2024-11-25 05:57 ص

تاجر الحروب.. "حميدتي" رجل الذهب والصفقات الغامضة في السودان

2019-12-04
محمد أبو رزق - الخليج أونلاين

لا تكتفي الحروب بإهراق الدماء وإزهاق النفوس فقط، إذ لها وجه آخر مختلف يتمثل في اغتنام المليارات من الدولارات من قبل من يعرفون بـ"تجار الحروب"، وهو ما حدث في السودان الذي شهد نزاعات استمرت سنوات، وثورة عارمة ضد الفساد ونظام ديكتاتوري أدخل ثلث سكان البلاد تحت خط الفقر.

وتصدر نائب رئيس المجلس العسكري السوداني قائد قوات الدعم السريع وأحد ضباط الرئيس المعزول عمر البشير، محمد حمدان دقلو، المعرف بـ(حميدتي)، المشهد في السيطرة على ذهب السودان وتصديره إلى الإمارات وتشاد، علاوة على الاتهامات الموجهة إليه بالوقوف خلف فض اعتصام القيادة العامة (3 يونيو 2019)، ومقتل وجرح واختفاء المئات.

وحين كان يتقاتل السودانيون في دارفور، ويموت الآلاف منهم بسبب المجاعة، التي تسببت بها النزاعات المسلحة في جنوب البلاد، ويعاني آلاف الخريجين من البطالة، كان "حميدتي" ينقب عن الذهب من خلال مجموعة "الجنيد" التي تملكها أسرته.

وكشفت وكالة "رويترز" النقاب عن امتلاك أسرة "حميدتي" شركة تنقل سبائك ذهب بملايين الدولارات إلى إمارة دبي الإماراتية.

وأكدت الوكالة، في تحقيق لها نشر الأربعاء (28 نوفمبر)، أن الرئيس المعزول البشير أطلق يد حميدتي (43 عاماً) في بيع الذهب، أغلى مورد طبيعي في السودان، عن طريق مجموعة الجنيد.

ونقلت الوكالة عن ستة مصادر أن مجموعة "الجنيد" كانت في بعض الأحيان تتجاوز قواعد البنك المركزي المنظمة لتصدير الذهب، وفي أحيان أخرى كانت تبيعه للبنك المركزي نفسه بسعر تفضيلي.
وأظهرت وثائق تغطي أربعة أسابيع من نهاية العام الماضي أن مجموعة "الجنيد" أرسلت ما قيمته نحو 30 مليون دولار من سبائك الذهب إلى دبي، وهو ما يزن نحو طن من الذهب.

وقبل هذا التحقيق كان السودان يُعاني من تهريب الذهب إلى الخارج من قبل جهات منظمة، ومهربين غير معروفين، إذ أكدت وزارة المعادن السودانية أن نحو 75% من إجمالي إنتاج التعدين التقليدي والمنظم من الذهب يهرّب إلى خارج البلاد.

ويحتل السودان المرتبة الثالثة أفريقياً في إنتاج الذهب بعد جنوب أفريقيا وغانا، حيث بلغ حجم الإنتاج الكلي للذهب في البلاد قرابة 94 طناً مترياً في العام المنصرم 2018، مقارنة بـ73 طناً قبل 3 سنوات، أي بزيادة بلغت 27%، وفق بيانات رسمية سودانية.

ويأتي الذهب في مقدمة الثروات المعدنية في السودان، حيث ينتشر في 14 ولاية من مجموع ولايات البلاد الـ18، بجانب ثروات المياه.

وعزل الجيش السوداني عمر البشير (حكم ما بين عامي 1989 و2019) من الرئاسة في 11 أبريل 2019، تحت وطأة احتجاجات شعبية بدأت أواخر 2018؛ تنديداً بتردي الأوضاع الاقتصادية وزيادة أسعار الخبز.

ويتولى الحكمَ في السودان مجلسُ سيادة من المدنيين والعسكريين لمرحلة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات تنقل السلطة إلى المدنيين بالكامل.

حميدتي..رجل الصراعات الطويلة

يقول الناشط السياسي السوداني حسام أبو الفتح، إن حميدتي رجل ترقى عبر سلسلة من التكوينات الأمنية خارج الدولة، وعبر صراعات طويلة بينه وبين الزعيم القبلي موسى هلال في شمال دارفور.

وأوضح أن هذا الصراع مكن حميدتي "من حيازة منطقة جبل عامر المنتجة للذهب وهو أمر معلوم ومعروف، ما مكنه وعبر قوة الأمر الواقع وتساهل السلطة معه من حيازة أكبر قدر من الأموال".

وأضاف، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "دور حميدتي الآن هو دور محكوم بسياق مختلف، هذا السياق ليس بالضرورة أموال الذهب المهرب في جبل عامر الغني بالذهب، بل في سياق القوة العسكرية التي جعلته مسؤولاً عن تأمين القيادة العامة قبل أن يسهم الشق المالي في تقوية الشق العسكري، إضافة للارتباطات الخارجية".

وأشار إلى أن ما يقوم به حميدتي "يعد دوراً أكبر من حجمه، ولن يجد ظهيراً مدنياً رغم بحثه عن ذلك ليسنده سياسياً، وهذا أمر يعني نهايته السياسية في البلاد".

حميدتي..صنيعة الإمارات

أما الباحث والكاتب السياسي السوداني محمود أبو السر، فيقول إن حميدتي أصبح يمثل قوة اقتصادية وعسكرية داخل السودان، وإنه في عهد الرئيس المعزول عمر البشير كان "الحاكم الفعلي".

ويضيف، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن حميدتي فرض نفسه بالقوة على السودان أيضاً بعد عزل البشير، فهو لديه القوة العسكرية التي تم ضمها مؤخراً إلى الجيش النظامي إلى جانب سيطرته على المخابرات، مشيراً إلى أنه "خلال الفترة القادمة سنرى سيطرته على جميع مفاصل الدولة، التي لم يتبقَّ منها سوى جهاز الشرطة، إضافة إلى امتلاكه نسبة ضخمة من مناجم الذهب في البلاد".

ويرى أن تهريب حميدتي الذهب إلى الإمارات "يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن أبوظبي عملت على صناعته ليكون رجلها الأول في السودان كما هو الحال في ليبيا مع خليفة حفتر"، مشيراً إلى أن "تعثر بعض الخطوات التي كان ينوي القيام بها لن تكون سبباً في توقفه بل سيعمل بدعم من الإمارات على العودة أقوى وبما يتناسب مع ما تريده".

وتابع: "حميدتي حالياً أصبح مسيطراً على السلاح السوداني الرسمي وغير الرسمي، كما أنه يسيطر على القرارات السيادية، ويعمل بكل طاقته على السيطرة الشعبية الجماهيرية على الأرض، وإذا استمر الوضع على هذه الحال خلال الأشهر القادمة فسنرى تظاهرات تطالب بانتخاب حميدتي رئيساً للبلاد، وهذا ما تريده أبوظبي".

بداية القصة

يعد جبل عامر كنز السودان من الذهب، حيث شهد العديد من المعارك الدموية بين موسى هلال، زعيم عشيرة المحاميد، وحميدتي قائد قوات الدعم السريع، بهدف السيطرة على المناجم فيه.

ويمتد جبل عامر طولاً قرابة ثلاثة كيلومترات مشكلاً هضبة منخفضة تنتهي في اتجاه الشمال الشرقي، وهو ليس جبلاً شاهق الارتفاع، بل مجموعة من التلال المنخفضة تتخللها هضاب مسطحة تنتشر فيها آبار المعدنين التقليديين ومناجمهما المحفورة كالسراديب والأخاديد.

وبعد اكتشاف الذهب في هذا الجبل عام 2012، اشتدت المعارك بين هلال وحميدتي عليه، حيث سيطر الأخير على جميع مداخل المنطقة ومخارجها بعد سقوط آلاف القتلى والجرحى.

وبدأ بالفعل التنقيب عن المعدن النفيس، وبيع الكميات التي تُستخرَج إما إلى الحكومة السودانية، أو إلى دبي بتصديره مباشرة، وفق ما وجد "الخليج أونلاين" بوسائل إعلامية سودانية.

ويطلق السودانيون على جبل عامر "سويسرا"؛ بسبب كمية الذهب الهائلة التي تُكتَشف به، إضافة انتعاش القرى القريبة منه، ووصول الاتصالات لها، وانتشار المراكز التجارية، والتعليم، والخدمات الصحية.