يواصل الكيان الإسرائيلي حصاره المطبق على قطاع غزّة، برّاً وبحراً وجواً، الكيان الإسرائيلي وبعد الجولة الأخيرة التي انطلقت شرارتها مع اغتيال الشهيد ابو العطا، أعلن مقترح لإمكانية إقامة جزيرة اصطناعية قبالة سواحل قطاع غزة.
وفي التفاصيل، ذكرت الصحافة الإسرائيلية أن نفتالي بينيت وزير الجيش الإسرائيلي، أمر كبار قادة الجيش بدراسة مقترح إمكانية إقامة جزيرة اصطناعية قبالة سواحل قطاع غزة. ويأتي قرار بينيب بعد الضوء الأخضر الذي حصل عليه من بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي من أجل دراسة المقترح، مشيرةً إلى أنه من المتوقع خلال 8 أسابيع أن تكون هناك موافقة كاملة من كبار قادة الجيش مع إمكانية إحداث تعديلات على المقترح.
وزير الاستخبارات الصهيوني، يسرائيل كاتس، الذي طرح فكرة الجزيرة عام 2016 حين كان وزيراً للمواصلات والنقل، أشار إلى أن الجزيرة الاصطناعية العائمة ستكون وحيدة للوضع الحالي في غزة، وقطع الروابط مع القطاع مع الحفاظ على الوضع الأمني هناك. لا يعدّ مسار الجزيرة الاصطناعية معبّداً بالكامل في الداخل الإسرائيلي، ففي حزيران من ذات العام امتنع المجلس الوزاري المصغر "الكابنيت" عن التصويت على ذلك المقترح، بعد رفضه من قبل وزير الجيش آنذاك أفيغدور ليبرمان، رغم تأييد قيادة الجيش له. ليبرمان تذرّع حينها باستخدام حماس لهذا المعبر بغية تهريب السلاح.
بين الشكل والمضمون
في الشكل، يتمحور المقترح حول بناء جزيرة اصطناعية على بعد 8 كيلو متر من شواطئ بحر غزة، تكون بمثابة ممر لدخول البضائع لغزة، وكذلك تصديرها، وسط إجراءات أمنية مشددة، وستقام الجزيرة على مساحة 4.5 كم، وبطول 4 كم، وبعرض 2 كم، وتحتوي على ميناء ومطار بإشراف دولي، فيما ستشرف "إسرائيل" على الأمن وتفقد السفن التي ستصل من الخارج لغزة.
وأما في المضمون، هناك جملة من الأهداف يتطلّع إليها داعمو مشروع الجزيرة الاصطناعية في قطاع غزّة، نذكر منها:
أولاً: يصب المشروع الجديد في إطار صفقة القرن، حيث يسعى لفصل القطاع دون أن تكون له أي مقومات للدولة، رغم أنه هناك قناعة راسخة لدى جميع الاطراف الفلسطينيين بأن لا دولة في غزة، ولا دولة من دونها. آخر التعليقات على هذه الجزيرة صدرت عن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، اليوم الاثنين، حيث قال إن "الحديث عن إقامة جزيرة مقابل قطاع غزة ، كلام فارغ ويجب ألّا يؤخذ بجدية". وقد وأكد عريقات في تصريحات صحفية، أن استراتيجية رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو هو فصل الضفة عن قطاع غزة لأنه لا دولة في غزة ولا دولة دون غزة.
ثانياً: الكيان الإسرائيلي يريد أن يبقي سيطرته الامنية على البحر في محيط الجزيرة ويحق له تفتيش الميناء أي جعله تحت السيطرة الإسرائيلية المقنّعة، فضلاً عن إمكانيّة تعطيله بسهولة عند نشوب أي حالة توتر من خلال الطريق العائم الذي يربط الجزيرة بساحل القطاع، أي إنّه يكفي قطع طريق صغير جداً لوقف هذه الجزيرة.
أحد مسؤولي حركة حماس صرح لموقع المونيتور الأمريكي أن هذا المشروع ليس إلا مجرد خطة إسرائيلية للإبقاء على سيطرتها على القطاع، والحل الوحيد هو السماح للفلسطينيين ببناء مينائهم الخاص على ساحل غزة، وهو ما يتعنّت برفضه الاحتلال، لماذا دفع هذه التكلفة من جيوب الفلسطينيين (الأموال المقدمة لهم) أو غير الفلسطينيين؟ لماذا يستفيد الكيان الإسرائيلي من هذه المشاريع، أي إن الشركات الإسرائيلية هي من ستنفّذ جزءاً كبيراً من هذا المشروع، بعبارة أخرى يلهث الكيان الإسرائيلي وراء أهداف سياسية وأمنية واقتصادية من هذا المشروع.
ثالثاً: يسعى الكيان الإسرائيلي من خلال هذا المشروع لتلميع صورته، ولاحقاً التخفيف من وطأة الانتقادات الدولية التي توجّه إليه. وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الذي عرض الأمر على الرئيس الامريكي دونالد ترامب لحشد التأييد لدعم فكرته، علق هذا الأمر بالقول: ينص عليه القانون الدولي، وبما أن الانفصال عن القطاع (انسحاب إسرائيل وتفكيك المستوطنات عام 2005) لم يحقق هدفه، بإنهاء المسؤولية الإسرائيلية المدنية عن القطاع، ولفشل ربط القطاع بمصر، فإننا في إسرائيل لا نريد أن نكون مسؤولين عن الفلسطينيين في غزة”.
لذلك، يسعى الكيان لاستخدام هذا المشروع كأداة ابتزاز سياسي واقتصادي، وكوسيلة لتركيع الشعب الفلسطيني من خلال التحكم بحاجاته اليومية والإنسانية بما في ذلك الوقود والمواد الأولية والدواء. إن اتفاقية المعابر الموقّعة سنة 2005 تؤكد على هذا الأمر، ولعل المراجع السريعة للسلوك الإسرائيلي وعمليات الإغلاق التي تعرضت لها المعابر، يؤكد هذه الحقيقة.
رابعاً: بعيداً عن نسبة نجاح المشروع إسرائيلياً، من غير المتوقّع أن يكتب النجاح لهذا المشروع فلسطينياً، فلا يوجد أي طرف فلسطيني يدعم هذا المشروع، لا في غزّة ولا في القطاع. وزير الشؤون المدنية، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، حسين الشيخ علّق على هذا المخطط بالقول: "هذا المخطط هو جزء من صفقة العار التي ترتكز على دويلة مسخ في غزة وتكريس الاحتلال في القدس والضفة الغربية".
باختصار، إن هذه المشروع وفضلاً عن كونه غير واقعي، أو كلام فارغ كما وصفه عريقات، يهدف لتحقيق أهداف سياسية وأمنية واقتصادية للكيان الإسرائيلي، دون أن يحقّق أي مكتسب للشعب الفلسطيني، وبالتالي لن يكتب له النجاح.
(الوقت)