2024-11-30 02:50 م

الزراعة التقليدية تمنع دوران عجلات التقدم في إفريقيا جنوب الصحراء

2020-01-18
 ستيف جونسون من لندن

إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تعتمد على الزراعة بقدر ما كانت تفعل قبل 40 عاما، حتى مع انخفاض أهمية هذا القطاع في اقتصاد كل منطقة أخرى في العالم.
ربما الأسوأ من ذلك أن حصة قطاع التصنيع من النشاط الاقتصادي بالكامل انخفضت إلى النصف تقريبا في إفريقيا خلال الفترة نفسها – وهو مثال لا نظير له تقريبا، لإزالة التصنيع في منطقة فقيرة لديها وفرة من العمالة ذات الدخل المنخفض.
"أنموذج التنمية الاقتصادية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يتناقض مع أنموذج المناطق النامية الأخرى"، كما يقول جيانكارلو بيراسو، كبير الاقتصاديين لمنطقة وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا في شركة بي جي آي إم فيكسد إنكوم PGIM Fixed Income، الذي جمع الأرقام بناء على بيانات البنك الدولي.
يضيف بيراسو: "تميل حصص الإنتاج الإقليمية إلى التحول من الزراعة إلى الصناعة و/ أو الخدمات في الوقت الذي تتطور فيه الاقتصادات وتصبح أكثر تكاملا. مقارنة بالبلدان النامية الأخرى، إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هي المنطقة الوحيدة التي تتمتع بحصة زراعية متزايدة من الاقتصاد"، مشيرا إلى ارتفاع طفيف في نسبة الزراعة من 16.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي في عام 1981 إلى 17.8 في المائة في عام 2018.
في المقابل، انخفضت نسبة الزراعة من الإنتاج من 27.6 في المائة إلى 7.9 في المائة في شرقي آسيا خلال الفترة نفسها، ومن 9.9 في المائة إلى 5.6 في المائة في أمريكا اللاتينية. ومنذ عام 1989، من 19.5 في المائة إلى 5.6 في المائة في أوروبا وآسيا الوسطى.
على الصعيد العالمي، تمثل الزراعة 4 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لحسابات شركة أكسفورد إيكونوميكس.
بحسب فرانسوا كونرادي، رئيس قسم الأبحاث في "إن كيه سي آفريكان إيكونوميكس"، هناك مشكلة كبيرة في إفريقيا تتمثل في أن القطاع كان أبطأ في التحول إلى الآلات من بقية العالم، لذلك جزء كبير من السكان لا يزال يعيش في الأراضي ويعتمد على الزراعة من أجل رزقه.
كان بيراسو أكثر تفاؤلا بعض الشيء. قال إن إفريقيا لم تكن تباهي بميزة تنافسية فحسب، بل ميزة مطلقة للمحاصيل التي لا يمكن زراعتها في معظم أنحاء العالم، مثل الكاكاو والقهوة والشاي والزهور، ما يجعلها قوة طبيعية للقارة.
مع ذلك، جادل بأن هذه القوة تعثرت بسبب انخفاض الإنتاجية، حيث أصبحت قطع الأراضي أصغر وتفتقر إلى الكفاءة بسبب تقسيمها كالعادة بين جميع أبناء أصحاب الحيازات الصغيرة.
علاوة على ذلك، قال بيراسو إن تقلب الأسعار في القطاع الزراعي كان يميل ليكون أعلى مما هو بالنسبة إلى التصنيع أو الخدمات، ما يعني أن أنموذج النمو الذي يعتمد على المزارع "يمكن أن يضعف قدرة البلدان على الوفاء بالتزامات الديون الخارجية"، وهو مصدر قلق متزايد في معظم أنحاء القارة.
ويرى بيراسو أن الانخفاض الحاد المتزامن لأهمية التصنيع في أنحاء إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هو صورة "لانهيار الانتاج" في وسط وشرق أوروبا في التسعينيات بعد انهيار الشيوعية.
كان التصنيع يمثل 10.4 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في عام 2018، منخفضا من 18.1 في المائة في عام 1981 وأقل بكثير من المستويات التي شهدناها في أماكن أخرى في العالم النامي.
تساءل بيراسو: "لماذا تطور قطاع التصنيع بينما يمكنك تصدير النفط والزهور والكاكاو؟".
تشارلز روبرتسون، كبير الاقتصاديين في "رينيسانس كابيتال"، المصرف الاستثماري الذي يركز على الأسواق الناشئة، قال إن عددا من الحكومات الإفريقية أعطت الأولوية للتصنيع في الستينيات والسبعينيات. "ظنوا أنه إذا كانت لديهم جامعات ومصانع كبيرة كما في الغرب، سيكونون أغنياء مثل الغرب، لكنهم لم يتمتعوا بمستوى التعليم نفسه".
في ذلك الوقت، أسعار السلع المرتفعة سمحت لكثير من البلدان بدعم قطاع التصنيع الخاسر، كما قال روبرتسون، لكن انهيار أسعار السلع في الثمانينيات أدى إلى انهيار هذا القطاع الخاسر. "كان هناك تصنيع سابق لأوانه في الستينيات والسبعينيات. كان الوقت مبكرا جدا. كان هناك قطاع تصنيع كبير غير مستدام في أوائل الثمانينيات كان من المحتم أن ينهار، وقد فعل".
على الرغم من أن روبرتسون جادل بأن معظم الدول الإفريقية رفعت مستويات التعليم بشكل كاف لدعم التصنيع على نطاق واسع في العقد الماضي، إلا أنه قال إن المشكلة الرئيسة الآن هي عدم كفاية إمدادات الطاقة. "لا يمكنك التصنيع دون كهرباء".
بدلا من ذلك، أشار ديفيد هونر، رئيس استراتيجية الأصول الشاملة واقتصاد الأسواق الناشئة في "بانك أوف أمريكا ميريل لينش"، إلى المنافسة "الكبيرة" من آسيا، التي استحوذت على جزء كبير من الحصة السوقية التي تمكنت إفريقيا من زيادتها في الستينيات والسبعينيات.
قال هونر: "كانت هناك شكاوى من أن الصين وبلدان آسيوية أخرى تستحوذ على كل التصنيع من إفريقيا لأنها أرخص وأكثر تنافسية، حتى عند تصدير هذه السلع إلى إفريقيا". أضاف: "كانت المنافسة من آسيا قوية ويبدو أن هناك كثيرا من الأدلة على وجود عرض فائض في الصين. كل ما يتعلق بالإغراق الذي يقود التوترات بين الولايات المتحدة وأوروبا ربما ينطبق على إفريقيا، الأمر فقط أن هذه البلدان لا تتمتع بقوة كبيرة للمقاومة".
كونرادي يوافق، قائلا: "الواردات ببساطة أكثر تنافسية مما يمكننا إنتاجه في الداخل". هذا يرجع جزئيا إلى دورة السلع. عندما ترتفع أسعار المواد الخام، ترتفع عملات الدول الإفريقية المصدرة والآثار الناتجة تؤدي إلى توقف شركات التصنيع عن العمل. عندما تنعكس الدورة "يكون من الصعب إنشاء عمل تجاري والبدء من جديد".
عزا كونرادي هذا الاتجاه إلى إبقاء أمثال نيجيريا وأنجولا عملاتها قوية بشكل مصطنع "لأن كثيرا من العائلات الثرية ومن الطبقة المتوسطة تعتمد على الواردات في كل شيء تشتريه".
أضاف: "تبذل الحكومات قصارى جهدها لدعم عملاتها، لذلك لا تستفيد من المنتجين المحليين كما ينبغي"، بينما الدولارات التي تحصل عليها الحكومات من صادرات السلع "ليست ذات قيمة كما يجب أن تكون لتمويل البنية التحتية".
اعتماد إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى على السلع لا يظهر أي علامة على التناقص في أي وقت قريب، حيث يعتمد معظم الاقتصادات على صادرات الموارد الطبيعية تماما كما كانت تفعل في منتصف التسعينيات.
قال بيراسو إن هذا الافتقار إلى التنوع الاقتصادي يمثل مشكلة خاصة. "من الصعب جدا زيادة القيمة المضافة للمنتجات السلعية. من الصعب جدا على غانا زيادة القيمة المضافة للكاكاو بسبب ارتفاع تكلفة الكهرباء".
وجادل روبرتسون بأن الاعتماد على السلع ببساطة لن ينخفض حتى تقوم البلدان الإفريقية "بتشغيل وتفعيل قصة التصنيع".
هونر يخشى أنه "على المدى الطويل سيكون من الصعب أن نكون متفائلين للغاية بشأن أسعار السلع"، مضيفا: "لا يوجد ما يكفي من التنويع. غانا وإثيوبيا زادتا التنويع قليلا، لكن معظم ذلك مدين بالفضل لأسعار السلع".
يرى بيراسو أن عديدا من البلدان الإفريقية تواجه "مشكلات هيكلية" في تنويع اقتصاداتها. في نيجيريا، مثلا "هناك نسبة كبيرة من محصول الطماطم يفسد لعدم وجود مرافق تخزين، الشاحنات التي تنقلها غير مبردة، ولا توجد منشأة تعليب في نيجيريا".
"إنه قطاع كامل يحتاج إلى تطوير، من الحصاد إلى النقل إلى وضعه في علب وبيعه. (لكنك) تحتاج إلى رأس المال للقيام بذلك الاستثمار. المستثمر الدولي قد يقول هناك كثير من الطماطم في بلدان أخرى. لماذا ينبغي أن أذهب إلى مكان آخر، إلى سوق لا أعرفها؟".
لكن هناك بعض "قصص النجاح"، مثل غانا وساحل العاج وكينيا. الأخيرة "تحولت تقريبا من المقايضة إلى الخدمات المصرفية عبر الهاتف الخليوي"، متخطية مرحلة التصنيع.
هونر أشار أيضا إلى بعض النجاحات التي أحدثت التنويع إلى حد ما. يتوقع "بانك أوف أمريكا" أن رواندا وساحل العاج وإثيوبيا والسنغال، من أصل 71 بلدا يتعقبها عالميا، ستكون البلدان الأربعة الأسرع نموا هذا العام.
إلا أنه لا يزال متشائما بشأن اتباع إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بشكل عام الأنموذج المجرب والمختبر للتنمية التي يقودها التصنيع، مجادلا أن مفهوم "الأشياء الذروة" يقلل الطلب على السلع المصنعة، إلى جانب المخاوف المتزايدة بشأن تغير المناخ.
أضاف: "كثير من التجارة التي تحدث هي كارثية بيئيا وأفترض أن السياسيين بشكل متزايد سيقولون إننا لم نعد نحب هذا بعد الآن، لذلك سنزيد الضرائب المفروضة عليه. هذا يمكن أن يقلل جاذبية الأسواق الناشئة كقاعدة للتصنيع".
"ما يثير قلقي هو أنه بالنسبة إلى كثير من الأسواق الناشئة الأكثر فقرا، بسبب المزيج من الأتمتة وتغير المناخ وما إلى ذلك، والقيود لأنها صغيرة نسبيا، فإنها لن تصبح أبدا الدول الكبيرة المنتجة للسلع المصنعة لأي شخص".
من جانبه، يشك روبرتسون في مفهوم "الأشياء الذروة"، مجادلا بأنه ظاهرة الدول الصناعية إلى حد كبير. "يريد الصينيون الأشياء بطريقة هائلة. كان لدى الصين مليون سيارة منذ وقت ليس ببعيد. الآن تبيع ذلك خلال شهر واحد".
أضاف: "ثم هناك 1.3 مليار هندي وسيكون هناك مليار إفريقي يريدون الأشياء بحلول عام 2050. هذا يعني سوقا ضخمة. هناك كثير من الناس الذين سيحتاجون إلى الملابس ولن يحصلوا عليها من الروبوتات التي تتطلب الكهرباء، بل من عمال النسيج الإثيوبيين الذين يكسبون 20 دولارا في اليوم".
مع ذلك، يخشى بيراسو أن زيادة عدد السكان الأفارقة من المرجح أن تكون بمنزلة معوق، وليست طريقا للازدهار. قال، مشيرا إلى قرار إثيوبيا الأخير إعادة التفكير في هذا النهج: "تقليديا، النمو السكاني أحد عوامل الإنتاج، لكن أنموذج التنمية القائم على العمالة الرخيصة لا يبشر بخير كثير"، مضيفا: "النمو السكاني يمكن أن يصبح مشكلة. في إفريقيا تتحرك الأشياء في الاتجاه الصحيح، لكنها بطيئة والضغط السكاني يمثل مشكلة. لا يمكننا القول إن هذه البلدان ستتطور بسرعة فائقة خلال جيل أو جيلين. سيستغرق الأمر وقتا أطول".
على الرغم من كل شيء، هونر أقل تفاؤلا. قال: "معظم الأسواق الناشئة أمضت معظم الأعوام الـ100 الأخيرة وهي لا تتقارب (مع العالم المتقدم)".