ترجمة- رنا عبدالحكيم
وصف تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية الخلافات بين مصر وإثيوبيا على موارد النيل بأنها "تهديد وجودي"، في ظل عدم اتفاق البلدين على آلية مقبولة لدى الطرفين لملء خزان سد النهضة الذي تعتزم إثيوبيا توليد الطاقة الكهربائية منه، بحلول العام المقبل وفق المخطط له.
وقال التقرير إن سد النهضة يمثل لمصر تهديدا وجوديا، فحوالي 90% من مياهها العذبة تأتي من النهر، ويعتمد ملايين المزارعين على مياه النيل لري أراضيهم، وترغب مصر في أن تملأ إثيوبيا الخزان على مدار 15 عامًا - مقابل نية أثيوبيا المعلنة بأربعة إلى سبعة - وضمان عدم تأثر التدفقات الطويلة الأجل.
لكن بالنسبة إلى 110 ملايين إثيوبي، فإن السد هو كل شيء تقريبًا لهم، فمع قدرة هائلة تبلغ 6500 ميجاوات، ستنتج البلاد طاقة أكثر مما تستهلكه حاليًا. ونجحت إثيوبيا في تمويل عملية بناء السد جزئيًا من خلال الجهود الوطنية، في ظل تكاتف الجهود لتحويل البلاد من رمز الفقر والمجاعة ليكون الاقتصاد الأكثر ديناميكية في إفريقيا.
وأعلن عن خطط بناء السد في عام 2011 عندما كانت مصر تترنح على وقع اضطرابات الربيع العربي وسقوط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك. ويتهم البعض أثيوبيا باختيار هذه اللحظة بأقصى قدر من الدهاء لبدء العمل في مشروع من شأنه أن يغير تدفق النيل بشكل جذري.
ويشبه النزاع نزاعات أخرى بين البلدان التي تشترك في شبكات مياه مهمة. وتتشارك الهند وباكستان في أنهار منبع جبال الهيمالايا ويتم الاستفادة من مياهها نظريًا بموجب معاهدة عام 1960. كما أثرت السدود في الصين على تدفق نهر الميكونج، الذي يمر عبر ميانمار وتايلاند ولاوس وكمبوديا وفيتنام.
أما بالنسبة لنهر النيل، فلا يوجد اتفاق إطاري مناسب، إذ يتدفق النيل الأزرق، الذي يبدأ في المرتفعات الإثيوبية، شمالًا إلى العاصمة السودانية الخرطوم، وهناك ينضم إلى النيل الأبيض، الذي ينبع من بحيرة فيكتوريا، ويمر عبر العديد من البلدان الأفريقية بما في ذلك أوغندا وتنزانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. ومع ذلك، ووفقًا للمعاهدة التي صاغها البريطانيون في عام 1929، فإن مصب النيل يتم تقاسمه بين دولتين فقط: مصر تحصل على 75% والسودان (منقسم الآن إلى دولتين) يحصل على البقية المقدرة بـ25%.
واتهمت أثيوبيا القاهرة بأنها تميل إلى إعادة ما تصفها بـ"أيام الحقبة الاستعمارية".
ويقع السد على بعد 15 ميلاً فقط من الحدود مع السودان، والتي اعترضت أصلاً على خطط إثيوبيا. ومنذ ذلك الحين، تم إقناع الخرطوم بأن السد يمكن أن يساعد بالفعل في تنظيم تدفق النهر الذي يسبب الفيضانات المدمرة في السودان.
ورفضت إثيوبيا في الماضي الوساطة الدولية، لكن الولايات المتحدة دخلت على خط الأزمة في الآونة الأخيرة، وسط اهتمام من وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين. وفي الأسبوع الماضي، طلب آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا، توسط سيريل رامافوسا رئيس جنوب إفريقيا.
ووضعت مجموعة الأزمات حلاً من خطوتين؛ ستوافق إثيوبيا ومصر أولاً على جدول زمني مرن ومدفوع تقنيًا لملء الخزان دون تعطيل التدفقات النهائية. وستنضم مصر بعد ذلك إلى مبادرة حوض النيل، التي تضم جميع دول النيل الأخرى، لوضع اتفاق إطاري طويل الأجل. وهذا من شأنه أن يحكم حقوق والتزامات الدول عندما يتم بناء السدود في المستقبل ويوفر وسيلة مؤسسية لمعالجة الصدمات الحتمية التي ستنجم عن تغير المناخ.
لكن لا تزال بعض وسائل الإعلام المصرية تزعم أنه يمكن إيقاف عملية بناء السد، ولا يزال موقف إثيوبيا أحادي الجانب. والمؤكد أن لا أحد يريد حرب مياه، وهذا يمكن تفاديه، استنادا إلى الدبلوماسية الماهرة والاتفاق التطلعي، لن يكون النيل مصدرًا للصراع، بل قوة للتعاون.