بعد تراجع كورونا وهزيمته سينشغل العالم في كيفية التخلص من اثاره المدمرة وما الحقه من خراب على كل الأصعدة، وربما سقوط دول وأحلاف تترك حفر وفجوات تستدعي الحذر والردم خشية أن تمس بمصالح البعض، هذا اذا لم تكن قد أطاحت بها لحظة سقوطها.
ما بعد كورونا، كيف سيكون عليه الوضع والشكل في الاقليم، وبشكل خاص في ساحة الصراع ومحيطه، الذي لم يجد له حلا حتى الان، هذا الصراع صاحب التأثير في كل من يحيط به، الى درجة فرض قدرته على التشكل، ما دام ملفه مفتوحا. ونقصد هنا الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الذي كان صراعاً عربياً اسرائيلياً، ثم تقزم بفعل ارتداد الأنظمة والسياسات ليبقى الفلسطينيون وحدهم في ميدان هذا الصراع بقساوته وشراسته.
بعد كورونا ـ دون تحديد التوقيت، بعيدا عن التوقع والتكهن سيكون الاقتصاد وأوضاعه عنوان انشغال دول العالم، فكيف لا، وهو الذي أجبر امريكا وغيرها على الانسحاب تدريجيا من الحرب ضد كورونا، من خلال العودة على مراحل الى الحياة الطبيعية!! في وقت تُحذر منظمة الصحة العالمية من هذا التوجه والتراجع، وبعد كورونا سوف تتبدل أولويات الامن القومي.
الوضع الاقتصادي في المرحلة القادمة سيصادر الكثير من المواقف السياسية وتطلعات الشعوب وقضاياها، وستكون له اليد الطولى في معالجة الأزمات واغلاق الملفات.
من هنا، ماذا سيكون عليه حال الفلسطينيين والجيران الأقرب لدائرة الصراع مع اسرائيل، التي لديها العديد من الأبواب ـ وبعضها عربية ـ المفتوحة والمرحبة لتعافي اقتصادها، الذي ضربه الفيروس.
لكن، هل لدى الجانب الفلسطيني القدرة للصمود والمواجهة، ونحن رأينا في عز المعركة مع كورونا، كيف اختفى الاثرياء الفلسطينيون، وبعضهم قدم تبرعات مخجلة، هؤلاء بعد كورونا، سيندفعون للكسب وزيادة ثرائهم، مع أن اسرائيل تتلقى من يهود العالم تبرعات ضخمة لم تتوقف، هذا عدا عن الاسناد الامريكي، ان كل التقديرات تؤكد أن دول وقوى التأثير وبسبب انشغالها في التخلص من تداعيات الحرب على كورونا لن تلتفت الى غيرها، ولن تترك مسائلها وقضاياها الملحة وتتفرغ لحل مشاكل الاخرين، فالصراع الفلسطيني الاسرائيلي لن يُكسر جليده، وسيبقى الفلسطينيون لوحدهم في مواجهة خصم من السهل أن يخرج من أزماته على عكس الجانب الفلسطيني، الذي لا يتلقى الا الفتات من دول الاقليم او خارجه وبشروط "ابتزازية"، وستخرج علينا الأنظمة العربية، بتبرير أنها منشغلة بعلاج ما خلفه فيروس كورونا، دون أن تعير اهتماما لما قد تنفذه اسرائيل من مخططات ضد الفلسطينيين واستهداف أرضهم.
مرحلة ما بعد كورونا.. عنوانها: القوي سيفرض على الضعيف برامجه ومخططاته وحلوله، وما نخشاه أن يُصادر "بضم الياء" الموقف الفلسطيني تحت وطأة الحصار وقلة الموارد، وتردي الاقتصاد.. ومصادرة الموقف بمعنى أن تتخلى القيادة الفلسطينية عن ثوابتها، وأن تقبل بما يفرض عليها من حلول.. وهذا أمر مُرعب، يفرض على هذه القيادات الاستعداد والحذر، والبحث عن أوراق جديدة، وأن تتخلى عن أوراق لا قيمة لها احتفظت بها طويلا وما زالت دون جدوى. أوراق فلسطينية خالصة، وملاعب جديدة، فالمرحلة القادمة سوف تشهد تشكلا جديدا، واصطفافات جديدة، فرضتها تداعيات هجمة فيروس كورونا.
فأميركا ما بعد كورونا، ليست أمريكا قبل هذا الفيروس اللعين.. وبالتالي، الاستمرار في الرهان على واشنطن خطيئة كبرى، كذلك من الخطأ الرهان على الاطر الدولية، فهذه الاطر ستدخل دائرة العجز وعدم التأثير كالرباعية الدولية والجامعة العربية والمؤتمرات الاسلامية التي تتحكم في قراراتها العائلة السعودية الوهابية حليفة واشنطن وتل أبيب وممولة حروبهما ومعاركهما، بل أن هذه الاطر لم تحقق يوماً نجاحاً لصالح القضية الفلسطينية، وتحولت الى أدوات داعمة للموقف الاسرائيلي.
ونظرة الى الدول المجاورة لدائرة الصراع كالاردن ومصر، فهما لن تكون لديهما القدرة على مواجهة تداعيات كورونا، فهما كما الفلسطينيون تعانيان من الان بما يحدثه الفيروس من أضرار في ساحتيهما، وصرخات الحاجة لم تتوقف منذ الان عن الفيروس نفسه، وستدخل الدولتان في أزمة اقتصادية رهيبة في ظل انشغال العالم بمشاكله وأوضاعه وستتعرض المملكة الاردنية لضغوط كبيرة للتخلي عن أي موقف داعم للفلسطينيين، وخاصة في كل ما يتعلق بصفقة القرن.
ومن الخطأ انتظار جهات خارجية لتقوم بالتدخل في الصراع لصالح الفلسطينيين أو حل ما يتسبب به كورونا في الساحة الفلسطينية، فالاعراب من مالكي النفط، يعانون أزمة اقتصادية وعجز في الميزانيات وعلاوة على ذلك لم يكونوا يوما معنيين بدعم حقيقي للفلسطينيين، وأموالهم يتحكم فيها الامريكيون، وللاسرائيليين لهم منها نصيب.
أما اوروبا، فهي في حالة "جهاد" للخروج من التداعيات التي أحدثتها وتسببت بها جائحة كورونا، والدول الاوروبية لن تكون تحت إمرة أو رجاء أحد.