2024-11-24 01:26 م

الإمارات تتوّج علاقتها مع إسرائيل بدعم صفقة القرن

2020-01-29
تمر العلاقات بين دولة الإمارات والفلسطينيين، وعلى وجه الخصوص السلطة في رام الله بالضفة الغربية المحتلة، بأسوأ مراحلها وأعقدها، حتى وصلت لحد القطيعة والتوتر المتصاعد، وذلك على خلفية المواقف التي تتخذها أبوظبي تجاه القضية الفلسطينية وانحيازها الفاضح لـ"إسرائيل".

التطبيع العلني مع "تل أبيب"، وتبنِّي سياسة الضغط لقبول الإملاءات الأمريكية ومن بينها "صفقة القرن"، التي طرحها دونالد ترامب رسمياً في 28 يناير 2020، واحتضان النائب المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان، وتهديد الجالية الفلسطينية بالملاحقة والاعتقال، والعلاقات بصفقات مشبوهة داخل مدينة القدس، جميعها أسباب دفعت الفلسطينيين إلى رفع الكارت الأحمر في وجه الدور الإماراتي.

وتحتل أبوظبي، التي يُعد ولي عهدها محمد بن زايد حاكم البلاد الفعلي، طليعة الدول العربية المؤيدة لخطة ترامب لتسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ويتردد أنها تقوم على إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لمصلحة "إسرائيل"، بما فيها وضع مدينة القدس المحتلة، وحق عودة اللاجئين.

ويجمع سياسيون ومحللون على أن الإمارات قد اتخذت الطريق المعاكس لتطلعات وطموحات الفلسطينيين في التخلص من الاحتلال والذهاب نحو الدولة والحرية، وأن الخطوات التي تتخذها ضد قضيتهم -سواء كانت سرية أو علنية- عمقت الخلافات القائمة، وصعَّدت من حدة التوتر، بحسب ما صرحوا به لـ"الخليج أونلاين".

تأييد صفقة القرن

ولم يكن مستغرباً حضور السفير الإماراتي، يوسف العتيبة، مؤتمر إعلان الرئيس الأمريكي صفقة القرن وجعل القدس عاصمة موحدة للاحتلال الإسرائيلي.

وأعرب ترامب ونتنياهو عن شكرهما لأبوظبي والمنامة ومسقط على جهودهم وحضورهم للمؤتمر.

وعقب المؤتمر أصدر العتيبة بياناً أكد فيه دعم بلاده الصريح للخطة، معتبراً أنها "بمثابة نقطة انطلاق مهمة للعودة إلى المفاوضات ضمن إطار دولي تقوده الولايات المتحدة".

كما أوضح أن "دولة الإمارات تقدر الجهود الأمريكية المستمرة للتوصل إلى اتفاق سلام فلسطيني إسرائيلي"، مشدداً على أن "هذه الخطة هي مبادرة جادة تتناول العديد من المشاكل التي برزت خلال السنوات الماضية".

هجوم إماراتي

وكان الأكاديمي الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، الذي عمل مستشاراً سابقاً لـ"بن زايد"، شن هجوماً على كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، زاعماً بأنه "لا يوجد أسوأ منه ناطقاً باسم قضية فلسطين".

وجاء هجوم مستشار بن زايد السابق، على خليفة تصريحات أدلى بها عريقات لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، انتقد خلالها خطة ترامب وأسماها "خدعة القرن"، واصفاً الرئيس الأمريكي بأنه "ظالم"، بعد "اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وشرعنة المستوطنات، وقطع دعم الأونروا والمؤسسات والمستشفيات الفلسطينية".

وكان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، قد قال لـ"الخليج أونلاين"، في يوليو 2019: إن "الفلسطينيين هم من يدفعون ثمن التطبيع العربي والورشات الاقتصادية التي تعقد لدعم صفقة القرن الأمريكية"، في إشارة لصفقة المنامة التي ناقشت الشطر الاقتصادي من الصفقة.

وشدد على أن "علاقات التطبيع دائماً ما تكون نتائجها الكارثية على ظهور الفلسطينيين من قتل وتهجير وعنصرية وهدم لمنازلهم وتصفيه لقضيتهم العادلة، وما زال هناك المزيد من جرائم الحرب التي ينتظر الاحتلال الضوء الأخضر لتنفيذها".

ولعل أبرز المواقف التي أظهرت بوضوحٍ حجم التوتر في العلاقات بين أبوظبي ورام الله، التصريحات التي صدرت عن الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، حين أنكر في أبريل 2019، معرفة أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، قائلاً: إنه "لم يسمع به من قبل"، في إجابة عن سؤال لقناة تلفزيونية فرنسية حول مطالبة الأخير للفلسطينيين بفتح قنوات للتواصل بين العرب و"إسرائيل".

صفقة القرن

صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية كشفت، في 26 يناير 2020، أن "صفقة القرن" ستشمل "فترة تحضير" مدتها 4 سنوات انطلاقاً من قناعة أمريكية بأن الرئيس عباس سيرفض تنفيذها، لكن ربما يقبلها خليفته، وهو ما يطرح تساؤلات حول الدعم الكبير الذي تقدمه أبوظبي لدحلان لخلافة عباس على رأس السلطة الفلسطينية.

وتقترح الصفقة، وفق مصادر الصحيفة العبرية، إقامة دولة فلسطينية على مساحة تصل إلى نحو 70% من أراضي الضفة الغربية، ويمكن أن تكون عاصمتها بلدة "شعفاط" شمال شرقي القدس.

وستكون الدولة الفلسطينية المقترحة بلا جيش أو سيطرة على المجال الجوي والمعابر الحدودية، وبلا أية صلاحيات لعقد اتفاقيات مع دول أجنبية.

وكانت الإدارة الأمريكية قد طرحت، في يونيو من العام الماضي، الشق الاقتصادي من صفقة القرن، والتي تقوم على تنفيذ استثمارات بقيمة 50 مليار دولار في قطاع غزة والضفة الغربية والدول العربية المجاورة (مصر ولبنان والأردن)، فيما تقول تقارير غربية إن دولاً خليجية، على رأسها السعودية والإمارات، هي من ستتكفل بتمويل الخطة.

وعُقدت في البحرين على مدار يومي 25 و26 يونيو 2019، ورشة اقتصادية، أثارت استياء فلسطينياً وعربياً؛ نظراً لما جاء فيها من قرارات وخطوات تمس القضية الفلسطينية بشكل مباشر، وتقدم الحل الاقتصادي على الحل السياسي، وتقرب "إسرائيل" من المنطقة العربية، وتفتح باب التطبيع معها من خلال المشاريع الاقتصادية.

مواقف أوصلت للقطيعة

عضو المجلس الثوري لحركة "فتح"، يحيى رباح، أقر بوجود توتر بين السلطة ودول عربية من بينها الإمارات، وقال: "علاقات السلطة الفلسطينية مع بعض الدول العربية شهدت توتراً خلال الفترة الأخيرة، بسبب ما يجري للقضية الفلسطينية من مخططات تستهدفها".

وانتقد رباح خلال حديث سابق لـ"الخليج أونلاين"، ما سماه "التهافت" العربي على تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، من خلال الزيارات الرسمية للمسؤولين الإسرائيليين للدول العربية، وكان آخرها زيارة وزير خارجية الاحتلال للإمارات، معتبراً ذلك "تجاوزاً يضر بالقضية الفلسطينية وخيانة لها".

واعتبر القيادي في "فتح" تطوُّر علاقات دول عربية مع "إسرائيل" بهذا الشكل الذي وصفه بـ"الفاضح"، مؤشراً سلبياً خطيراً على التوجه العربي الجديد في المنطقة، مشيراً إلى أن السُّلطة كانت لها ردود فعل واحتجاجات على تلك المواقف، وأن التطبيع والعلاقات المفتوحة مع الاحتلال كانا سبباً في هذا التوتر القائم.

وأوضح أن الدول العربية مطالَبة بدعم الفلسطينيين، وتوفير شبكة أمان مالية لهم لمواجهة الاحتلال، وليس استقبال قادته على أراضيها وإقامة الاتفاقيات معه، وشرعنة وجوده من خلال باب التطبيع.

كما انتقد السفير الفلسطيني السابق، والقيادي في "فتح"، عبد الله عبد الله، في تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين"، ما سماه "لهث" بعض الدول العربية خلف التطبيع العلني مع "إسرائيل"، مؤكداً أن كل هذه المظاهر التي تجري في العواصم العربية تضر بالقضية والمشروع الوطني الفلسطيني.

وقال في حديث سابق: "التطبيع بكل أشكاله يُدينه الفلسطينيون ويرفضونه جملةً وتفصيلاً، وعلى الشعوب العربية التحرك فعلياً لمواجهة هذا الخطر الذي بدأ يسلكه حكام بعض الدول العربية".

وهاجم مستشار الرئيس الفلسطيني للعلاقات الخارجية والدولية، نبيل شعث، الإمارات حين أعلنت "إسرائيل" عن مشاركتها في معرض "إكسبو الدولي 2020"، المقررة إقامته في مدينة دبي، واعتبر ذلك تطبيعاً يشكّل "خطأ فادحاً" في حق القضية الفلسطينية، والموقفين العربي والإسلامي.

وخلال الفترة الأخيرة حاولت أصوات إعلامية وأكاديمية إماراتية الترويج للتطبيع ودعم "صفقة القرن" بقوة، واتهمت هذه الأصواتُ الفلسطينيين الرافضين للتطبيع بأنهم يصدرون مواقف "عنترية" لن تفيد القضية، في ظل هجوم مكثف ومستمر يقوده دحلان على قيادة السلطة و"فتح"، وسط اتهامات بالفساد والفشل ومطالبات بالرحيل.

ووصل الخلاف الفلسطيني-الإماراتي إلى حد مقاطعة السلطة للجنة الوطنية للتكافل الاجتماعي، وهي هيئة تتلقى دعمها بالكامل من الإمارات، وتضم ممثلين عن القوى الفلسطينية كافة، باستثناء "فتح"، لأن هذه اللجنة يشرف على عملها وتنسيقها دحلان.

ومنذ سنوات أوقفت الإمارات كل مساعداتها المقدمة للسلطة، بعد أن احتلت المرتبة الرابعة بين أكبر 10 دول داعمة مالياً للسلطة، بقيمة ملياري دولار.

أدوار مشبوهة

"الإمارات أظهرت وجهها الحقيقي تجاه قضية فلسطين، بتعاونها مع المحتل من أجل تغييب هذه القضية، بخلاف توقعات ومصالح ومخططات الفلسطينيين في الدولة والحرية وإنهاء الاحتلال"، يقول كمال الخطيب، نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل المحتل عام 1948.

ويوضح الخطيب لـ"الخليج أونلاين" أن للإمارات أدواراً مشبوهة في الساحة الفلسطينية، أبرزها دورها في تعميق الخلافات الداخلية، وكذلك حماية الشخصيات المرفوضة كدحلان ودعمه لتنفيذ مشاريعها الخطيرة في المنطقة، وكذلك الصفقات التي تجريها في شراء العقارات بمدينة القدس وبيعها للاحتلال.

وذكر في حديثه مؤخراً، أن من ضمن الأدوار التي تتبناها الإمارات، وينفذها دحلان، الضغط على الفلسطينيين بكل الطرق من أجل قبول "صفقة القرن" التي تستهدف القضية، مشيراً إلى أن هذه الأدوار كانت دافعاً للأزمة الحاصلة والإعلان الصريح عن رفض دورها ورفع الكارت الأحمر في وجهها.

وخلال الشهور الأخيرة تصدَّرت الإمارات، برفقة السعودية، المشهد في العلاقات مع "إسرائيل"، واستضافت أبوظبي عديداً من المسؤولين الإسرائيليين، على رأسهم وزير الخارجية، يسرائيل كاتس، نهاية يونيو 2019، كما سبقته إلى أبوظبي، في أكتوبر 2018، وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية ميري ريغيف، وسط استياء فلسطيني وعربي.

وغير السُّلطة و"فتح" تمر علاقات الإمارات مع "حماس" وبقية الفصائل بحالة من التوتر وتشوبها كثير من الخلافات والاتهامات المتبادلة، عكس العلاقات المتطورة والمتصاعدة الجارية مع "تل أبيب".

أداة في يد "إسرائيل"

وحققت دولة الاحتلال مع الإمارات قفزة كبيرة من التطبيع خلال السنوات الأخيرة، وهذا الأمر أشعل غضب الفلسطينيين وانتقادهم للدور الإماراتي الجديد في المنطقة، والذي كان مفتاحه العلاقات مع "إسرائيل" وتجاوز القضية الفلسطينية، وفق ما صرح به المحلل السياسي مصطفى الصواف.

ويؤكد الصواف لـ"الخليج أونلاين" أن الإمارات تخلت عن الدور السابق الذي كانت تؤديه في دعم القضية الفلسطينية، وباتت الآن تتصدَّر المشهد المرفوض فلسطينياً في تصفية القضية ودعم وجود الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة كحليف مهم وجديد.

وأوضح أن الفلسطينيين جميعهم يرفضون الدور الإماراتي الذي يمس قضيتهم، خاصة بعد تحركات أبوظبي الأخيرة في استضافة المسؤولين الإسرائيليين علناً على أراضيها، والمشاركة الفاضحة في ورشة المنامة الاقتصادية التي عُقدت الشهر الماضي، وإضافة إلى دورها الخطير في تمرير "صفقة القرن".

ولفت المحلل السياسي إلى أن الإمارات "ما عادت لها سيادة على دورها في القضية الفلسطينية على وجه الخصوص، وأصبحت أداة في يد الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل" لتمرير وتنفيذ الصفقات والمخططات المشبوهة والخطيرة في الدول العربية والانقلابات الحاصلة".

وتوقع الصواف أن تشهد العلاقات الإسرائيلية-الإماراتية خلال الفترة المقبلة مزيداً من التطور والدخول بمناطق أكثر حساسية وتأثيراً على القضية الفلسطينية، وأن تزيد هذه العلاقات مع دولة الاحتلال من حالة التوتر القائمة مع الفلسطينيين التي دخلت الشهور الأخيرة بمرحلة "العلاقات السيئة جداً".

وكان "الخليج أونلاين" كشف، في 22 مايو 2019، عن حملة اعتقالات وملاحقات وتحقيق غير مسبوقة تنفذها السلطات الإماراتية بحق عشرات الفلسطينيين المقيمين بأراضيها خلال الشهور الأخيرة.

وأدت دولة الإمارات دوراً رئيساً بمنطقة الخليج، في بناء علاقات مع الاحتلال وعلى جميع الصعد؛ السياسية والأمنية والتجارية، فالتطبيع يتواصل بعزيمة أكبر من خلال قنوات سرية.
الخليج أون لاين