قالت مجلة “إيكونوميست” في عددها الأخير، إن كوفيد- 19 منح الدول العربية فرصة لزيادة القمع ضد سكانها والتجسس عليهم وتوسيع صلاحيتها.
وأضافت: “لو صدقنا الأرقام الرسمية فإن كوفيد- 19 لم يضرب بعد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشدة كما في بقية العالم. وباستثناء إيران فإن الفيروس قتل حوالي 100 شخص في كل المنطقة، مقارنة مع آلاف الضحايا في أوروبا. ومع ذلك اتخذ القادة العرب إجراءات متطرفة للحد من انتشاره وفرض منع التجول وأغلقت المحلات التجارية وحجرت مدنٌ بالكامل”.
وتعلق المجلة: “هذا تصرف حكيم، فدول مثل إيطاليا وإيران أخّرتا التحرك مما أدى لتدفق الحالات ولكنه مثير للقلق”. والسبب هو أن الأنظمة في المنطقة طالما لعبت على “مخاوف الناس لتبرير حكمها الديكتاتوري”.
وأعلنت معظم الحكومات حالة الطوارئ، مما سمح للحكام بالحكم عبر المراسيم، مع أن معظمهم يفعل هذا من قبل، ونشر القوات المسلحة. ففي مصر مثلا، أُرسل الجيش للقيام برش المناطق بالمطهرات. وفي الأردن، يحرس الجيش الساحات العامة ويساعد على فرض منع التجول والتأكد من عدم خروج الناس من بيوتهم. وعندما لم تكن السلطات المدنية في إيران قادرة على التعامل مع الوضع، حاول الحرس الثوري الدفع باتجاه قيود لها علاقة بالفيروس.
وفي بعض الدول الأوروبية خرج الجيش إلى الشوارع. إلا أن الأنظمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لن تخفف من قبضتها على المجتمع مع تقهقر الأزمة. كما أن هذه الأنظمة تمارس القمع بطريقة لم نرها في الغرب.
واحتجزت المغرب أشخاصا لنشرهم الشائعات. وحذر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قائلا: “من ينشرون الأخبار الزائفة ستتم ملاحقتهم”. وحدد الأردن عدد الصحافيين المسموح لهم بالخروج ونقل الأحداث حتى قبل تسجيل أي وفاة. ومنعت مصر صحافية من صحيفة “الغارديان” البريطانية بعدما نقلت معلومات لدراسة أعدها علماء أوبئة في كندا، والذين قالوا إن انتشار المرض في مصر أوسع مما تحدثت عنه الحكومة.
ويعتمد العرب على الإذاعات التي تديرها الدولة والتي تقدم أخبارا غير دقيقة وبيانات مثيرة للتساؤل إلى جانب بيانات وزارات الصحة. وحتى في إسرائيل التي تعتبر فيها الصحافة حرة، فهناك مخاوف من تجاوز حكومة بنيامين نتنياهو الخط الأحمر وممارسة الرقابة، خاصة أنه أمر جواسيسه بالتنصت على الهواتف النقالة لتحديد حركة المصابين بالفيروس.
ويخشى بعض الإسرائيليين من إساءة استخدام هذه السلطة. ويتهم نتنياهو وحلفاؤه باستخدام انتشار الوباء كمبرر لتأخير محاكمته بقضايا فساد، وكذا البقاء في السلطة لمدة أطول مع استمرار المفاوضات لتشكيل حكومة. وتقول يوهانا بليسنر من معهد إسرائيل للديمقراطية: “يحاول جهده لاستغلال الفرصة التي قدمها فيروس كورونا”.
وفي مناطق أخرى، تم الترحيب بالإجراءات القوية لمنع انتشار الفيروس، حيث أصبح هاشتاغ أعلنوا حالة الطوارئ على تويتر من الأكثر متابعة في المنطقة.
وبحسب مركز استطلاعات إبسوس، فنسبة 98% من الأردنيين يعتقدون أن حكومتهم تقوم بعمل “جيد” أو “جيد جدا”. وهم راضون عن السلطات الجديدة التي تسمح للملك بمصادرة ممتلكات خاصة أو اعتقال أي شخص يهدد النظام العام ومراقبة ما ينشر في الصحافة.
وحتى الناشطون المعادون للحكومة يدعمون الإجراءات الصارمة. وقال مغربي: “أحيانا ما تتصادم حقوق الإنسان واحتياجات الصحة العامة”.
كما أن التباعد الإجتماعي يعني توقف التظاهرات المعادية للحكومات كما في الجزائر ولبنان والعراق، والتي تلاشت في الوقت الحالي. كما يتعاون الأعداء في المنطقة، حيث ينسق الفلسطينيون والإسرائيليون لمحاربة العدو المشترك. وعرضت الكويت والإمارات المساعدة على إيران.
لكن الهدوء قد لا يطول؛ لأن الوباء ضرب النظام الاقتصادي في المنطقة، خاصة السياحة والتحويلات المالية، فيما أثّر انهيار أسعار النفط على موارد الحكومات، مما أثر على القطاع الخاص.
وفي الوقت نفسه تشكك منظمة الصحة العالمية بالأرقام القادمة من الحكومات في المنطقة. فعدم وجود فحص كاف يعني أن الأرقام أعلى من تلك التي تعلن عنها الحكومات، كما أن الأنظمة الصحية ليست مجهزة للتعامل مع حالات واسعة. وربما ندمت حكومات المنطقة على ما أنفقته لتعزيز قواتها العسكرية وشراء الأسلحة أكثر من الاهتمام ببناء المستشفيات والإمدادات الطبية وتحسين الوضع الصحي.