في الأيام الأخيرة كان اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني عن طريق غارة جوية لصواريخ الطائرات الأمريكية بدون طيار سببًا في إثارة الجدل في الصحف، وبين المحللين، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. البعض يرى أن اغتيال سليماني قد يتسبب في إشعال فتيل «حرب عالمية ثالثة»، قد تبدأ من خلال إيران بالرد على مقتل واحد من أبرز قادتها العسكرية. والبعض الآخر يرى أن مقتل رجل واحد لا يمكن أن يؤدي إلى حرب تؤرق العالم. في الحقيقة كان التاريخ شاهدًا على ثلاث من الحروب الكبيرة التي بدأت باغتيال رجل واحد، إحداها كانت الحرب العالمية الأولى.
اغتيال ولي عهد النمسا أشعل فتيل الحرب العالمية الأولى
في صباح يوم أحد مشمس أشهر الشاب الصربي المراهق جافريلو برينسيب مسدسه عيار (9 مم) في وجه الأرشيدوق فرانز فرديناند ولي عهد النمسا. عدة رصاصات متتالية أردته قتيلًا على الفور في مدينة سراييفو عاصمة البوسنة؛ فكانت تلك الحادثة هي الشرارة التي أشعلت فتيل الحرب العالمية الأولى عام 1914.
كانت إمبراطورية النمسا في ذلك الوقت تضم بين أملاكها كلًا من المجر والبوسنة والهرسك منذ عام 1908 حين تنازلت السيادة العثمانية عن كافة حقوقها وسيادتها في البوسنة مقابل تعويض مالي، وتسعى الإمبراطورية النمساوية لضمِ بلاد الصرب الأخرى بعد أن فقدت أملاكها في إيطاليا، وكانت سراييفو مدينة صغيرة تتبعثر منازلها البسيطة حول نهر ملياشكا وأهلها معظمهم من أصل صربي متعصبين لقوميتهم، وقد كانت البوسنة حينذاك مسرحًا للثورات، يشعر مواطنوها بالغضب، تديرها النمسا ولا تملكها.
في 28 يونيو (حزيران) 1914 كان الأرشيدوق فرديناند يترجل من القطار بصحبة زوجته في مدينة سراييفو الصغيرة على استعدادٍ ليزور عاصمة البوسنة التي ضمها أخيرًا لأملاكه، حين قام الطالب الصربي بإطلاق النار عليه هو وزوجته، فقتلوا في بلدٍ غريب، إذ اعتبرت زيارة الأرشيدوق تحديًا للقومية الصربية. وكانت الصرب قد انتصرت للتو في حرب البلقان (1911-1913) ونجحت في إبعاد مقدونيا عن النفوذ العثماني، وتسعى لضم البوسنة أيضًا إلى محيط حدودها، والتي أصبحت في ذلك الوقت إحدى مناطق النزاع الدولي. ومحط أنظار العسكريين النمساويين الذين رغبوا في القضاء على صربيا قبل أن تصبح قوة لها خطرها.
كانت البوسنة أيضًا مقرًا لعصابة «اليد السوداء» الصربية التي سعت حينها بنظرةٍ قومية إلى توحيد أقطار الوطن الأم وأصبحت العاصمة عشًا للدسائس ضد الإمبراطورية النمساوية؛ فكان هذا الحادث المأساوي هو الشرارة التي على إثرها سعت النمسا للانتقام بإعلان الحرب على صربيا بعد أن ضمنت مؤازرة ألمانيا لها في حربها، لتبدأ أولى معارك الحرب العالمية الأولى.
أثارت حادثة الاغتيال هذه الشعب النمساوي الذي خرج في كل أنحاء النمسا مطالب بتأديب صربيا. وفي 30 يوليو (تموز) من نفس العام حددت فيينا ساعة الصفر للحرب التي وقفت فيها برلين إلى جانب النمسا تشد أزرها وأنذرت السفن الألمانية باحتمال نشوب الحرب وفي الوقت ذاته أرسلت الإنذارات لكلٍ من لندن، وباريس، وسان بطرسبرج، تحذرهم من أن التدخل ما بين صربيا والنمسا قد يكون له عواقب وخيمة، وقد يشغل فتيل الحرب العالمية الأولى.
كان العالم الأوروبي في ذلك الوقت يشهد حالة من الاحتقان؛ إذ كانت كل من بريطانيا، وفرنسا، وبلجيكا، تخشى على أراضيها من تدخلٍ ألماني في حالة نشوب الحرب، في حين أرادت برلين التأكد من التزام بريطانيا الحياد عند بدء الحرب مقابل ضمان الأمان للأراضي البريطانية والفرنسية. في الوقت ذاته كانت باريس ترغب في عودة منطقتي «الألزاس واللورين» إلى حدودها، أما النمسا فقد أرادت أن تجرد صربيا من الحلفاء لضمان الانتصار في الحرب الذي صارت فيما بعد الحرب العالمية الأولى وتوطيد أوصال إمبراطوريتها.
بحلول أغسطس (آب) من عام 1914 دارت رحا الحرب العالمية الأولى بين سبع دول، انقسموا إلى دول الحلفاء التي ضمت بريطانيا، وفرنسا، وروسيا، ودول المركز التي ضمت ألمانيا، والنمسا، وبلغاريا، والدولة العثمانية. إذ جرى شحذ ما لا يقل عن 40 مليون مقاتل خلال الأسابيع الأولى من الحرب.
«حرب البسوس».. حين قُتِل كليب بن ربيعة
اشتهرت «حرب البسوس» في كتب التاريخ بحربِ الأربعين عامًا التي لاقت خلالها الجزيرة العربية الأهوال بين بني جشم وبني شيبان في العصر الجاهلي؛ إذ كان لمقتل كليب بن ربيعة بن الحارث بن زهير بن جشم على يد جساس بن مرة بن شيبان أثرًا بالغًا في إشعال فتيل حربٍ دارت رحاها لسنوات وكادت تفني القبيلتين.
عن ذلك يقول ابن الأثير: «كان بنو جشم وبنو شيبان أخلاطًا في دار واحدة، إرادة الجماعة ومخافة الفرقة، وتزوج كليب جليلة بنت مرة بن شيبان، أخت جساس». وعن بدء الحرب يقال أن رجلًا يدعى سعد بن شميس الجرمي قد نزل بالبسوس وهي خالة جساس، التي سميت الحرب على اسمها؛ وكان للجرمي ناقة قتلها كليب بن ربيع عندما كانت ترعى في أرضه، متحديًا في ذلك جساس بن مرة، الذي قال لكليب: «لئن وضعت سهمك في ضرعها لأضعن سنان رمحي في لبتك».
كان كليب حينذاك معروفًا بجبروته إذ كان يمنع أي شخص من أن يرعى إبله في أرضه، أو يوقد نارًا إلى جانب ناره، أو يمر حتى من بين يديه؛ فقالوا عنه: «كان ملكًا بغى على قومه»؛ إلا أن هذه الحادثة الصغيرة التي بدأت بمقتل الناقة أشعلت النار في صدر جساس الذي قال لخالته التي نعت موت الناقة: «سأقتل جملًا أعظم من هذه الناقة»، وخرج برمحه راكبًا فرسه وداهم كليب الذي خرج آمنًا من بيته، فطعنه من ظهره.
يقول ابن الأثير: إن كليب طلب من جساس شربة ماء قبيل موته، قائلًا: «يا جساس أغثني بشربة ماء»، فما كان من الأخير إلا أن تركه يقضي نحبه عطشانًا، ودارت بعدها رحى الحرب بين القبيلتين. ويقال إن الحرب انتهت بأن قام جساس بتربية هجرس بن كليب، وهو ابن أخته جليلة، وقد اتخذه مأخذ الأبن وزوجه ابنته؛ إلا أن هجرس قد علم في الأخير بحادثة موت أبيه، فطعن جساسًا وقتله ليكون بذلك آخر قتيل في حرب البسوس، قال هجرس وهو يهم بقتل خاله: «وفرسي وأذنيه ورمحي ونصليه، لا يترك الرجل قاتل أبيه وهو ينظر إليه».
هكذا اشتعلت حرب المسلمين مع قبائل «الجات الهندوسية»
عام 1669 كانت أولى ما واجهه إمبراطور المغول أورنجزيب حرب المسلمين وقبائل «الجات الهندوسية»، والتي بدأت حين قام الجات بقتل الحاكم المغولي في بلادهم ماثورا، وكان يدعى الأمير عبد النبي خان؛ إذ أشعل موت الأخير على يد أهالي تلك المنطقة فتيل الحرب بين الجات والمسلمين، راح ضحيتها الآلاف.
عُرف عبد النبي خان بأنه أمير مسلم متدين، وافق على تطبيق وتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية في الهند، وتولى ولاية مدينة ماثورا، وبنى جامعًا كبيرًا في المدينة، كان موقعه هو أطلال معبد هندوسي قديم، وهو الأمر الذي ثار من أجله أهالي المنطقة من الهندوس وقبائل «الجات»؛ إذ أعلنوا الثورة على السلطان المغولي بزعامة شخص يدعى جوكولا.
بدأت تلك الحرب عن طريق اعتداءات قبائل الجات على المسلمين وأراضي الإمبراطورية المغولية، وامتد هجومهم حتى وصل إلى مدينة أكرا الهندية الشهيرة، وهو الأمر الذي استدعى عالمكير الأول «أورنجزيب» إمبراطور الهند المغولي لإعداد جيش كبير عام 1670 ميلاديًا، بقيادة حسن علي خان وهو من قادة المغول العسكريين العتاة؛ إذ كانت الدولة المغولية تفخر به وبشدة بأسه، وقد أنزل الأخير بقبائل الجات الهندوسية هزائم عنيفة، حتى قيل إنه كاد يفنيهم عن آخرهم.
يقول المؤرخ الهندوسي شارما: إن ما أشعل فتيل الثورات التي قادها الهندوس وغيرهم إبان فترة حكم الإمبراطور أورنجزيب هو سياسة التعصب الديني والتزمت السياسي الذي بات شعارًا يرفعه إمبراطور المغول في وجه أبناء الإمبراطورية من الأهالي الشيعة والهندوس بحسبه؛ إذ عمل الإمبراطور الذي سعى لتطبيق الشريعة الإسلامية، بحسب المؤرخ الهندوسي على نفي التسامح الديني وهو ما خالف سياسة أسلافه، وعلى رأسهم جلال الدين أكبر؛ ما أشعل فتيل الحرب الأهلية في إمبراطورية الهند إبان فترة حكمه، وتميز عصره بنشوب الكثير من حركات التمرد والعصيان.
في تلك الحرب التي كادت تهدد نفوذ الإسلام وسيادته على الهند بلغ عدد القتلى من قبائل الجات الهندوسية ما يزيد عن 5 آلاف، في حين راح ضحيتها من المسلمين ما يزيد عن 4 آلاف قتيل.
(ساسة بوست)