2024-11-24 05:49 م

تحضيرات مفزعة «للحرب العرقية»

2020-01-27
تحول تيار اليمين المتطرف إلى خطر داهم يهدد البشرية وليس فقط قيم الليبرالية والتعايش السلمي، فمعتنقو فكر سيطرة الرجل الأبيض على العالم استفادوا من ثورة التكنولوجيا في التواصل والتخطيط والتنفيذ أيضاً، لينتقل الخطر من الفضاء السيبراني إلى أرض الواقع.

صحيفة الغارديان البريطانية نشرت تحقيقاً استقصائياً بعنوان: «الاستعداد للحرب العرقية: وثائق تُظهِر سير الأعمال الداخلية لجماعة من النازيين الجُدد»، كشف عن مدى خطورة ذلك التيار على المجتمعات والتعايش السلمي بين البشر.

موقع إلكتروني نقطة تجمع

موقع The Base هو عبارةٌ عن «شبكةٍ اجتماعية» للمتُعصبين البيض، ومقرها الولايات المتحدة. وتعرّض الموقع للاستهداف مؤخراً بواسطة مكتب التحقيقات الفيدرالي في سلسلةٍ من المداهمات التي أدّت إلى اعتقال العديد من أعضائه، بعد أن كان نشطاً ومتنامياً ويُواصل التحضير للعنف على نطاقٍ واسع.

وحصلت صحيفة The Guardian البريطانية على سجلات الدردشة، والتسجيلات الصوتية، ومقاطع الفيديو التي أرسلها أحد المُبلغين عن الجرائم من مُناهضي الفاشية، بعد أن قضى أكثر من عامٍ في التخطيط للأعمال الداخلية على الموقع.

وسيطر المُتسلّل نفسه على قناة The Base عبر تيليغرام Telegram في الساعات الأولى من صباح يوم السبت الـ25 من يناير/كانون الثاني بتوقيت الولايات المتحدة، ثم نشر العديد من الميمات التي تسخر من مؤسس الجماعة رينالدو نازارو.

ودرست الصحيفة المواد المُسرّبة التي نقلها المُبلِغ، واتبّعت خطوطاً أخرى من التحقيق من أجل الكشف حصرياً عن الهوية الحقيقية لزعيم The Base السري المدعو نازارو (46 عاماً) من نيوجيرسي.

ويعيش نازارو حالياً في روسيا مع زوجته الروسية، ولم تكُن خلفيته معروفةً قبل أن تكشف The Guardian هويته، إذ كان يُعرَف فقط باسم «نورمان سبير Norman Spear» المُستعار.

وتُظهر المواد الحصرية كيف خطّطت الجماعة لحملاتٍ إرهاب، وخرّبت أكثر من كنيس، ونظّمت معسكرات تدريب مُسلّحة، وجنّدت أعضاءً جُدد روّجوا لأيديولوجية الحرب العرقية الشاملة. ويُوفّر مخزون الوثائق والتسجيلات نظرةً نادرة على الكيفية التي تعمل بها جماعات النازيين الجُدد الإرهابية من هذا النوع.




وفي الـ21 من سبتمبر/أيلول العام الماضي، دُنِّس كنيسٌ بهانكوك في ولاية ميشيغان بالصلبان المعقوفة وشعارات وحدات شوتزشتافل العسكرية النازية. وفي اليوم التالي، لُطِّخ كنيسٌ في راسين بولاية ويسكونسن بشعارٍ مُعادٍ للسامية وشارة The Base.

واتُّهِم توبين في الـ12 من نوفمبر/تشرين الثاني بتنظيم كلتا الواقعتين، إلى جانب عضوٍ آخر في The Base هو يوسف براسنة الذي اتُّهِم الأسبوع الماضي بتخريب كنيس راسين. ويزعم المدعون الفيدراليون أنّهم نسّقوا الأمر في دردشةٍ خاصة.

مراهقٌ شاحب ومتوتّر ويُعاني من السمنة

رغم أنّ توبين كان معروفاً وسط الجماعة بكونه مُتشدّداً شريراً وغاضباً، لكن جلسة الاستماع التي حضرتها صحيفة The Guardian في كامدن بولاية نيوجيرسي كشفت أنّ المُتّهم كان مراهقاً شاحباً ومُتوتّراً ويُعاني من السمنة.

ولم يتكبّد أي من رفاقه السابقين عناء الحضور إلى قاعة المحكمة القاتمة في وسط مدينة كامدن، ولكن قريبته الطاعنة في السن حضرت تجُرّ أنبوبة الأكسجين خلفها، إلى جانب العديد من المُدعين العامين، وأحد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي.

وبعد أن استمعت المحكمة إلى تخيلاته عن العنف -ومنها «عمليةٌ انتحارية بواسطة شرطي» وهجماتٌ بالمناجل- وكيف دفعته أزمةٌ صحية عقلية والاقتتال الداخلي في جماعتي Atomwaffen Division وThe Base إلى الحديث إلى العملاء الخاصين؛ رفضت المحكمة طلب الإفراج عنه بكفالة.

ويبدو ملفه الشخصي نموذجياً للغاية: المجنّدون الجُدد يكونون من الرجال الأصغر سناً على نحوٍ غير مُتكافئ. والحد الأدنى من عمر الالتحاق هو 18 عاماً، لكنّه ليس فرضاً لأنّ العديد من الأعضاء لا يزالون في الـ17 من عمرهم. في حين أنّ الكثيرين في أواخر سن المراهقة أو أوائل العشرينيات.

وينعكس هذا الانحياز إلى الشباب على أعمار العديد ممن أُلقِيَ القبض عليهم خلال المداهمات على أعضاء The Base، والذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً، ويتعيّن على جميع الأعضاء المحتملين أن يُشاركوا في مكالمةٍ صوتية جماعية، تُطرح عليهم خلالها قائمةٌ مُوحّدة من الأسئلة. وتدور الأسئلة حول الأسباب التي تدفع الناس إلى الانضمام للجماعة، وما إذا كانوا قد قرأوا النصوص الرئيسية للتسريعية النازية الجديدة.

ويصف الزعماء العضوية بأنّها «سلاحٌ ذو حدّين». إذ يُنتظر من الأعضاء سرد مهاراتهم، في البقاء على قيد الحياة والتكنولوجيا والأسلحة النارية، التي يستطيعون تقديمها أو تعليمها للأعضاء العازمين على النجاة من الانهيار الاجتماعي وتسيُّد الأوضاع في الحرب العرقية اللاحقة.

ولا يعرف الأعضاء عادةً هويات بعضهم البعض الحقيقية، إلّا في حال كانت بينهم معرفةٌ سابقة. وهذا يعني نظرياً أنّ الأعضاء لا يستطيعون الوشاية ببعضهم البعض، لكن إجراءات الفحص أثبتت فشلها في الكشف عن المُتسلّلين، رغم أنّ الجماعة وضعت ثقةً كبيرةً فيها.

واستمعت صحيفة The Guardian إلى تسجيلٍ لعملية فحص عضوٍ مُحتمل قبل قبوله، ثم جرى التعرّف عليه لاحقاً بوصفه عميلاً سرياً لمكتب التحقيقات الفيدرالي في وثائق المحكمة. وكان ذلك «العضو» نشطاً في أنشطة الشبكة عبر الإنترنت وعلى أرض الواقع طوال شهور.

علاوةً على ذلك، كان أحد أعضاء لجنة الفحص وزعيم إحدى الخلايا من المُتسلّلين أيضاً.

«الأفعال أبلغ من الأقوال»
وبدأت The Base -التي يُترجم اسمها بالعربية إلى «القاعدة»- تجنيد الناس أواخر عام 2018، والضغط من أجل انهيار المجتمع وإشعال الحرب العرقية. ووُجِّهَت لأعضاء الجماعة بعض التهم الفيدرالية مثل جرائم الكراهية، والتآمر للقتل، ومخالفات الأسلحة النارية، وإيواء مطلوبين دولياً خلال الأشهر الأخيرة.

لكن التهديد الحقيقي بالعُنف هو ما أقنع المُبلِغ باختراق The Base والبقاء متخفياً لعدة أشهر، من أجل اكتساب ثقة الأعضاء الآخرين، قبل أن يتواصل مع صحيفة The Guardian لكشف حقيقتهم.

وقال مصدر The Guardian إنّ الأشهر الأخيرة شهدت «وضع النقاط فوق الحروف من أجل تأسيس بنيةٍ تحتية مُسلّحة وقوية من النازيين الجُدد في الخفاء، مع أماكن للتدريب وتكوين العلاقات وتوسيع الشبكة». لذا شعر أنّ عليه التحرك لإيقاف الأمر.

وقال المصدر: «أخبرني نورمان سبير الذي تحدّثت إليه بوضوحٍ أنّ غرض The Base هو التسبُّب في انهيار المجتمع، وليس مساعدته على النجاة».

كيف تتواصل جماعة The Base؟ 

صعد مصدر The Guardian، الناشط المناهض للنازية، إلى مكانةٍ أكسبته الكثير من الثقة داخل الجماعة. مما سمح له بالتقاط آلاف لقطات الشاشة من داخل غرف الدردشات المستخدمة بواسطة The Base منذ عام 2018.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2018، اخترق النشطاء المُناهضون للفاشية (أنتيفا) تلك الدردشات، وكشفوا هوية الأعضاء وسط تقارير إعلامية مُبكّرة، وفي تلك اللحظة، قرّر موقع The Base تشديد عمليات الفحص، ونقلوا دردشاتهم إلى منصةٍ مُشفّرة تُدعى واير Wire، وتعتنق الجماعة أيديولوجيةً «تسريعية»، تحت شعار «ليس هناك حل سياسي»، والتي ترى بموجبها أنّ أعمال العنف والإرهاب يجب أن تدفع بالديمقراطية الليبرالية إلى الانهيار، وتمهيد الطريق أمام المتعصّبين البيض للاستيلاء على السُلطة وتأسيس دولةٍ إثنية.

تُعَدُّ ضرورة الاجتماع من قيم The Base التي جرى التشديد عليها مراراً وتكراراً. ويُنتَظر من الأعضاء اللقاء بصفةٍ دورية من أجل التعرّف على الأعضاء المحليين الآخرين، وتعلُّم كيفية التعاون معهم، وقال المصدر الذي تسلّل إلى الجماعة لصحيفة The Guardian: «كانت مقولة (الأفعال أبلغ من الأقوال) هي النور الذي يُضيء طريق نورمان».

ولم تتأثّر عزيمة الأعضاء في أعقاب القبض على سبعةٍ من أعضاء الجماعة المزعومين في منتصف يناير/كانون الثاني، واصفين الأمر بأنّه «تصيُّدٌ سياسي غير عادل من النظام العولمي الليبرالي»، وحثّ نازارو الأعضاء على مضاعفة جهودهم والالتزام بوتيرة التمرد المُستمرة منذ عقود، معترفاً بأنّهم كانوا «على بُعد 20 عاماً من اندلاع سيناريو الاضطرابات المدنية الشاملة».

وشهدت الولايات المتحدة ارتفاعاً كبيراً في جرائم عنف المتعصّبين البيض خلال السنوات الأخيرة. واستشهد مرتكبو جرائم القتل الجماعية بمعتقدات النازيين الجُدد بوصفها مُحرّكاً للهجمات التي قتلت العشرات في إل باسو، وسان دييغو، وكرايست تشيرش وغيرها، كما تورّط بعض أعضاء The Base مع جماعة Atomwaffen Division النازية الجديدة، التي تورّط أعضاؤها في العديد من جرائم القتل.

الطريق إلى العنف على أرض الواقع

وتضمّنت المواد التي حصلت عليها الصحيفة البريطانية سجلاً بالأعضاء الذين أعربوا عن نيتهم لارتكاب جرائم الكراهية وترويع ضحاياهم، وريتشارد توبين (18 عاماً) هو واحدٌ من أولئك المُتورّطين، إذ كان يستخدم اسم «لانسر landser» المستعار على موقع The Base. وزعم كذلك أنّه عُضوٌ في Atomwaffen Division.

وتوبين موجودٌ الآن رهن الاحتجاز الفيدرالي، في انتظار مُحاكمته على مؤامرةٍ مزعومة نظمها داخل غرف دردشة The Base، إذ كتب في الـ15 من سبتمبر/أيلول العام الماضي على إحدى غرف دردشة الموقع: «غرضنا إجمالاً هو التصعيد التدريجي، ولكنّنا لم نفعل شيئاً على الإطلاق لتحقيقه. حان وقت الإقلاع عن المزاح، والتحلّي بالجدية. أُريد من كل شخصٍ غير قعيد أن يخرج ويتحرّك بين يومي الـ20 والـ25 من سبتمبر/أيلول. منشورات، ونوافذ، وإطارات. فلنستعد صورتنا القوية والمُتماسكة».

ووضع توبين تكتيكات التخريب، التي تضمّنت تعليمات، منها: «ارتدوا القفازات، وغطوا وجوهكم طوال الوقت، وارتدوا أغطية الأحذية إن استطعتم»، وعلّق مؤسس The Base نازارو بأنّ «الغرض ليس التخريب العشوائي، بل يكون أكثر فاعلية حين يكون موجّهاً».

فأجاب توبين: «نعم، بالطبع. ولكن ركّزوا على أشهر العناصر المناهضة للبيض في الوقت الحالي. مثل سيارات ذوي البشرة السمراء، والشركات اليهودية وما إلى ذلك»، ثم عرض فكرة «ليلة البلور»، تيمُّناً بأعمال التخريب النازية واسعة النطاق لمنازل وشركات اليهود وحرق كُنُسهم عام 1938.


وتضمّنت تلك الاجتماعات اللعب بالأسلحة، والمناورات القتالية، وجلسات الصور ومقاطع الفيديو من أجل الأغراض الدعائية، وحدث أحد تلك التجمّعات بين يومي الـ30 من أكتوبر/تشرين الأول والثاني من نوفمبر/تشرين الثاني في سيلفر كريك بولاية جورجيا. إذ أظهرت إحدى صور الحدث ستة رجالٍ واقفين، يحمل أحدهم علماً عليه شعار The Base، ووجوههم مغاطاةٌ بالأقنعة التي يحمل بعضها صورة الجمجمة المُميّزة التي تنتمي إلى «ثقافة الحصار» النازية الجديدة. وجميعهم مُسلّحون بأسلحةٍ طويلة من الطراز العسكري.

في حين كان الراجل الجاثم على ركبتيه في المنتصف يحمل رأس حيوانٍ مقطوعاً، وبعد نشر الصورة، كتب نازارو تحت اسمٍ مُستعار آخر هو «رومان وولف Roman Wolf»: «صورةٌ من اجتماعٍ ملحمي أُقيم مؤخراً… نعم، هذا رأس عنزةٍ حقيقي!».

وبحسب محادثةٍ مُسجّلة حصلت عليها الصحيفة البريطانية، فقد حصلوا على العنزة من مزارعٍ محلي وعمّدوها بسُمك الرمح، قبل أن يُقطّعها أعضاء The Base ويأكلوها في طقسٍ وثني مُرتجل. ويلتزم العديد من النازيين الجُدد بأشكالٍ من الأديان الوثنية، تُشير بعضها إلى الأصول اليهودية للمسيحية.

ومن ثم أعرب العديد من الأعضاء عن رغبتهم في أن تكون خلاياهم كبيرة بما فيه الكفاية لعقد هذا النوع من الاجتماعات، إذ كتب أحد المستخدمين تحت اسم «جاغروليغ jagRolig»: «في انتظار الاجتماع الأوروبي المُقبل»، فأجابه نازارو: «نعمل حالياً من أجل العثور على مكانٍ مُناسب من أجل الاجتماع… ساُبقيك على اطّلاع».

عربي بوست