على الرغم من التقدم العلمي في مجالات التكنولوجيا الحيوية والصناعات الدوائية، فإن تطوير لقاح لفيروس «كورونا» المستجد لم يتم بالسرعة ذاتها التي ينتشر بها الفيروس على المستوى العالمي، إذ لاتزال الشركات الكبرى للأدوية ومؤسسات البحوث والتطوير في المراحل الأولية لعملية التطوير، وهو ما يرجع إلى الكلفة المالية الضخمة، وحسابات الربحية لدى بعض الشركات، والاحتياج إلى إجراء تجارب واختبارات متعددة قبل طرحه للتداول، فضلاً عن الحاجة إلى بناء شبكات تعاون بين المؤسسات الرسمية والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية في الداخل، وتعزيز التعاون بين الدول بهدف تطوير اللقاح والتصدي لانتشار الفيروس.
جهود دولية
تسارعت الجهود الدولية لإيجاد لقاح لفيروس «كورونا» عقب نشر الأكاديميين الصينيين التسلسل الجيني للفيروس في قاعدة بيانات مفتوحة. وعليه، يمكن استعراض بعض الجهود والنماذج الدولية الرامية لإيجاد ذلك اللقاح، إضافة إلى بحث إمكانية تطوير أدوية لتخفيف آلام المصابين به، وذلك على النحو التالي:
1- الصين
بدأت بالفعل تجارب سريرية على عدد من الأدوية التي يأتي في مقدمتها تلك المستخدمة في علاج «الإيبولا»، ونقص المناعة المكتسبة، و«السارس»، و«الملاريا»، لاختبار مدى فاعليتها في علاج مصابي «كورونا»، على أن تُدرج النتائج في قاعدة بيانات صينية للدراسات الطبية الحيوية. وقد أتى ذلك بعد أن قامت مجموعة من الباحثين باختبار عدد من الأدوية المضادة للفيروسات في المختبر للتأكد من فاعليتها ضد الفيروس. كما دعت الصين كل من تعافوا من فيروس «كورونا» إلى التبرع بالدم، لما قد يحتويه من أجسام مضادة وبروتينات قيمة يمكن استخدامها لعلاج المرضى.
2- الولايات المتحدة
تسعى شركة «مودرنا» الأميركية لتجنيد 45 متطوعاً تراوح أعمارهم بين 18 و55 عاماً لإطلاق تجارب سريرية بحلول نهاية أبريل. وتبحث بعض الشركات المتخصصة في التكنولوجيا الحيوية في العقاقير المضادة لفيروس نقص المناعة البشرية و«الإيبولا». كما تبحث «معاهد الصحة الوطنية الأميركية» (NIH) بولاية ميريلاند عن سُبل تشجيع الجسم البشري على إنتاج أجسام مضادة.
وأعلن «تحالف ابتكارات التأهب للوباء» (CEPI) أنه سيخصص مبلغ 11 مليون دولار لثلاثة برامج تقودها شركتا «أنوفيو» للأدوية، و«مودرنا»، بالتعاون مع جامعة كوينزلاند، على أمل الحصول على لقاح قابل للإنتاج خلال 16 أسبوعاً. كما أصدرت «إدارة الغذاء والدواء الأميركية» (FDA) ترخيصاً تحت بند «الطوارئ العاجلة» لاعتماد تقنية مبتكرة لمواجهة انتشار فيروس «كورونا».
تجدر الإشارة الى أن مؤسسة «بيل وميلندا غيتس» واثنتين من المؤسسات الخيرية الكبيرة الأخرى، تعهدت بتقديم 125 مليون دولار للمساعدة في تطوير علاج لفيروس «كورونا».
في سياق متصل، صرّح نائب الرئيس الأميركي ومسؤول ملف مكافحة الفيروس، مايك بنس: «نعمل على توسيع الاختبارات للتوصل إلى لقاح لمكافحة فيروس (كورونا)». وفي هذا الإطار، تبحث الولايات المتحدة مع قطاعات الصحة جهود مكافحة انتشار الفيروس، وتطوّر اختبارات للكشف عنه. وأكد بنس أنهم «سيعملون على إتاحة علاج لتخفيف آلام المصابين بحلول الصيف».
3- إسرائيل
أعلن معهد بحوث (MIGAL) الإسرائيلي عن تطوير لقاح فيروس التهاب الشعاب الهوائية الحاد لعلاج فيروس «كورونا». وقد أثبت اللقاح فاعليته في التجارب السريرية التي أجراها معهد «فولكان» سابقاً. ويستكشف المعهد حالياً الشركاء المحتملين لإنتاجه في الأسابيع الثمانية المقبلة، والحصول على موافقات السلامة اللازمة لاختباره على البشر.
4- ألمانيا
تعمل شركة الأدوية الحيوية «كيورفاك إيه جي» و«التحالف من أجل ابتكارات الاستعداد للوباء» معاً على تطوير لقاح مضاد للفيروس. وفي هذا الإطار، قالت وزيرة البحث الألمانية، أنجيا كارليتشك: «إنها تتوقع تطوير لقاح مضاد لفيروس (كورونا) في غضون أشهر». ونقلت وكالة «رويترز» عن الوزيرة الألمانية قولها في يناير 2020: «إذا أردنا احتواء هذا المرض، فمن الجيد أن يكون لدينا لقاح في وقت قصير نسبياً».
5- اليابان
يعكف علماء يابانيون على إجراء دراسات مكثفة وعاجلة للتغلب على فيروس «كورونا»، باستخدام أجهزة كمبيوتر عملاقة لتحليل بعض الأدوية المتوافرة، واستعمالها لمعالجة الإصابات الناجمة عنه. كما تعكف شركة الأدوية اليابانية Takeda Pharmaceutical al Co على تطوير دواء جديد مشتق من بلازما دم من تعافوا منه، انطلاقاً من قدرة الأجسام المضادة التي طورها المرضى على تقوية الجهاز المناعي للمرضى الجدد.
6- بريطانيا
أعلنت شركة (The Native Antigen Company) البريطانية عن بدء الإنتاج التجاري لمضادات جديدة يمكنها معالجة فيروس «كورونا». وقد أعلن باحثون من جامعة «إميريال كولدج» في لندن عن بدء التجارب على الفئران، آملين في بلوغ هدفهم بحلول نهاية العام. وفور الانتهاء من المرحلة التجريبية الأولى، سيتم اختبار فاعلية اللقاح على البشر. ومن المتوقع التوصل للقاح نهائي بحلول نهاية العام.
7- أستراليا
عكف معهد «دوهرتي» في ملبورن على إيجاد علاج للفيروس، من خلال بحث ودراسة عينة حية منه. ومن خلالها، يمكن للباحثين في «مختبر صحة الحيوان الأسترالي بجيلونج» أن يبدأوا في فهم خصائصه، وهي خطوة حاسمةٌ في الجهد العالمي لتطوير لقاح.
ويسعى العديد من شركات الأدوية العالمية بالمثل إلى إيجاد علاج لفيروس «كورونا»، وذلك من خلال: تحفيز إنتاج البروتينات، وتوظيف التقنيات التكنولوجية، بالتعاون مع شركات التكنولوجيا الحيوية الصينية، وتقديم المساعدات المطلوبة.
تحديات التقدم
على الرغم من الجهود السابقة، يواجه تطوير اللقاح تحديات جمة، وذلك على الرغم من التطورات التكنولوجية الرائدة وتعدد المساعي الدولية. وهي الأسباب التي يمكن إجمالها على النحو التالي:
1- القيود المالية
لا يمكن المضي قدماً في لقاح فعلي دون إجراء اختبارات سريرية مكثفة، الأمر الذي يتطلب تصنيع اللقاحات ومراقبة النتائج بدقة. وقد يكلف ذلك في نهاية الأمر مئات الملايين من الدولارات. وهي أموال لا تملكها المعاهد الوطنية للصحة، أو الشركات الناشئة، أو الجامعات بطبيعة الحال.
ولطالما كان إنتاج اللقاحات مرهوناً باستثمار حفنة من شركات الأدوية العالمية العملاقة مثل: (فايزر، وسانوفي، وجونسون آند جونسون، وميرك آند كو)، وهي الشركات التي قد يتبادر إلى الذهن تهافتها على إنتاج لقاح لفيروس «كورونا»، بفعل ارتفاع الأرباح المرجوة منه.
ولكن على النقيض من هذا التصور، لا يمكن لأي من شركات الأدوية أن تضمن أرباحها، لأن المنتج الجديد قد يعني خسائر فادحة، خصوصاً إذا تلاشى الطلب عليه.
2- اختبارات عدة
وفقاً لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، الأميركي (CDC)، يمر تطوير اللقاح بعدد من المراحل، يأتي في مقدمتها فهم خصائص الفيروس وسلوكه في المضيف (وهو الأمر المتعذر على صعيد فيروس «كورونا» لصعوبة معرفة نمط انتشاره بين الحالات والدول)، ثم اختبارها على الحيوانات، ثم يتم إجراؤها على البشر لاختبار الاستجابات المناعية في أعداد صغيرة من المتطوعين غير المعرضين لخطر المرض. وطبقاً لمنظمة الصحة العالمية، قد تمر مدة طويلة قبل أن يتاح لقاح لفيروس «كورونا».
3- حسابات الربح والخسارة
يفضل عدد من شركات الأدوية استثمار مواردها في عقاقير مربحة اقتصادياً، مثل مسكنات الألم. وقد عزف بعضها عن البحث عن لقاح لعلاج فيروس «كورونا» لجملة من الأسباب يأتي في مقدمتها احتمال رفع حالة الطوارئ قبل تطوير اللقاح، فإذا تلاشت حالة الضرورة الملحة، قد يتوقف العمل عليه وتتراجع جدواه الاقتصادية.
4- احتمالات تطوّر الفيروس
تتزايد احتمالات تحوّر فيروس «كورونا» قبل اكتشاف علاج له، وقد تختلف طفرة الفيروس من مكان إلى آخر، وقد أشارت دراسة أعدها عدد من الباحثين الصينيين إلى أن الفيروس تطور إلى سلالتين إحداهما أكثر شراسة.
5- غياب الاستعدادات المسبقة
في أوقات تراجع انتشار الأمراض والأوبئة، تنعدم دوافع تطوير لقاحات للأمراض الفيروسية. وتقتصر عمليات البحث والتطوير على مراكز الأبحاث الطبية ذات الموارد المالية المحدودة مقارنة بالميزانيات الضخمة لشركات الأدوية. كما تتراجع المخصصات المالية اللازمة لصنع اللقاحات. ولذا، اقترح بعض الخبراء إنشاء صندوق عالمي لتطوير اللقاحات، لتمويل الأبحاث ذات الصلة بـ«الإيبولا» و«كورونا» في غير أوقات انتشار أي منهما.
في هذا السياق، دفعت بعض التحليلات بأن التصدي لفيروس «كورونا» كان من المفترض أن يبدأ منذ انتشار «السارس» خلال العقد الماضي، فقد أسهم توقف برنامج أبحاث لقاح «السارس» في انتشار فيروس «كورونا» إلى حد بعيد.
6- ضعف الطاقات الإنتاجية
لا تتوافر الطاقات الإنتاجية لنقل اللقاح وتوزيعه حتى مع التسليم جدلاً بإمكانية الإسراع بعملية تطويره، ذلك أن الأمر يتطلب الشراكة بين شركات التكنولوجيا الحيوية والوكالات الحكومية والجامعات، بهدف إنتاج كمية كبيرة منه. فلا يمكن لمؤسسة بعينها ـ مهما كانت قدراتها ـ تطوير اللقاح بمفردها.
7-احتمال حدوث آثار جانبية
وهو أحد الأسباب الرئيسة التي تحول دون حصول اللقاحات ـ في كثير من الأحيان ـ على الموافقة التنظيمية لسنوات عدة، فللتصدي لوباء إنفلونزا الخنازير في عام 2009، أعطي ستة ملايين شخص لقاح (Pandemrix). وهو اللقاح الذي سُحب لاحقاً بعد اكتشاف أثره السلبي في خدار بعض الأشخاص.
جدير بالذكر أن تطوير اللقاحات صناعة ذات مخاطر متزايدة، ففي الثمانينات، عندما بدأت شركات الأدوية في تحمل التكاليف القانونية للأضرار التي تسببها اللقاحات، اختار كثير منها ترك تلك الصناعة ببساطة، والعمل في صناعة المستحضرات الصيدلانية.
قيود
على الرغم من التطورات التكنولوجية المتسارعة، والتقدم العلمي، وكثافة الاستثمارات العالمية في التكنولوجيا الطبية، لايزال هناك العديد من القيود التي تبطئ ظهور لقاح مناسب، مع تزايد تخوف الشركات الكبرى العاملة في المنتجات الطبية من الإنفاق على إنتاج لقاح لمواجهة «كورونا» يظهر بعد تراجع الفيروس عالمياً ومن ثم تعرّضهم لخسائر كبرى.
- تتزايد احتمالات تحوّر «كورونا» قبل اكتشاف علاج له، وقد تختلف طفرة الفيروس من مكان إلى آخر، وأشارت دراسة أعدها باحثون صينيون إلى أن الفيروس تطوّر إلى سلالتين إحداهما أكثر شراسة.
- دفعت بعض التحليلات إلى أن التصدي لفيروس «كورونا» كان من المفترض أن يبدأ منذ انتشار «السارس» خلال العقد الماضي، فقد أسهم توقف برنامج أبحاث لقاح «السارس» في انتشار فيروس «كورونا» إلى حد بعيد.
المصدر: مركز الامارات للدراسات