2024-11-24 03:34 م

دول عربية دفعت أموالاً ليتم التجسس عليها

2020-02-15
نشرت صحيفة “واشنطن بوست”، والقناة الألمانية الثانية تقريرا استقصائياً كشف عن تعاون استخباري بين ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية من خلال امتلاكها لشركة “كريبتو” لصناعة معدات التشفير راح ضحيته 120 دولة، فما هي القضية؟لأكثر من 50 عاماً، كانت أسرار الحكومات والأنظمة السياسية لدول في جميع أنحاء العالم بيد شركة سويسرية واحدة، تم ائتمانها على اتصالات سرية بين الجواسيس والجنود والدبلوماسيين.

شركة “كريبتو”، والتي تم إنشاؤها عام 1970، تخصصت بصناعة أجهزة تشفير وبيعها لأكثر من 120 دولة، لتهيمن عبر العقود الماضية على هذا السوق منذ البداية، وهي مسيطرة على أكثر من 40% من القنوات الدبلوماسية السرية، وقد حققت من خلال بيع وانتاج هذه الأجهزة ملايين الدولارات.

وقد شكّلت إيران والدول العربية ودول أمريكا اللاتينية، والهند وباكستان أهم عملائها، بالإضافة إلى عدة دول حليفة خلال الحرب الباردة، وفي فترات التنافس المحموم على صناعة الأسلحة النووية.

إلا أن عائدية ملكية هذه الشركة لم تكن معروفة لأي من هؤلاء العملاء، إذ كانت تتبع سراً لوكالة المخابرات الأمريكية المركزية CIA، بشراكة مع المخابرات الألمانية الغربية BND، وبعلم المخابرات السويسرية، كما كشف تحقيق استقصائي واسع لكل من صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، والتلفزيون الألماني ZDF.

أتاحت هذه القدرات للشركة إمكانية تزوير معدات التشفير، مما مكنها من كسر الرموز التي استخدمتها البلدان في مراسلاتها، مما يعني أن ألمانيا والولايات المتحدة استطاعتا كشف الأسرار السياسية والعسكرية، وحتى العمليات السرية آنذاك.

ليتم وصفها من “السي آي إيه” بـ”انقلاب استخباري”، إذ كانت الدول الضحية تدفع أموالاً طائلة للولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا من أجل امتياز قراءة معظم اتصالاتها السرية.

والذي يطرح تساؤلاً حول المسؤولية الأخلاقية التي تقع على هاتين الدولتين في جرائم الحرب التي حدثت في تلك الفترة، بالإضافة إلى حجم المعلومات التي تمكنت من الحصول عليها ومتابعتها.

أكبر العمليات السرية في الحرب الباردة

هذه العلاقة السرية ما بين الجهازين استمرت حتى عام 1993، حينما انسحبت ألمانيا من الاتفاق، وقامت الولايات المتحدة الأمريكية بشراء حصة شريكتها، وفرض سيطرتها الكاملة على الشركة حتى عام 2018، وقد تم حفظ ملف العملية في سجل سري للـ “سي آي إيه”، ليتم الكشف عنه مؤخراً فقط.

وقد اعتبرت العملية، والتي عرفت لاحقاً باسم “Thesaurus” و “Rubicon”، بأكبر العمليات السرية في الحرب الباردة، إذ استطاعت كلتا الدولتين السيطرة بشكل كامل على الشركة، وتحكموا بالتوظيف، والتصميم وتخريب الخوارزميات، وتوجيه أهداف المبيعات.

العقود الطويلة لهذا التعاون تشير إلى حجم المعلومات التي جمعها جهازا المخابرات بشكل سري ودون علم زبائن الشركة، بيد أن دلائل أولية آنذاك أشارت إلى وجود قناة سرية لدى واشنطن يتم من خلالها تهريب المعلومات إلى البيت الأبيض.

إذ أن العلاقة كانت مهددة عام 1986، وذلك بعد أن كشف الرئيس الأمريكي آنذاك رونالد ريغان عن حصول الولايات المتحدة الأمريكية على معلومات مؤكدة حول المتسبب بتفجير ملهى ليلي في غرب برلين، راح ضحيته جنديين أمريكيين، وامرأة تركية.

هذا التفجير كان سبباً لقيام واشنطن بالإعلان عن هجوم ضد ليبيا بعد 10 أيام فقط من العملية، إذ قال ريغان في خطابه: “لدينا دليل مباشر، ودقيق، ولا يمكن دحضه”، مما طرح التساؤل حول مصادر المعلومات، وإن كانت الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك أداة تجسس سرية.

لم تكن هذه الحادثة الوحيدة التي وضعت “كريبتو” تحت مجهر المراقبة والشك، إذ تم القبض على بائع في الشركة لم يكن يدرك أنه يبيع أجهزة مزورة عام 1992 في إيران، ليثير بذلك عاصفة مدوية، كادت أن تطيح بها، وفقاً لوكالة المخابرات المركزية، والذي دفع BND إلى الانسحاب بسبب مخاوفها من “الفضيحة السياسية” بعد عام فقط من الحادثة.

ولكن المدى الحقيقي لـ”الباب الخلفي” الذي قدمته الشركة لواشنطن وبون (عاصمة ألمانيا الغربية في ذلك الوقت)، لم يتم الكشف عن حجمه إلا الآن.

فقد جلس العملاء الأمريكيون والألمان يتنصتون على اتصالات الرئيس المصري أنور السادات في القاهرة عام 1978، عقب عملية اجتماع قادة مصر وإسرائيل والولايات المتحدة في كامب ديفيد للتفاوض على اتفاق سلام.

وجرى التنصت أيضا على مكالمات النظام الإيراني خلال أزمة الرهائن عام 1979، وذلك بعد قيام عناصر من “الثورة الإيرانية” باحتجاز 52 أمريكياً لمدة 444 يوماً.

وقامت المخابرات الأمريكية والألمانية الغربية بتقديم معلومات للبريطانيين خلال حرب الفوكلاند بين الأرجنتين والمملكة المتحدة عام 1982.

دول عربية على رأس القائمة

احتكار “كريبتو” لسوق التشفير خلال العقود السابقة، جعلها وجهة العديد من دول العالم للحصول على معدات تشفير متطورة، إذ أن 120 دولة وقعت ضحية التعاون الأمريكي الألماني.

فقد كانت إيران على رأس القائمة، إلى جانب السعودية والعراق، والأردن، والكويت، ولبنان، وعمان، وقطر، وسوريا، والإمارات، والجزائر، ومصر، وليبيا، والمغرب وتونس.

وكذلك دول أمريكا اللاتينية؛ فيما كانت دول أوروبية أيضاً واقعة في شباك الجهازين وطال التورط حتى دولة الفاتيكان، إضافة إلى دول من شرق وجنوب آسيا.

بيد أن مدى نجاح هذه العملية كان محدوداً نوعاً ما، إذ أن خصوم الولايات المتحدة الرئيسيين؛ روسيا والصين رفضتا التعاون مع “كريبتو” بسبب شكوكهم حول علاقتها مع واشنطن، مما يعني أن تقنية “رسائل التشفير” لموسكو وبكين كانت تجري في معزل عن دول القطب الغربي.

فيما ذكر التحقيق أن المخابرات الألمانية والأمريكية لم يتجسسا على إسرائيل والسويد وسويسرا وبريطانيا، وفي هذا يرى مدير المجموعة الألمانية المختصة في الاستشارات الأمنية يان سانت بيير خلال حديث له مع مسائية DW، أن هناك عوامل ساعدت على حماية هذه الدول، فقد قدمت سويسرا الموقع الجغرافي والدعم للشركة، بينما كانت العلاقات الوطيدة بين إسرائيل وبريطانيا عاملاً مهماً في حمايتهما، فيما كان وجود موظف سويدي ذي دورٍ مهم في الشركة سبباً في حماية بلده الأم، مضيفاً أن ليس في عالم التجسس “حلفاء وأصدقاء”.

ردود فعل بين الخوف والمسؤولية الأخلاقية

أثار التحقيق فور انتشاره زوبعة لدى العديد من المهتمين والنشطاء وشركات تقنيات التشفير، فيما تم اعتباره فضيحة مدوية، وقد ذكر الناشط الأمريكي كيم دوتكوم في تغريدة له، أن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول حتى الآن إجبار شركات تكنولوجية أمريكية بشكل قانوني على فتح “باب خلفي” للسماح لها بالتجسس على دول وأفراد.

فيما يرى الخبير الألماني سانت بيير أن تنوع الشركات التقنية حالياً وعدم احتكار السوق من قبل شركة واحدة، يفتح المجال لمزيد من الحماية للأفراد والدول، معقباً أن الحديث عن الجانب الأخلاقي جزء مهم في هذا السياق، إذ أن معرفة ألمانيا بالعديد من الجرائم، التي راح ضحيتها ألمان، قبيل وقوعها يطرح التساؤل عن المسؤولية الأخلاقية التي تتحملها.

بينما لم تصدر برلين حتى هذه اللحظة أي تصريحات رداً على المعلومات التي احتواها التحقيق.