دفع انتشار فيروس كورونا المستجد العديد من الدول، لتغيير مفهوم الأمن القومي الخاص بها، وإعادة هيكلة أجهزة الاستخبارات التي تعودت على تركيز مواردها بمراقبة التهديدات الإرهابية، وليس الصحية.
ويأتي تغيير أولويات أجهزة الاستخبارات، بعدما تمكن الوباء من تعطيل عجلة الاقتصاد العالمية، الأمر الذي نجم عنه خسائر مادية فادحة، فضلا عن حصد آلاف الأرواح حول العالم.
ويقول رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب، جاسم محمد، في حديثه لسكاي نيوز عربية: " أجد أنه مثلما غيرت أحداث 11 سبتمبر العالم، والتعديلات التي أجرتها أجهزة الاستخبارات من أجل مواجهة الإرهاب، نحن الآن أمام خطر يجعل أجهزة الاستخبارات أن تعيد أولوياتها، وقد يصل الأمر لإعادة هيكلتها".
وأضاف محمد: " لم تكن جميع أجهزة الاستخبارات مجهزة بوحدات صحية، ما عدا ربما الاستخبارات الأميركية، فهي لديها استخبارات صحية".
الإرهاب الجديد
وبعد أن كان مفهوم الأمن في قاموس الدول يعتبر أن محاربة الإرهاب وخوض الحروب أو الهجمات الإلكترونية وتوفير الغذاء كلها ملفات تأتي في المقام الأول، فإنه الآن سيصبح أكثر شمولا بحسب بعض التحليلات.
فأجهزة الاستخبارات حاليا تقدم تقارير تتعلق بالمجال الصحي عن انتشار الفيروسات حول العالم، خاصة فيروس كورونا الذي يجتاح الكرة الأرضية حاليا.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك ماحدث مؤخرا بين الولايات المتحدة والصين، حيث نشرت الاستخبارات الأميركية تقريرا يتهم الصين بإخفاء تفاصيل عن مدى انتشار فيروس كورونا في المراحل الأولى لتفشيه، بل إنها أخفت الأعداد الحقيقة لضحايا الفيروس حسب الاتهامات الاميركية.
وطرح محمد مثالا آخرا لسكاي نيوز عربية: "في ألمانيا استطاعت أجهزة الاستخبارات التنصت على أجهزة الاستخبارات الصينية، ومعرفة أن الفيروس انتشر في الصين، وحصلت على تفاصيل حول الفيروس، وقامت بإبلاغ المؤسسات الصحية في ألمانيا، قبل أسبوعين من إعلانه، وهذه تعتبر خطوة استباقية من الاستخبارات".
وفي مفهوم الأمن البريطاني، صُنّفت الأوبئة العالمية منذ عقود على أنها تشكل خطورة على أمن البلاد، ولكن ذلك لم ينعكس على حجم الموارد المخصصة لمجابهة تهديد صحي مثل فيروس كورونا، مقارنة بمصادر التهديد التقليدية ومنها الإرهاب.
ووضح المحلل الأمني طبيعة مهمة الاستخبارات، عندما يتعلق الأمر بالأمن الصحي، قائلا: " أجهزة الاستخبارات لا تمنع انتشار الفيروس، هي فقط تقدم المعلومات والتوصيات لصناع القرار، وكيفية الحد من مخاطره".
وأضاف: " التعليمات التي يفترض أن تعطيها وكالة الاستخبارات الأميركية هي معرفة مصدر الفيروس ومخاطره ومصادر انتشاره، وما تقوم به الولايات المتحدة من شراء لمعدات طبية مثلا، هذا عمل من شأن أجهزة الاستخبارات، وليس المنظمات الصحية الطبيعية".
خرق الخصوصيات
ويشير محمد إلى أن الحكومات العالمية ستضطر لخرق خصوصيات المواطنين، من أجل توفير الاستخبارات الصحية للحكومات.
"في بعض الدول، سيكون هناك تنصت ومراقبة، ستخدم الحكومات، لكنها ستمثل اختراقا للخصوصية، وهذا موضع انتقاد للحكومات، لكن المواطن بدأ يتقبل فكرة الحوكمة، في سبيل التأمين الصحي، على حساب الخصوصية".
وأضاف: "من أهم مهام أجهزة الاستخبارات هي التنبؤ بالتهديدات على الأمن القومي، واليوم تهديدات الأمن القومي ليست هي التهديدات التقليدية، وهي مدى قدرة الحكومات على حماية مواردها البشرية.. الآن الأمن الصحي له أهمية كبيرة".
التغير في العالم قادم لا محالة، وستشكل معرفة حقيقة الوضع الصحي في بلد ما أولوية بالنسبة لصناع القرار، فضلا عن أن التركيز قد يكون منصبا على انتاج الأدوية واللقاحات أكثر منه على الأسلحة.
ومن الواضح وفق الخبراء، أن وكالات التجسس، قد تغير من سياقات عملها للتكيف مع أزمة وباء كورونا.
(مدار الساعة)