كثر الحديث والنقاش حول ظاهرة قلة نسبة الوفيات في ألمانيا بسبب كورونا المستجد مقارنة بباقي دول أوروبا والعالم، واختلفت الآراء حول الأسباب وقُدم أكثر من تفسير لهذه الظاهرة. ربما يكون أحد أهم أسباب التباين بين عدد الإصابات في ألمانيا وعدد الوفيات هو قرار ألمانيا القيام بفحص أعداد كبيرة جدًا تشمل كل مواطن يكون في خطر الإصابة، في حين قامت إيطاليا وبريطانيا مثلًا بفحص من تظهر عليه أعراض الإصابة فقط، والسبب شحة أدوات الفحص في البلدين مقارنة بوفرتها في ألمانيا. في الوقت الذي بدأت بريطانيا بإنشاء صناعة معدات الفحص، كانت ألمانيا قد أنشأت هذا القطاع الصناعي من طريق شركة "روش" العملاقة، ما نتج أن تكون لألمانيا طاقة فحص نصف مليون إنسان أسبوعيًا، في حين لم تتمكن بريطانيا من فحص أكثر من 10 آلاف. من ناحية أخرى، استثمرت ألمانيا مبالغ كبيرة في قطاع الصحة منذ زمن طويل. فلألمانيا 25 ألف سرير للعناية المركزة في مستشفياتها مقارنة بـ 7 آلاف لفرنسا، و5 آلاف لإيطاليا، و4 آلاف لبريطانيا. فعلى الرغم من الأزمة الحالية لم تصل مستشفيات ألمانيا إلى طاقتها القصوى وهي حاليًا تستقبل مرضى من فرنسا وإيطاليا. وتوفر ألمانيا 621 سريرًا لكل 100 ألف مواطن، في حين أن لدى بريطانيا 228 سريرًا فقط. ومن ناحية أجهزة مساعدة التنفس، تمتلك ألمانيا 28 ألف جهاز مقارنة بـ 5 آلاف في فرنسا. يعزو البروفيسور كارل لاوتباخ، اختصاصي علم الأوبئة في جامعة كولون الألمانية، أسباب تميز بلده إلى عدة عوامل عملية. قال: "كنا محظوظين لأن موجة الإصابات وصلتنا متأخرة مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى، مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، والعامل الثاني هو أن أغلب الإصابات الأولى كانت بين الشباب". أما العامل الثالث برأيه فكان الانتشار البطيء للوباء، ما مكن توفير أحسن طرائق العلاج في أفضل المستشفيات الطبية في البلد. أضاف: "العامل الرابع والمهم هو أن ألمانيا قامت باستثمارات كبيرة خلال الأعوام العشرين الماضية في تحديث النظام الصحي الألماني، ما وفر عددًا أكبر من الأسرة والمعدات والأجهزة وأسرة العناية المركزة مقارنة بدول الجوار". إلا أن البروفيسور لوثر فيلر، رئيس معهد روبرت كوخ في برلين، يحذر من أن تأخر انتشار كورونا في ألمانيا قد يعني "أننا سنلحق بباقي دول الجوار في المستقبل القريب، ما يعني زيادةً في نسبة الوفيات". البعض الآخر يقترح تفسيرًا مغايرًا، وهو أن الشعب الألماني ملتزم بالقوانين ويتفاعل إيجابيًا مع الحكومة. إلا أن هذا التفسير يفشل حين تطبيقه على دول اسكندنافيا التي يوصف مواطنوها بالالتزام بالقوانين واحترام قرارات الحكومة، لكنها في الوقت ذاته تعاني من نسبة وفيات بكورونا أكبر من المانيا. يقدم أخصائي الأمراض الفيروسية الإيطالي جيوفاني ماجا تفسيرًا عمليًا مغايرًا. يقول: "إننا في إيطاليا لا نحسب عدد الوفيات بين المصابين بفيروس كورونا فحسب، بل نقوم بالتشريح الطبي للموتى الذين لا يجري فحصهم قبل الموت للتأكد من أسباب الوفاة، ولا أعتقد أن ألمانيا تقوم بذلك“. هذا صحيح. نظام الصحة في ألمانيا الفدرالية ليس مركزيًا وتختلف الاجراءات بين ولاية وأخرى. هذا يعني انه ليس بالضرورة القيام بعملية التشريح بعد كل حالة وفاة. نتيجة ذلك، ربما يُردّ عدد من الوفيات إلى أسباب غير كورونا حتى وإن كان الاحتمال أن هذه الوفيات حصلت بسبب مضاعفات ناتجة عن الوباء. إن الأسابيع والأشهر المقبلة كفيلة بإيضاح الصورة.
المصدر: ايلاف + وكالات