2024-11-25 08:39 م

لماذا ترفع تركيا الرهان في شرق البحر المتوسط؟

2019-11-29
بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ونظيره المصري عبدالفتاح السيسي عداء عميق ، حيث ينظر إلى الأول على أنه الإسلامي السياسي الذي سجن جنرالات علمانيين في تركيا، وإلى الثاني على أنه الجنرال العلماني الذي سجن إسلاميين سياسيين في مصر، ومن المرجح أن يمنع هذا الوضع التطبيع الثنائي في أي وقت قريب.

في 5 أكتوبر الماضي اجتمع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مع وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس للمرة الثالثة في أقل من ثلاثة أشهر، وفي مؤتمر صحافي مشترك عقده الوزيران بعد الاجتماع، صرح بومبيو بأن واشنطن قد حذرت تركيا من «أعمال التنقيب غير القانونية» في شرق البحر المتوسط وسوف تتأكد أن يتم التمسك بالقوانين الدولية في هذا الشأن.

ويأتي هذا التحذير في وقت أصبحت فيه قضية قبرص مجدداً نقطة شائكة بالنسبة لأنقرة، ولم تربط علاقات دبلوماسية بين الحكومة التركية والحكومة القبرصية المعترف بها دولياً منذ الحرب على الجزيرة في عام 1974، لكن احتمال المواجهة العسكرية بين تركيا وقبرص تعاظم في السنوات الأخيرة بعد اكتشاف رواسب الغاز الطبيعي قبالة شواطئ قبرص، وتعترض تركيا على تراخيص التنقيب التي منحتها السلطات القبرصية اليونانية في نيقوسيا لشركات الطاقة الدولية في هذه المناطق، وبدلاً من ذلك تدعم حكومة أنقرة جهود التنقيب التي قامت بها الجمهورية التركية لشمال قبرص (جمهورية شمال قبرص). وتركيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعترف بجمهورية شمال قبرص، التي تسيطر على الجزء الشمالي من الجزيرة وتعمل الآن مع أنقرة للتنقيب في المياه الجنوبية حيث تقع معظم الرواسب.

ولتعزيز موقف الجمهورية التركية لشمال قبرص، أرسلت تركيا سفن حفر خاصة بها وسفناً عسكرية إلى حقول الغاز، الأمر الذي أثار إدانات من أثينا ونيقوسيا والاتحاد الأوروبي (الذي يضم بين أعضائه اليونان وقبرص)، والجهات الإقليمية الفاعلة في مجال الغاز مثل إسرائيل ومصر. ورداً على ذلك، أعلن الرئيس رجب طيب إردوغان أن أنقرة ستواصل «بحزم» أعمال التنقيب هذه، حتى أنها أعلنت قيام مناطق في المياه المحلية يحظر على السفن اليونانية والقبرصية الإبحار فيها، وقد أدى هذا الوضع إلى قيام مواجهات بين سفن البحرية التركية وسفن التنقيب التي تعاقدت معها شركات الطاقة الدولية التي حصلت على تراخيص من نيقوسيا.

تنبع سياسة تركيا الاستفزازية من مخاوفها أن يعمل خصومها في شرق المتوسط على تضييق الخناق عليها، بعضهم قدماء (اليونان وقبرص)، وبعضهم جدد (إسرائيل ومصر). ويعتقد إردوغان، على ما يبدو، أنه قادر على إضعاف هذا «المحور» المفترض «المناهض لتركيا» من خلال تحدي المناطق البحرية المحيطة بحلقته الأضعف، أي قبرص - وهو نهج يتماشى مع سياسته الخارجية الأكثر عدائية في المنطقة (لاحظ تدخله المستمر في سورية، على سبيل المثال). وعلى عكس أسلافه، يشعر إردوغان بأنه يتمتع بالسلطة لمتابعة مصالح تركيا من جانب واحد، حتى على حساب عزلتها الإقليمية.

وفيما يتخطى إردوغان، لدى تركيا مصالح عسكرية واستراتيجية طويلة الأمد في فرض نفسها في شرق البحر المتوسط، ولا يزال أسطولها البحري يفتقر إلى القدرة على استعراض القوة خارج مياهها، مما دفع العديد من صناع القرار في أنقرة إلى النظر إلى قبرص على أنها امتداد للقوة البحرية التركية إلى البحر المتوسط. بالإضافة إلى ذلك، فمع موارد تركيا القليلة نسبياً من الطاقة، تعتمد البلاد على استيراد الغاز، ويبلغ إجمالي فاتورة الاستيراد السنوي للطاقة حالياً حوالي 30 مليار دولار، مما يجعلها أكثر تلهفاً للتنقيب عن فرص الغاز في جميع أنحاء قبرص.

ونظراً لأن تركيا لا تعترف بالحكومة القبرصية في نيقوسيا كرئيسة لدولة ذات سيادة، فإنها تجادل بأنه يحق للجزيرة الحصول على 12 ميلاً بحرياً فقط من المياه الإقليمية، مما يحرمها «المنطقة الاقتصادية الخالصة» الطبيعية المخصصة للدول الأخرى، والتي عادة ما تمتد لأبعد من ذلك بكثير. وتركيا ليست من الدول الموقعة على «اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار»، وبالتالي فهي لا تعترف رسمياً بأي حدود للجرف القاري في المنطقة، باستثناء تلك التي تفاوضت حولها مع الجمهورية التركية لشمال قبرص في عام 2011. وبناءً على ذلك، فهي تعترف فقط بـ «المنطقة الاقتصادية الخالصة» التي تطالب بها الجمهورية التركية لشمال قبرص، والتي تشمل حزاماً إلى الجنوب من الجزيرة لا يتاخم الساحل الذي تسيطر عليه هذه الجمهورية. وبناءً على هذا الرأي، وبموافقة الجمهورية التركية لشمال قبرص، شرعت تركيا في أنشطة التنقيب والحفر والاستخراج المحتملة حول معظم أنحاء الجزيرة.

«محور» في البحر المتوسط

وفي جانب يتعدى الإطار القبرصي، لا يمكن فعلياً وصف علاقات أنقرة بالجهات الفاعلة الرئيسة في منطقة شرق البحر المتوسط، أي إسرائيل واليونان ومصر، بأنها علاقات ودية. وقد استأنفت تركيا وإسرائيل علاقتهما الرسمية في عام 2016 في أعقاب حادثة «أسطول الحرية» عام 2010، وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في وقت لاحق، لكن دعم أنقرة لـ «حماس» لا يزال يقوض العلاقات الثنائية. وبالمثل، في حين أن تركيا واليونان، حليفتان في «منظمة حلف شمال الأطلسي» (الناتو) وقطعتا شوطاً كبيراً منذ الفترة التي كانتا فيها على شفا الحرب، إلا أن العلاقة بينهما لا ترقى إلى مصاف الصداقة الحميمة.

وفي غضون ذلك، انخفضت العلاقات التركية المصرية إلى أدنى مستوياتها منذ عقود في عام 2013، عندما دعمت أنقرة حكومة «الإخوان المسلمين» في القاهرة، ومنذ تمت الإطاحة بتلك الحكومة من قبل المتظاهرين والمسؤولين العسكريين، رفض إردوغان الاعتراف بالرئيس عبد الفتاح السيسي كزعيم شرعي للبلاد. ويستمر العداء العميق بين الرئيسين، حيث ينظر إلى إردوغان على أنه الإسلامي السياسي الذي سجن جنرالات علمانيين في تركيا، وإلى السيسي على أنه الجنرال العلماني الذي سجن إسلاميين سياسيين في مصر، ومن المرجح أن يمنع هذا الوضع التطبيع الثنائي في أي وقت قريب.

ونظراً إلى تأرجح علاقة تركيا مع هذه الدول ومع قبرص بين الباردة والعدائية، شعرت أنقرة بالقلق من وتيرة التعاون الاستراتيجي الذي نشأ بين تلك الدول في السنوات الأخيرة، والتي شملت المبادرات الدبلوماسية والعسكرية المشتركة ومبادرات في شؤون الطاقة أيضاً. وحتى الإمارات العربية المتحدة، إحدى الجهات الفاعلة في الخليج العربي، شاركت في بعض هذه المبادرات، مدفوعة بمعارضتها الشديدة لدعم إردوغان لـ «الإخوان المسلمين» على مستوى المنطقة.

إن القاهرة هي العنصر الرئيسي لكثير من هذه المبادرات، فبعد فترة وجيزة من وصول السيسي إلى السلطة، بدأ محادثات مع اليونان لتحديد المناطق الاقتصادية البحرية بين البلدين، وفي نوفمبر 2014، عقد قمة ثلاثية مع نظرائه القبارصة واليونانيين للترويج لصفقة توريد الغاز من الحقول البحرية القبرصية إلى مصر.

كما استضافت القاهرة هذا العام الاجتماع الافتتاحي لـ «منتدى غاز شرق المتوسط»، وبالإضافة إلى قبرص ومصر واليونان وإسرائيل، تضم المجموعة الأردن والسلطة الفلسطينية كأعضاء، مع عدم دعوة تركيا بشكل خاص.

وعلى الجبهة العسكرية، خططت القاهرة وأنقرة لإجراء مناورات بحرية مشتركة في شرق البحر الأبيض المتوسط خلال فترة رئاسة مرسي، ولكن تم إلغاء تلك التدريبات بعد الإطاحة به. وعلى النقيض من ذلك، تجري مصر مناورات جوية مشتركة مع اليونان في المنطقة منذ عام 2015. وكانت أولها، مناورات «ميدوسا»، في جزيرة رودس اليونانية على بعد اثني عشر ميلاً فقط من ساحل تركيا. وفي عام 2018، بدأت القوات القبرصية المشاركة في مناورات ميدوسا؛ وبشكل منفصل، أجرت هذه القوات ثلاث جولات من المناورات المشتركة في إسرائيل في وقت سابق من هذا العام.

وقد دعمت واشنطن هذه المبادرات إلى حد كبير، ويشارك الجيش الأميركي في تدريبات ميدوسا كمراقب. وفي مارس الماضي، وعقب اجتماع مع ممثلين من إسرائيل واليونان وقبرص، أكد وزير الخارجية الأميركي بومبيو على دعم الولايات المتحدة للآليات المتفق عليها بين هذه الدول الثلاث لزيادة التعاون في شرق البحر المتوسط. ثم، في يوليو، قدم السناتوران الأميركيان بوب ميننديز (ديمقراطي من ولاية نيو جيرسي) وماركو روبيو (جمهوري من ولاية فلوريدا) تشريعاً يحدد الدعم لقبرص وينتقد تصرفات تركيا في المياه المحلية. وفي الشهر نفسه، شارك ممثلون أميركيون وإسرائيليون ومصريون في قمة لشؤون الطاقة في أثينا، صرح خلالها وزير الطاقة القبرصي جورجيوس لاكوتريبس بأن «موقف أنقرة الاستفزازي» سيكون محور المناقشات.

أمام هذا التكتل الناشئ، وحيث لم يعد لتركيا حلفاء في المنطقة، من المرجح أن تواصل أنقرة ترسيخ مكانتها من جانب أحادي في شرق البحر المتوسط من أجل متابعة مصالحها في مجال الطاقة والأمن، حتى على حساب زيادة تدهور العلاقات مع واشنطن. لكن الخلاف البحري بين تركيا وقبرص قد يعرض السفن والطائرات لخطر تعرضها لحوادث. لذلك، وبينما يعد المسؤولون الأميركيون جدول أعمالهم تحضيراً لزيارة إردوغان المعلنة في 13 نوفمبر إلى واشنطن، وهي مناسبة ستتم مناقشتها باستفاضة في منتدى سياسي منفصل في وقت لاحق من هذا الأسبوع، على الرغم من أن التقارير الإعلامية تشير إلى أن إردوغان قد يلغي هذه الزيارة - يجب على هؤلاء المسؤولين حث أنقرة على التخلي عن تكتيكاتها الاستفزازية تجاه قبرص. ينبغي عليهم أيضاً تشجيع القوى الإقليمية على دعوة أنقرة للمشاركة في مبادرات مشتركة لدول شرق المتوسط كوسيلة لنزع فتيل التوترات ومنع الصراع بين الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة.

*سونر چاغاپتاي

الجريدة