططكم الهجومية الخاصة بكم”.

وما أثاره هذا المحلل العسكري، أمس الأول، شكّل نقطة تقاطع بينه وبين قناة “كان” التلفزيونية الإسرائيلية (رسمية) التي ذكرت أن الهجوم “لم يكن محاولة اغتيال، بل استهدف شحنة لها علاقة بمشروع زيادة دقة الصواريخ التابعة لحزب الله”. وربطت القناة أيضاً بين الهجوم وما سبقه قبل أيام قليلة من اتهام عسكري إسرائيلي للجيش السوري بمساعدة حزب الله في إقامة وجود عسكري دائم (جبهة) في هضبة الجولان.

ماذا يجري في الجولان؟

 

وأعادت القناة التذكير بنشر الجيش الإسرائيلي لقطات فيديو لإحدى كاميرات المراقبة الحدودية التابعة له والتي تظهر القائد الجديد للفرقة الأولى في الجيش السوري اللواء علي أحمد أسعد وعدداً من ضباط الجيش الآخرين يتجولون في منطقة مجهولة على طول الحدود مع الجولان المحتل. وقال الجيش الإسرائيلي في بيان له إن قائد الفرقة الجديد يظهر في مقطع الفيديو خلال دورية قام بها في الجبهة مع رئيس القيادة الجنوبية لحزب الله “الحاج هاشم” وشملت مناطق يُعرف أن حزب الله يستخدمها. وأضاف البيان “أن النظام السوري سيتحمل المسؤولية عن جميع النشاطات العدائية المنطلقة من أراضيه”.

بدوره، كتب المحلل العسكري ليئور نيفشتاين في موقع الجيش الإسرائيلي تحليلاً حول واقع الجبهات الإسرائيلية في الجنوب والوسط والشمال، نقل فيه عن رئيس قسم الإسناد الناري في القيادة الشمالية المقدم (ع) إشارته إلى إعتماد أسلوب ناري جديد أكثر كفاءة، يضمن الدمج بين النيران البرية والجوية، وأضاف (ع) أن الحدث الذي أثبت إستعداد قيادة المنطقة الشمالية هو إطلاق الصواريخ على جبل الشيخ من قبل قوة إيرانية من سوريا في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، حيث كانت القيادة الشمالية “على أتم الجهوزية لمثل هذا الحدث وعملت بالتعاون الكامل مع الاستخبارات وقسم العمليات ومركز النيران التابع للفرقة (210) ولهذا السبب كانت الأضرار طفيفة”.

ويتابع (ع) أن ما أسماه “التمركز العسكري للجهات المعادية في الجولان” يؤثر على نشاطات القيادة الشمالية على المستوى الاستراتيجي، وهذا الموضوع “بات على أعلى سلم أولويات الجيش الإسرائيلي والقيادة الشمالية ونقوم بكل ما هو مطلوب لصد هذه الجهات أو العناصر وإبعادها عن الحدود”.

يذكر أن الجيش الإسرائيلي كان قد إتهم في شهر آذار/مارس الفائت حزب الله والجيش السوري “بالوقوف وراء محاولة هجوم بالقنص ضد جنوده في هضبة الجولان أحبطتها غارة إسرائيلية”. وقال الجيش في حينه إنه في الأشهر التي سبقت الحادث “لاحظت القوات الإسرائيلية قيام مقاتلين من حزب الله وجنود سوريين بالتحضير للهجوم وتصوير المنطقة الحدودية بواسطة هواتف ذكية وكاميرات احترافية وقيامهم بقياس سرعة الرياح من مواقع مختلفة فيما يُفترص أن تكون منطقة عازلة بين البلدين”، وأكد أن هذه التحركات “تهدف إلى تحديد هدف وتحسين دقة القنّاصين”.

في الخلاصة، يربط الإعلام الإسرائيلي بين واقعة المصنع وبين ما يجري في جبهة الجولان، ويعيد التذكير بالتحذيرات الإسرائيلية للقيادة السورية، وهذا الأمر يعيد تسليط الضوء على جغرافيا الهدف الذي إختاره الإسرائيليون في نقطة جديدة يابوس السورية، بينما كان بإمكان الطيران توجيه هذه الرسالة على الطريق العسكرية التي تسلكها هذه السيارات عادة.

ختاما، إذا صح ما تتداوله مواقع التواصل، فإن الشريط الذي بثه الجيش الإسرائيلي للقياديين في حزب الله والجيش السوري بالقرب من الحدود مع الجولان، هو قديم، فلماذا تم تظهيره على أنه شريط حديث؟

(المصادر: القناة 13، “الإعلام الحربي”، موقع الجيش الإسرائيلي، “معهد القدس”، قناة كان، “مؤسسة الدراسات الفلسطينية”، خاص موقع 180)