2024-11-27 04:19 م

وهم الدعم الامريكي والخليجي لمصر.. سد النهضة نموذجار

2020-03-09
بقلم/إيهاب شوقي

يبدو أن عنوان اللحظة الراهنة هو “حصاد الرهانات الفاشلة”، حيث تتسم الأحداث الدولية بسقوط الأقنعة وظهور موازين القوى الحقيقية، بعد عقود من الغموض غير البناء. ولا شك أن تركيا تشكل مصداقًا لهذا العنوان، حيث تجني حصاد رهاناتها الفاشلة على الارهاب و”الناتو” وامريكا.

ويبرز حاليًا مصداق آخر محزن، وهو الرهان المصري على أمريكا لحل أزمة كبرى وخطيرة بحجم سد النهضة الاثيوبي والذي تحول الى خطر وجودي وسط تعنت اثيوبي غير مبرر واستهانة بمصر غير مسبوقة.

وهنا لسنا بصدد النقد أو التشفي في فشل الرهان على الامريكي وحصاد الهشيم للتحالف مع الاماراتي والسعودي، وانما بصدد توضيح مدى النفاق الامريكي والخليجي في ملف سد النهضة وكيف يخذلون النظام المصري، وذلك بغرض طرح عبرة جديدة في سلسلة عبر فشل الرهان على امريكا والخليج، ولعل ذلك يكون دعوة للتدارك والعدول عن هذه التحالفات التي أضرت بالأمن القومي المصري في أخطر ملفاته.

ويوجد مساران، الاول هو تصحيح لبعض الأخطاء الشائعة التي يجري الترويج لها، والثاني، هو عرض مبررات ما يجعلنا نقول إنه خذلان بيّن واستهانة بعقول المصريين.

اولا: تصحيح الاخطاء الشائعة:

1- الطرح السائد والذي يتم ابرازه والترويج له، هو أن أمريكا وسيط نزيه في ملف سد النهضة، بل وأنها منحازة لمصر كما يصرح الطرف الاثيوبي.

بينما واقع الحال يقول إن سد النهضة الإثيوبي، كان نتاج بعثات علمية قام بها باحثون أمريكيون بتمويل من جهاز المخابرات الأمريكي “سي آي إيه” في 1956 في أعقاب تأميم قناة السويس، انتقاما من لجوء جمال عبد الناصر للاتحاد السوفيتي لتسليح الجيش المصري.

ورغم أن مصلحة إثيوبيا لم تكن في بناء سد “النهضة العملاق” على نهر النيل، وكانت في بناء سد بهذا الحجم الكبير على نهر “أومو”، حتى يكون بالقرب من العاصمة أديس أبابا، فتقل تكاليف نقل الكهرباء من السد إلى العاصمة أديس أبابا ثم تصدير الزائد عن الحاجة إلى الدول الأفريقية القريبة وعلى رأسها كينيا وجيبوتي وأوغندا، الا ان اغراءات امريكا هي التي قادت لبناء السد الحالي.

وامريكا غير القادرة على منافسة الصين في افريقيا تريد الدخول من الباب السياسي وتنظر بعينها على الاستثمار في السد وهو ما يحول بينها وبين الضغط الصادق على اثيوبيا!

2- يروج أيضًا للسد باعتباره مشروعًا قوميًا اثيوبيًا يقوم على الاكتتاب والتمويل الذاتي.

بينما تقول المعلومات ان تكلفة البناء تتخطى 5 مليارات دولار، تتكفل الصين بجانب كبير حيث وقعت اتفاقية لإقراض أديس أبابا ما يعادل مليار دولار أمريكي؛ وقام بنك الصين الصناعي بإقراض إثيوبيا 500 مليون دولار في عام 2010؛ من أجل إعداد الدراسات للسد في بدايته لتصبح أكبر دولة مشاركة في بناء السد.

كما تساهم ايطاليا من خلال شركة ساليني إمبراليجيو المتخصصة بتشييد السدود، ويساهم البنك الدولي، ورغم نفي هذا البنك أكثر من مرة دعمه لهذا السد، إلا أن السفير محمد إدريس سفير مصر بإثيوبيا في 2013، أكد أن البنك الدولي هو الممول الرئيسي للسد، اضافة الى رجل الاعمال السعودي محمد العمودي.

كما تتواتر التقارير عن تمويلات خليجية قطرية واماراتية وسعودية.

3- يراد أيضًا ابراز التعنت الاثيوبي بأنه نابع من مجرد العناد والحماسة الوطنية ورفض التدخل في السيادة. بينما واقع الحال يقول إن أزمات اثيوبيا وامكاناتها لا تسمح بهذا التحدي المعلن ولا تستطيع بناء السد بجهودها الذاتية، مما يشي بضوء أخضر وحماية دولية.

ثانيا: لماذا نقول إنه خذلان أمريكي خليجي لمصر؟

1- بخصوص امريكا، فمن المعلوم بالضرورة أن الولايات المتحدة تستغل الموقف عبر أنصارها وحلفائها في البنك الدولي أو في صندوق النقد الدولي، لفرض الوصاية على الدول المقترضة، وكما يقول جون بيركنز في كتابه “اعترافات قاتل اقتصادي”، ان “البلدان المتقدمة فرادى كالولايات المتحدة الأمريكية أو مجتمعة كأوروبا الموحدة يكون لديها فعلًا حق “الفيتو” على كل ما لا ترضى عنه من قرارات، حيث يسمح نظام التصويت داخل الصندوق والبنك لحفنة من الدول الصناعية المتقدمة بنفوذ قوي في عملية صنع القرار داخلهما.

أي أن أمريكا يمكنها بالفعل الضغط على اثيوبيا عبر اعاقة تمويل السد وعبر اعاقة قروض صندوق النقد الغير مباشرة بتمويله.

بينما واقع الحال يقول إن المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي أقر مؤخرا برنامج قرض لمدة 3 أعوام لإثيوبيا لمنحها حقوق سحب خاصة بقيمة 2.9 مليار دولار، اضافة الى حصول إثيوبيا على قرض 3 مليارات دولار من البنك الدولي.

كما أن أمريكا التي توقع العقوبات بشكل منفلت ضد ايران وروسيا وكوريا الشمالية وفنزويلا، لم تلوح بامكان توقيع عقوبات متعلقة بحقوق الانسان رغم الانتهاكات الاثيوبية والتي كان أحدثها مظاهرات ضخمة خرجت ضد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، احتجاجا على السياسات القمعية وانتهاكات قوات الأمن الإثيوبية لحقوق الإنسان، واضطهاد بعض العرقيات في إثيوبيا والأنباء التي تتحدث عن مضايقة الصحفيين واستمرار الإغلاق على شبكة الإنترنت والتي أعادت المخاوف من أن تعيد إدارة أبي الممارسات الاستبدادية التي اعلنت التخلي عنها رسميًا.

2- اما بخصوص الخليج، ففي منتصف ديسمبر الماضي، ثمّن رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، “الدعم” الذي قدمته دولة الإمارات والسعودية لإثيوبيا ضمن حزمة المساعدات لدعم الاستقرار في إثيوبيا وشرقي إفريقيا.

وأفاد دبلوماسيون في المنطقة أن الولايات المتحدة قامت بمساعٍ دبلوماسية مكوكية لأكثر من عام، وفي ظل وعد بمساعدات مالية من الخليج ودعم واشنطن، اتخذ أبي خطوته.

والسؤال هنا، اين الخطوات الداعمة لمصر واين الزيارات المكوكية واين التلويح حتى بالعدول عن هذا الكرم الخليجي في دعم الاقتصاد الاثيوبي؟ ان الامر يقتصر على بيانات فارغة من جامعة الدول العربية وبيانات جوفاء انشائية من وزير الخزانة الامريكي، وواقع الحال يقول ان الاستثمارات الامريكية عينها على السد وان مصالح الخليج الافريقية والاستثمارية في اثيوبيا أهم كثيرا من حليف مصري وضع أوراقه كلها في جعبة امريكية خليجية!