تعميق علاقات إسرائيل مع إثيوبيا هو في الواقع جزء من الاستراتيجية الاسرائيلية الأوسع تجاه أفريقيا، والتي أعلن عنها رئيس الوزراء نتنياهو في عام 2016 تحت شعار «العودة إلى أفريقيا». تهدف هذه الاستراتيجية إلى توسيع مستوى العلاقات مع دول أفريقية مهمة، مثل إثيوبيا التي تروِّج لنفسها منذ سنوات باعتبارها «بوابة إسرائيل إلى أفريقيا»، واستكشاف آفاق مد جسور التعاون مع دول جديدة في القارة.
انقلاب وتظاهرات.. هكذا تصنع الدول من الليمون الحامض شرابًا حلوًا
بينما لم تكد إثيوبيا ترفع رأسها بين ركام الانقلاب الفاشل، الذي أسفر عن مقتل رئيس الأركان والعديد من كبار المسؤولين في إثيوبيا، حتى حطّ ممثلو الحكومة الإثيوبية رحالهم في إسرائيل، أواخر شهر يوليو (تموز) 2019.
على الصعيد الرسمي، حثت وزارة الخارجية الإسرائيلية مواطنيها في إثيوبيا على «تجنب التجمعات، والابتعاد عن المظاهرات المحلية»، ونصحتهم عمومًا بالبقاء في منازلهم حتى يصبح الوضع أكثر وضوحًا». لكن تغطية الصحف الإسرائيلية لذلك الانقلاب الفاشل كانت داعمة بوضوح لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وهو الموقف الذي يكاد يتطابق مع النهج الأمريكي المشجع لرئيس الوزراء الشاب، والذي توِّج بمنحه جائزة نوبل للسلام، حتى لو كان ترامب يعتقد أنه أحق بها.
وكان لافتًا أيضًا أن منافذ إعلامية، مثل: «جيروزاليم بوست» و«إسرائيل ناشيونال نيوز»، استخدمت هذا الانقلاب وتداعياته الأمنية للتأكيد على ضرورة تسهيل هجرة ما تبقى من اليهود الإثيوبيين إلى إسرائيل. وفي ظل الصعوبات التي تواجهها إثيوبيا، والوعود البراقة التي تطلقها إسرائيل، يودّ ما تبقى من يهود إثيوبيا لو لحقوا بأكثر من 140 ألفًا من بني جلدتهم الذين سبقوهم بالهجرة، أو ولدوا في إسرائيل.
ولفتت الصحفية الإسرائيلية «سونيا إبشتاين» إلى أن هذه المحاولة الدموية جاءت في أعقاب مفاوضات ناجحة بين إسرائيل وإثيوبيا أدت إلى إطلاق سراح ميناشي ليفي، وهو مواطن إسرائيلي ظل محتجزًا في إثيوبيا لأكثر من أربع سنوات بعد اتهامه بالتهرب من الضرائب.
على الجانب الآخر، لم تكن التظاهرات التي نظمها المهاجرون الإثيوبيون في إسرائيل احتجاجًا على مقتل المراهق الإثيوبي سليمان تيكا برصاص شرطي إسرائيلي قد وضعت أوزارها بعد، حتى أكد السفير الإثيوبي لدى إسرائيل ريتا أليمو نيغا على أن هذا هو الوقت المناسب تمامًا لتعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين.
وقبل أن يسدل العام ستاره كان رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، يُستقبل بحفاوةٍ بالغة في إسرائيل، ليؤكد من تل أبيب في سبتمبر (أيلول) الماضي ما سبق أن أعلنه سلفه هيلامريم ديساليجن قبل سنواتٍ في عام 2016 من قلب إثيوبيا، بحضور نتنياهو في الموقفين.
لماذا تُعَوِّل أديس أبابا وتل أبيب على «المجتمع الإثيوبي اليهودي» في إسرائيل؟
حين أدلى السفير الإثيوبي بالتصريحات المشار إليها آنفًا لم يكن يجهل معاناة الإثيوبيين في إسرائيل، لكنه كان يُعَوِّل على الدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع الإثيوبي اليهودي، الذي يضم أعضاء مثقفين ونشطين في تعزيز العلاقة بين البلدين، ناهيك عن تسوية أي توترات قائمة.
وهو يقول عن ذلك في حوارٍ مع صحيفة جلوبز العبرية: «يمكنهم العمل في إثيوبيا باعتبارهم مواطنين محليين دون القيود التي تنطبق على المستثمرين الأجانب، لأنهم يتحدثون اللغة المحلية، ويفهمون الثقافة الوطنية، وعندما يذهبون إلى إثيوبيا، يعاملون باعتبارهم جزءًا من المجتمع. وهم بذلك يمتلكون قدمًا في إثيوبيا والأخرى في إسرائيل، ورغم أنهم يعيشون الآن في الأخيرة إلا أن جذورهم لا تزال قوية في الأولى».
واللعب بهذه الورقة ليس حكرًا على الجانب الإثيوبي، بل وظفها نتنياهو، في كلمته المشتركة مع رئيس وزراء إثيوبيا السابق حين استقبله في إسرائيل مطلع يونيو (حزيران) 2017، قائلًا: «يشكل المجتمع الإثيوبي في إسرائيل، يا سيادة رئيس الوزراء، جسرًا بشريًا يربط بين أبناء شعبينا. وعضو الكنيست ونائب رئيس الكنيست، د. ناجوسا، شاهد على مساهمة هذا المجتمع».
«إثيوبيا ترحب بكم».. دعوة سياحية مفتوحة من قلب تل أبيب
تطمح إثيوبيا إلى تعزيز اقتصادها من خلال زيادة عدد السياح إلى ثلاثة أضعاف، ليصل إلى أكثر من 2.5 مليون زائر في غضون السنوات الخمس المقبلة، على أمل أن يولد هذا القطاع استثمارًا أجنبيًا مباشرة ويجلب المزيد من العملات الأجنبية ويخلق فرص عمل، فضلًا عن المساهمة في الترويج لصورة إثيوبيا إقليميًا وعالميًا، حسبما صرح أمين عبد القادر وزير الثقافة والسياحة الإثيوبي.
وكان المجلس الأوروبي للسياحة والتجارة قد اختار إثيوبيا باعتبارها أفضل وجهة عالمية للسائحين في عام 2015. وتضم البلاد تسعة مواقع مدرجة على قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)؛ ثمانية منها مواقع ثقافية وموقع واحد طبيعي.
في ضوء هذا الطموح، يمكن قراءة مشاركة إثيوبيا في «السوق الدولي للسياحة المتوسطية لعام 2020» الذي استضافته تل أبيب في الفترة من 11 إلى 12 فبراير (شباط) 2020، إذ وجدته الحكومة الإثيوبية فرصة لتوجه دعوة مفتوحة للإسرائيليين لزيارة المواقع التراثية العالمية في البلاد، والاستفادة من الإمكانات السياحية التي تمتلكها، وأعربت السفارة الإثيوبية في إسرائيل عن استعدادها لتقديم كل الدعم اللازم للراغبين في السفر إلى إثيوبيا.
معجزة اقتصاد إثيوبيا في خطر.. وإسرائيل تتقن مداعبة أحلام الخائفين
هل تحتاج إثيوبيا إلى إسرائيل؟ الإجابة عن هذا السؤال تتطلب استعراضًا شاملًا لمسيرة الاقتصاد الإثيوبي خلال العقدين الفائتين وآفاقه المستقبلية، ووضع هذا التقييم في سياق أنهار السمن والعسل التي تعد بها إسرائيل إثيوبيا.
في عام 2000، كانت إثيوبيا، ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان في أفريقيا، تلاحقها وصمة «ثالث أفقر دولة في العالم»؛ إذ كان نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي السنوي حوالي 620 دولارًا (بسعر الدولار في عام 2011)، وكان أكثر من 50