رحل الكاتب الفلسطيني - الأردني رسمي أبو علي (1937 – 2020)، وهو عرف بكتابة القصة والرواية والقصيدة...
"يخلط الجدّ بالهزل، فمزاحه جدّ، وجدّه مزاح. ولكنه في ذروة جنونه المتعمّد يدلف شعراً، وقد نتف، مع زملائه في "الرصيف"، لحية الشِّعر السائد شَعرة شعرة". هذا ما كتبه الشاعر الفلسطيني أحمد دحبور في الغلاف الأخير لـ"الأعمال الأدبية" لرسمي أبو علي، الذي أغرته بيروت وتنوعها، وتجربته فيها من خلال النشر والحياة، مطلع الثمانينيات، وتحديداً فترة مقاهي الفاكهاني ولفيف المثقفين والشعراء المناصرين للمقاومة الفلسطينية، فاشتعل قلمه بالكتابة نثراً وشعراً، لافتاً أنظار النقاد والشعراء لنصوص ذات نكهة مختلفة، دفعت الناقد السينمائي حسان أبو غنيمة للقول إن أبو علي "رائد الخط الثالث في القصة القصيرة بعد يوسف إدريس وزكريا تامر".
كتب رسمي أبو علي قصته الأولى وهو في الأربعين (1977) من العمر بعنوان "قط مقصوص الشاربين اسمه ريس" ونشرها في مجلة "الآداب" البيروتية في خضم النضال الفلسطيني. وقال عن التجربة "سجلت قصتي مع الصحافية اليهودية كلود، في قصة ذات خمس حركات، وأعطيتها اسم وأوصاف القط الذي ساعدتها في العثور عليه، ولا بد أنها أعجبت بي كمناضل يتعاطف مع يهودية للعثور على قط صغير بحجم قبضة يد، مقصوص الشاربين متسخ ولا تخلو فروته من بعض الحشرات، لكنها أعطته اسماً ووصفاً غريباً، لا يتناسب مع وضعه المزري: ريّس. وفكرت في ما بعد، انني هو ذلك القط، رمزياً وبشكل ما، إذ كنت دائماً ريّساً على طريقتي الرصيفية، ريّس ولا احظى بشيء من مظاهر الرياسة، مع العلم أن فروتي لا حشرات فيها". وأضاف: "كان سهيل ادريس رئيساً لتحرير مجلة الآداب مع زوجته عايدة مطرجي، والتي علقت عندما ذهبت الى دار الآداب لاستلام نسخة من القصة، قائلة بإعجاب "شو هالإصّة؟" وكنت أولاً قد اعطيتها لمحمود درويش، وكان رئيس لتحرير مجلة "شؤون فلسطينية"، فاعتذر عن نشرها لأنها خارج اختصاص المجلة، لكنه اعطاها لالياس خوري لنشرها في "الآداب" لأن كلاهما أعجب جداً بالقصة. محمود قال إنها واحدة من أجمل عشر قصص قرأها في حياته.
أول قصيدة
ونشر رسمي أبو علي أول قصيدة في الرابعة والأربعين، وكتب عن تجربته في مقالة بعنوان "مقاربة أولى لتجربتي الشعرية" يقول: "ذات صباح شتائي نهضت باكراً وتلفعت بمعطفي الشتوي وخرجت الى شرفة منزلي الفسيحة في الطابق الثامن والأخير من إحدى عمارات حي الفاكهاني في بيروت الغربية.. كان الجو بارداً وغيوم كثيرة تدفعها الرياح في اتجاه الشمال، ومن الزاوية النائية في الشرفة لمحت جزءاً من بحر بيروت الذي هو جزء من البحر الأبيض المتوسط". ويضيف: "وفيما أنا أتأمل المنظر الشتائي البارد والموحش انتابتني هزة وذهول ووجدتني أقول: والمدينة الغارقة في الأبخرة وشاي الصباح فتحت نافذة /كوة في الغيوم وأخذت تنظر معي مذهولة الى البحر المغرور أه يا خنجر الشوق الغامض لماذا تطعن قلبي؟ كانت هذه بدايتي الشعرية المتأخرة جداً. حيث أنني لا أعرف أحداً بدأ بكتابة الشعر في تلك السن، بحيث أن أحد الأصدقاء العراقيين علق ساخراً ومندهشاً: الناس يموتون في الأربعين.. وأنت تبدأ شاعراً في الرابعة والأربعين. أليس هذا غريباً؟ نعم، يبدو الأمر غريباً وغير مألوف، لكن الأمر كان هكذا، فلابد من "مرة أولى" لكسر القاعدة، ويبدو انني توليت هذا الأمر كما فعلت في أمور أخرى عديدة".
وارتبط اسم رسمي أبو علي بمجلة "رصيف 81" التي أصدرها مع مجموعة من الشعراء في بيروت في بداية الثمانينات، وكانت خرقاً في جدار الثقافة الرسمية الفلسطينية واللبنانية. ففي صيف 1981 فوجئ جمهور المقاومة في الفاكهاني بمجلة حسنة الغلاف تحمل عنواناً غير مألوف هو "رصيف 81"، وقد اعتقد البعض أنها ربما تكون نهفة أو صرعة من صرعات رسمي أبو علي، ولكنهم، وبعدما تصفحوها وقد خلت من ذكر رئيس التحرير، أدركوا أنها مجلة ثورية لكن بمفردات وأسلوب آخر غير الذي تعود عليه جمهور الفاكهاني والجمهور السياسي والثوري في بيروت آنذاك.
وكثيراً ما يتذكر رسمي أبو علي المجلة بأنها "حركة المهمشين، ومن هم مهشمون الآن، أو من سوف يهمشون في المستقبل، لافتًا إلى أن "الرصيف يتسع يومًا بعد يوم إلى حد ما"، مستذكرًا جملة هنري ميلر في كتابه عن رامبو "إن المصير الذي يقودون إليه الشعب، هو المصير الذي ينتظرهم جميعًا".. ويقول: "لا مسافة بيني وبين الرصيف، فأنا الرصيف". وفكرة المجلة كانت بدأت قبل صدورها بمدة، إذ أصدر أبو علي والكاتب التونسي الصافي سعيد، في 1979، "المانفيستو الجنائزي رقم صفر"، والذي كان بمثابة إعلان عن مجلة "النصوص المضادة"، وحمل شعار "العمل.. الفن.. اللعب"، في عودة للحلم الشيوعي، وماركس شاعرًا. وكان يتضمن هجومًا لاذعًا للمؤسسة الفلسطينية التي وصفت بأنها "فوق البيروقراطية". وقوبل طرح مجلة رصيف بهجوم ساحق من غالبية مثقفي التنظيمات، وصدر الكثير من التأويلات حول مفردات الهامش والفوضى والانتماء التي أُوّلت سياسياً وأيديولوجياً، فالماركسيون اعتبروا ذلك دعوة "فوضوية"، وآخرون اتهموا "الرصيفيون" بالتخلي عن الكفاح المسلح ونظام الكاكي ولغة البندقية، واعتبرت هذه الخطوة بالنسبة للمؤسسة عصيانًا وتمردًا وشغبًا، وخروجًا على الطاعة، ولم تُفهم في السياق خلفياتها كحركة "صعلكة". وقبل أن يخرج العدد الثاني من المطبعة، كان الخلاف قد دبّ بين علي فودة ورسمي أبو علي، فانشق الأخير عن صاحبه وقوضت الفكرة في مهدها...
يقول الشاعر يحيى جابر في تعليق فايسبوكي: "من متابعتي الشخصية لمجلة رصيف 81 في تلك الفترة ما بين 1980 و1982 في الفاكهاني.. إذا أسعفتني الذاكرة، كانت مع علي فودة مجموعة عربية ثقافية تتشكل من عراقيين ولبنانيين ممن أسسوا مجلة رصيف، ومنهم أبو روزا وولف، غيلان، مهدي قاسم وحتى المفكر عادل فاخوري. وغيرهم ممن كانوا ضد المؤسسة الثقافية الرسمية لمنظمة التحرير الفلسطينية والممثلة يومها في رأيهم بمحمود درويش، وكان معظمهم ينشر نتاجه في جريدة النهار الليبرالية اليمينية! وضد السفير الثورية اليسارية! وتم ذلك برعاية الشاعر شوقي ابو شقرا ومع صدور مجلة رصيف 81، كهامش ومنبر لصعاليك الشعر والقصة، أخذت ضجة لحظة صدورها حتى عند أبي عمار على اعتبار أن الثورة لا تحتمل هذا النوع من المزاح الثقافي، فدعمت المجلة او تم شراء ضميرها كما قيل بإيحاء من محمود درويش، واشتعلت النميمة في الحانات بين الحمرا والفاكهاني واتهامات وتخوينات، وانقسم المؤسسون على انفسهم، حتى كان الاجتياح الإسرائيلي. واستشهاد علي (فودة) ورحل غيلان وابو روزا ورسمي وسمير انيس ومهدي قاسم... والمجلة ولدت في مطعم توليدو في الفاكهاني لصاحبته ام نبيل، ومن هذه التجربة انطلقت بعد الاجتياح تجربة شبيهة تدعى "ميكروب" مع الشاعرين اسكندر حبش وشبيب الأمين".
سيرة
ولد رسمي أبو علي في قرية المالحة القريبة من القدس، ونزح مع عائلته بعد النكبة إلى بيت لحم، ومنها إلى عمّان، حيث حصل على شهادة الثانوية العامة. حصل على بكالوريس المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة العام 1964. عمل مذيعاً ومقدماً ومنتجاً لبرامج إذاعية شملت المنوعات، والمسلسلات الدرامية، والتعليقات السياسية في إذاعة عمّان خلال السنوات من 1964 إلى 1966. انتقل بعدها للعمل في إذاعة فلسطين خلال السنوات من 1966 إلى 1982 ومنذ ذلك العام وهو متفرغ للكتابة الصحافية.
النتاج الروائي:
• “الطريق إلى بيت لحم”، 1990
النتاجات الأخرى:
• “قط مقصوص الشاربين اسمه ريّس” (قصص)، 1980
• “لا تشبه هذا النهر” (شعر)، 1984
• “حكاية طويلة اسمها أوميدا” (قصص)، 1990
• “ينزع المسامير ويترجل ضاحكاً” (مجموعة قصصية)، رام الله، 1997
• “ذات مقهى” (شعر)، 1998
• “تلك الشجرة الجليلة… ذلك الانحدار السحيق (أوراق من عمّان الخمسينات)” (سيرة ذاتية)، 1999
• “الأعمال الأدبية”، دار مجدلاوي – عمّان، 2008