2024-11-25 12:27 م

قطار مقاومة.. الوجود الأمريكي في العراق انطلق في ظل ولادة مقاومة.. ما هي أهداف إيران وخيارات واشنطن

2020-03-17
كمال خلف

بعد حادثة اغتيال الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، بداية العام الجاري وجدت إيران نفسها أمام وضع جديد له عنوان واحد داخل أوساط القرار الإيراني وهو أن الولايات المتحدة مزقت أوراق اللعبة بالكامل بالعراق وضربت التوازنات والخطوط الحمراء. وكان على إيران التفكير بإعادة التموضع في هذا الوضع الجديد، وهذا الأمر كان ما يشغل بال صانع القرار في إيران وليس مسألة الرد الفوري الذي كان أمرا محسوما وترك للقيادة العسكرية البحث عن هدف معلن لضربه وهو ما كان باستهداف الوحدات الصاروخية في حرس الثورة الإيراني لقاعدة عين الأسد، إلا أن الوضع الجديد في المنطقة والعراق كان أهم بالنسبة لإيران من رد فوري مباشر.

 لذلك بدأت إيران بناء مرحلة استراتيجية مركزها العراق، وتقوم على الأعداد الجيد وإعادة صياغة القوات المحلية المتحالفة معها وكيف تتأقلم مع الواقع الجديد، لذلك بدأت منذ اليوم التالي لاغتيال الجنرال سليماني بالعمل على إعداد خطة شاملة متدرجة استراتيجية، وهو ما أعلن عنه صراحة المرشد علي خامنئي في خطاب بعد اغتيال سليماني قال فيه “هدفنا إخراج القوات الأمريكية من غرب اسيا ردا على تجاوز الولايات المتحدة الخطوط الحمراء”.

 إلا أن مركز هذا الهدف الشامل وفق التحركات العملية يبدو أنه العراق، وقد تعتبر إيران أن العراق أولا ثم الانتقال إلى مناكفة الوجود الأمريكي في مناطق أخرى يحتاج الأعداد لبناء بنية مقاتلين فيها لوقت أطول.

ساعد  قرار من البرلمان العراقي يطالب صراحة بخروج القوات الأمريكية في تشكيل الغطاء القانوني والشرعي لتحرك الفصائل العراقية ضد القوات الأمريكية . يبدو أن طهران اعتمدت على تنظيمين للقيام بمهمة العمل تحت الأرض، أي خارج نطاق المقرات المعلنة والعمل العلني . وهما حزب الله العراق، وحركة النجباء، على أن تكون هناك مجموعات جديدة من رحم هذين التنظيمين ولكن ليست مرتبطة بهما تنظيميا  وإنما العلاقة مباشرة مع قوة القدس في الحرس الثوري.

 وبناء على ذلك تم العمل خلال شهور على تجهيز البنية التحتية والعملية لتنظيم عمل يحاكي ما كانت تقوم به قوات المقاومة العراقية ابان الاحتلال الأمريكي للعراق 2003 . مع دراسة عميقة لتبدل الظروف السياسية والعسكرية وبالتالي مواءمة العمل الجديد مع تلك الظروف.

التقديرات لبدء العمل ضد القوات الأمريكية بشكل مباشر في العراق تقول ان ذلك سوف يحدث بداية شهر أيار مايو ، ثم يتصاعد خلال أشهر لاحقه وفق نهج النفس الطويل ولكن المجدي.  أي أن تقع خسائر أمريكية ذات معنى قبل بدء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في شهر كانون الأول 2020، إلا أن أول حدث من نوعه يمكن أن ننسبه إلى خطة العمل الإستراتجية وقع بشكل مبكر جدا قياسا بالتقديرات.

الأربعاء 11 آذار كان الهجوم على قاعدة التاجي 45 كيلو متر شمال بغداد أوقع ثلاثة قتلى اثنان من الجنود الأمريكيين وجندي بريطاني . كان الرد الأمريكي مباشر بقصف مقرات تابعة لفصائل عراقية ، في  جرف الصخر والمسيّب والنجف والإسكندرية، مما أسفر عن مقتل ستة عراقيين، بينهم عناصر شرطة  كلهم ينتمون إلى الحكومة العراقية وليس الفصائل، وهو ما استدعى رد فعل غاضب من الحكومة العراقية تمثل باستدعاء السفير الأمريكي في بغداد وتسليمه مذكرة احتجاج، بعض المعلومات تقول ان الطيران الإسرائيلي شارك بالغارات على المقرات العراقية.

لكن المفاجأة كانت للقوات الامريكية هو أن تنظيم جديد تبنى الهجوم، في اول بيان يصدر عن تنظيم “عصبة الثائرين”، تبنى التنظيم الهجمات الصاروخية التي استهدفت معسكر التاجي، بيان العصبة قال أن العمليات  هي الأولى في سياق الرد على اغتيال واشنطن نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبا مهدي المهندس، وقائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ورفاقهما، في محيط مطار بغداد مطلع العام الجاري، مؤكداً أنها ستأخذ مساراً تصاعديّاً ينتهي بجلاء قوات الاحتلال.

السبت 14 آذار وقع هجوم جديد من ذات التنظيم الجديد وأعلن التحالف الدولي إصابة ثلاثة من قواته في هجوم جديد استهدف اليوم قاعدة التاجي، التي تضم قوات تابعة له ووحدات للدفاع الجوي العراقي، شمال العاصمة العراقية بغداد.

ما جرى حتى الآن يعني أن قطار الهجمات لإخراج القوات الأمريكية من العراق انطلق ، وسوف يتصاعد، يدرك الأمريكيون هذا الأمر جيدا ، لذلك من المتوقع أن تلجأ إدارة ترامب على تنظيم اتصال بالجانب الإيراني لابرام تسوية معه قبل أن تعود جثث الجنود الأمريكيين مع بدء الحملة الانتخابية الرئاسية وهذا ما سيكون له آثار كارثية على حظوظ الرئيس دونالد ترامب . القرار الإيراني الواضح هو إخراج القوات الأمريكية بطريقة مذلة . قد تلجأ الولايات المتحدة إلى خيارات أخرى في الميدان على المدى القريب لتجنب الوصول إلى هذا السيناريو الكارثي عليها . ربما تحاول  تثبيت قوة  ردع بسرعة لوقف تصاعد الهجمات  ومنع إلحاق المزيد من الخسائر في الأرواح الأمريكية ، ويمكن الاستنتاج الآن بوضوح أن الإرادة  الأمريكية لم تتمكن من منع قتل جنود أمريكيين في العراق . العمل الوحيد الممكن هو توجيه ضربات فورية وقد تلجأ الولايات المتحدة لفعل ذلك حتى خارج العراق . لكن التحدي الصعب هو أن أيا من وسائل الإعلام الأمريكية أو الغربية أو العربية لن يتحدث عن القتلى الآخرين إنما سيكون القتلى من الجنود الأمريكيين هو الحدث الأبرز . وهذا سيبطل مفعول أي غارات على مركز تابعة للفصائل العراقية أو مواقع إيرانية في سورية من  الواضح أن الفصائل حضرت نفسها للرد الأمريكي سلفا واخلت مقراتها.  هذا قد يدفع الولايات المتحدة إلى استهداف قيادات من الصف الأول في الفصائل العراقية، لدفعهم للتراجع ووقف الهجمات، هذا لن يكون عملا سهلا بعد اغتيال سليماني . وقد تحتاج الولايات المتحدة لعام كامل بحثا عن شخصية تستطيع استهدافها في هذا الوقت يكون عددا كبيرا من الجنود الأمريكيين قد قتلوا.

في المحصلة سوف ترى الإدارة نفسها في ورطة في العراق، وسوف تسعى لعقد صفقة ما مع الإيرانيين تعيد الأمور إلى مرحلة ما قبل قتل سليماني ولكن عليها أن تكون جاهزة لدفع ثمن مقابل الصفقة .

كاتب واعلامي فلسطيني
رأي اليوم