في إحدى ليالي كانون الثاني الباردة من عام 2006 يقتحم ملثمون من إحدى الميليشيات منزل اللاجئ الفلسطيني خالد مصطفى محمود في تلك الفترة التي تجلت فيها الطائفية في العراق كإحدى نتائج الغزو الأمريكي للبلاد.
يتذكر أسامة لحظة اعتقال والده ويسرد لـ "قدس برس" مشاهد الرعب التي عاشها وأشقائه في تلك الليلة: "كان عمري 14 عامًا، في تلك الليلة المخيفة التي غيرت مجرى حياتنا كليًا؛ ففي لمحة بصر اختفى أبي من حياتنا هكذا ببساطة وبدون سبب".
وأضاف: "كانوا يبحثون عن شخص مطلوب لديهم ومعهم قائمة بالأسماء ورغم عدم وجود أي من أسمائنا في القائمة إلا أنهم اعتقلوا والدي ومنذ تلك اللحظة لم نسمع عنه شيئا!".
وأوضح أسامة: "كان واضح أن هناك مخطط لاستهداف الفلسطينيين في العراق فبعد اعتقال والدي بدأت عمليات الخطف والاغتيال بحق اللاجئين الفلسطينيين تزداد يوما بعد يوم.. لقد حولوا حياتنا إلى جحيم لا يطاق".
وأردف: "باءت كل محاولاتنا بالبحث عن والدي بالفشل، وعندما كانت والدتي وأخي الأكبر يسألون عنه في المراكز الأمنية كانت توجه لهم التهديدات في حال استمروا بمحاولات الكشف عن مصير والدي وبعد كل هذه السنوات مازلنا لا نعرف مصير والدي إن كان حيا أو ميتا!".
ويصف "أسامة" حال عائلته بعد سنوات من اعتقال والده فيقول: "تعرضنا لمضايقات وعمليات دهم متكررة بالإضافة للتهديدات التي كانت تطال أفراد أسرتي كما أني اعتقلت في سن الـ 16 مما اضطرنا لمغادرة العراق".
واستطرد: "ذهب أخي إلى الأردن بعد تهديدات باختطاف ولده كما هاجرت أمي وأخي الأكبر إلى تركيا أما أنا وبعد زواجي وصلت إلى ألمانيا مع زوجتي وولدي في رحلة محفوفة بالمخاطر عبر طرق التهريب".
وناشد "أسامة" السلطات العراقية والمنظمات الإنسانية بالمساعدة في كشف مصير والده. كما طالب السلطة الفلسطينية بالقيام بواجبها تجاه ملف المعتقلين في السجون العراقية.
الفلسطيني هدف
وأفاد الصحفي حسن خالد لـ "قدس برس"، بأن عدد المعتقلين في السجون العراقية قرابة الـ 50 معتقلًا؛ يتهم غالبيتهم بالإرهاب دون أدلة.
ونوه خالد إلى أن "الفلسطيني هو الحلقة الأضعف أمام الأحداث الأمنية فيعتقل لمجرد تواجده مصادفة قرب حادث تفجير". مشيرًا إلى أن 15 لاجئًا فلسطينيًا تعرضوا للإخفاء القسري.
وأكد أن الفلسطينيين في العراق تعرضوا لحملة تشويه إعلامية على محطات تابعة للميليشيات وأظهروا بعضهم على أنهم خلايا إرهابية في برنامج تحريضي اسمه "بالجرم المشهود" وهؤلاء مختفون منذ 5 سنوات وتم حذف المقاطع التي صوروها لهم من اليوتيوب واليوم الميليشيات والقناة التي بثت اعترافاتهم ينكرون معرفتهم بهم!
تعذيب وانتهاكات
وتحدث خالد عن المعاناة التي يعيشها المعتقلون في السجون العراقية وتعرضهم للانتهاكات والتعذيب بالإضافة لحرمان ذوي المعتقلين من زيارة أبنائهم في السجون واقتصار الزيارة على السجينات فقط
ونوه إلى أن السفارة الفلسطينية لديها معلومات تفيد بأن هؤلاء المعتقلين أبرياء وجرى انتزاع الاعترافات منهم تحت التعذيب الشديد.
وأكد أن بعض المعتقلين الذين خرجوا على الشاشات بصفتهم إرهابيين ومنفذي تفجيرات تم إطلاق سراحهم عام 2005 حيث كان القضاء العراقي حينه بخير، على حد وصفه.
وأردف: "ذلك يؤكد أن الاعترافات كانت تؤخذ منهم تحت التهديد".
دور السفارة الفلسطينية
وأشار إلى أن السفارة الفلسطينية تواجه صعوبة في إثبات براءة المتهمين رغم عدم قناعتها بصحة اعترافاتهم والتي أخذت تحت الضغط والتي لا يملك القاضي إلا أن يحكم بموجب ما يسمع من اعترافات خاصة وأن المتهم سيتعرض لتعذيب أشد فيما لو كشف للقاضي أن اعترافاته غير حقيقية وأن هناك من يجبره على الإدلاء بها.
وأضاف أن المفوضية لا تتدخل في القضايا التي يتهم فيه اللاجئ بالإرهاب وتتركه وحيدًا أمام القضاء العراقي.
وعبر عن أسفه لعدم شمل الفلسطينيين بقانون العفو العام والذي أقره البرلمان العراقي عام 2017 رغم محاولات السفير الفلسطيني آنذاك ووجود قرار في مجلس النواب بشمول الفلسطينيين بالقانون باعتبار أن الفلسطيني له نفس حقوق العراقي وعليه نفس الواجبات.
وتساءل خالد هل من المعقول أن يتهم كل المعتقلين الفلسطينيين بالإرهاب حت لا يشملهم العفو؟ ألا يوجد تهم أخرى؟!
وبحسب الصحفي الفلسطيني، فإن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس سلم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في قمة بغداد 2010 قائمة بأسماء المعتقلين الفلسطينيين ووعد بالإفراج عنهم.
ولكن الذي حدث هو أن الأجهزة الأمنية اعتقلت لاجئين فلسطينيين في مجمع البلديات تحت ما يسمى بالإجراءات الأمنية في بغداد وإلى اليوم مازالوا خلف القضبان.
وأوضح خالد أن عائلات المعتقلين يعانون أوضاعًا قاسية وسيئة ومأساوية كونهم تركوا دون معيل كما أن الأوضاع المعيشية الصعبة لهذه العائلات تجعلها عاجزة عن توكيل محام لأبنائها كما تسببت حوادث الخطف والتهديدات إلى مغادرة الفلسطينيين العراق وتشتت الأسر في عدة بلدان.
الجدير بالذكر أن حوالي 40 ألف لاجئ فلسطيني كانوا يعشون في العراق غالبيتهم لجأوا إلى البلاد عام 1948، لكن بعد الاحتلال الأميركي عام 2003 قتل منهم مئات على يد القوات الأميركية ومليشيات عراقية، كما اعتقل مئات آخرون على يد القوات الأميركية والحكومية العراقية، تحت ذرائع مختلفة، ومات عدد غير قليل منهم داخل السجون.
قدس برس