2024-11-24 12:28 م

اللعبة الكبرى.. غاز المتوسط إلى أين؟

2020-01-02
علي حسين باكير
في بداية العقد الماضي، كان هناك اعتقاد سائد مفاده أنَّ ثروات النفط والغاز التي يكتنزها حوض شرق البحر المتوسِّط، كفيلة بإنتاج تحوُّل جيو-سياسي وجيو-اقتصادي في المنطقة، يؤدِّي إلى سلام شامل وازدهار اقتصادي يتخطَّى أثره البلدان المعنية إقليمياً ودولياً.

لكن مع ازدياد الخلافات بشأن ترسيم الحدود البحرية، وكيفية تقاسم الثروات المكتشفة فضلاً عن إمكانية استثمارها وتصديرها إلى الخارج، معطوفةً على التحوُّلات التي شهدتها المنطقة خلال العقد المنصرم، وتشكُّل سياسة محاور إقليمية ودولية لدعم أطراف بعينها على حساب أطراف أخرى انطلاقًا من المواقف السياسية، أصبح هذا التصوُّر بعيدًا عن الواقعية.

وعلى الرغم من أنَّ الاكتشافات المتزايدة للثروات في حوض شرق البحر المتوسِّط لا تزال تمتلك إمكانية إحداث تحوُّلات داخلية في البلدان المعنية، فإنَّ تحوُّلها إلى مادَّة للنزاع الداخلي والإقليمي والدولي، فضلاً عن تحوُّلها إلى سبب في زيادة التوتُّرات السياسية والأمنية، قد يُفضي في مرحلة من المراحل إلى الصدام بدلاً من التعاون.

ومن هذا المنطلق، تبحث هذه الورقة حجم التقديرات المتعلِّقة بالثروات الموجودة في حوض شرق البحر المتوسِّط، وأبرز الخلافات الناشئة والمتفاقمة إزاء هذا الأمر، ودور القُوى الدولية، وعسكرية التنافس التجاري شرق المتوسِّط، علاوةً على السياسة التركية في التعامل مع سياسة فرض الأمر الواقع في هذه المنطقة ومحاولات عزلها، والمسار الذي من الممكن أن تُفضي إليه التطوُّرات.

ثروات حوض شرق البحر المتوسِّط:

في عام 2010، أجرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية تقديرات لما يحتويه حوض شرق البحر المتوسِّط من ثروات طبيعية، وخرجت بنتيجة مفادها أنَّ الساحل الشرقي الذي يشكِّل القسم الأكبر من حوض شرق البحر المتوسِّط، يحتوي على كمِّيات هائلة من احتياطي النفط والغاز غير المكتشَفة، تُقدَّر بقُرابة 122 تريليون م3 من الغاز، و1.7 مليار برميل من النفط[1].

وتضمُّ هذه المنطقة سواحل دول تركيا وسوريا ولبنان وفِلَسطين وإسرائيل وقبرص ومصر. وإذا ما استثنينا مصرالتي امتلكت كمِّيات من الغاز قبل أن تتحوَّل لاحقًا إلى مستورد له أيضاً، فيمكن ملاحظة أنَّ باقي الدول قد اعتمدت تقليديًّا بشكل أساسي على استيراد الطاقة من الخارج، وغالباً ما شكَّل ذلك -ولا يزال يشكِّل- عبئًا عليها من ناحيتين على الأقلّ:

الأولى هي أمن الطاقة لديها، إذ يُستورد النفط أو الغاز من عدد محدود من الدول، ما يجعلها رهينة لخِيارات سياسية ضيِّقة، مع إخفاق في تنويع مصادر الطاقة لديها.

أمَّا الأخرى فتتمثَّل في الأمن الاقتصادي، إذ يشكِّل استيراد النفط والغاز عبئاً مالياً عليها وعلى مواطنيها، غالباً ما يصبح مشكلة مستعصية إثر التصاعد المستمرِّ في أسعار النفط والغاز، مع ما يستتبعه ذلك من مشكلات أو انعكاسات اقتصادية على موازنة الدولة وعلى بقية القطاعات.

وحدها إسرائيل استطاعت الخروج من هذا الواقع، لا سيَّما مع اكتشافات الغاز الضخمة التي سجَّلتها قبالة سواحل فِلَسطين في الفترة ما بين 2009 و2014، وتحديدًا في حقل ليفياثان المقدَّر احتواؤه على 620 مليار م3 من الغاز، وحقل تَمار المقدَّر احتواؤه على قُرابة 280 مليار م3 من الغاز (انظر الجدول رقم 1).

وقد بدأت أولى وأهمِّ الاكتشافات في منطقة حوض شرق البحر المتوسِّط في بداية الألفية، حين اكتشفت شركة بريتيش بتروليوم البريطانية حقل (غزَّة مارين) على مسافة