2024-11-24 03:24 م

القصة الكاملة لأكبر عملية سرقة في تاريخ السعودية

2019-11-09
في أحد أيام صيف يونيو/ حزيران من عام 1989، وصل “كريانغكراي” إلى قصر الابن الأكبر لملك السعودية -آنذاك- فهد بن عبد العزيز آل سعود، توقف مع أحد زملائه، الذي كان يعمل على نظام الإنذار الأوتوماتيكي، ليسأله كيف يعمل هذا الجهاز، وتمكن من حفظ الأرقام السرية التي تُوقفه رغم جهله باللغة الإنجليزية.
ثلاثون عاما مضت على اندلاع ما عُرِفَ بحرب “الماسة الزرقاء” بين السعودية وتايلاند، على جبهات الاقتصاد والدبلوماسية، والتي قتل فيها 18 شخصا بينهم أربعة دبلوماسيين سعوديين.

بداية القصة..

في يونيو 1989، كان العامل التايلاندي “كريانغكراي تاتشمونغ” وهو من سكان قرية بينميبا شمالي تايلاند، يعمل بوابا في قصر الأمير فيصل، وحاز  الرجل على ثقة ملك القصر وبات محل ثقة لحراسه.

في اليوم التالي لمعرفته بنظام الإنذار، بدأ كريانغكراي بتعطيل الجهاز، ودخل إحدى الغرف التي كان يشرف على العناية بها، فتح الخزينة الحديدية من دون أن يثير انتباه أحد، وسرق خمسة خواتم مرصعة بالألماس، وعاد إلى سكنه.

يقول العامل فيما بعد بأنه لم يعرف النوم في تلك الليلة لأنه لم يسرق كمية كبيرة من المجوهرات، فكرر فعلته في اليوم التالي وظل يتردد طوال شهرين على الخزينة مستغلا وجود أصحاب القصر خارج الرياض.

ومع نهاية شهر أغسطس/آب، كان العامل التايلاندي أفرغ الخزينة من محتوياتها، ونقلها إلى مستودع في القصر قبل أن يشحنها إلى تايلند بواسطة شركة للشحن الجوي.

90 كيلوغرام مجوهرات..

وصل مجموع المجوهرات التي سرقها إلى 90 كيلو غراما من القلادات والخواتم والأساور المصنوعة من الأحجار الكريمة والذهب والزمرد، وساعات مرصعة بالياقوت والألماس.

ومن بين المجوهرات الثمينة التي سرقها، كانت هناك ماسة زرقاء باهظة الثمن ونادرة تتجاوز قيمتها 20 مليون دولار.

لم يمض وقت طويل حتى علم الأمير وعائلته بفقدان بعض مجوهراتهم، ففي النصف الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 1989، عاد أصحاب القصر من إجازتهم واكتشفوا اختفاء المجوهرات والأموال التي كانت في الخزينة، فأبلغوا الجهات المعنية التي بادرت بعدما حامت الشكوك حول الخادم إلى الاتصال بالحكومة التايلاندية، التي وعدت بحل القضية بأقصى سرعة وإعادة المجوهرات إلى الأمير.

وفي العاشر من يناير/كانون الثاني 1990، اعتقل “كريانغكراي” فاعترف فورا باقترافه السرقة، واسترجعت منه المجوهرات وأعيدت للأمير وزجّ به في السجن لمدة خمس سنوات.

خداع واغتيالات

لم تنته القضية باعتراف السارق واعتقاله، إذ اكتشف الأمير أن 20 في المئة فقط من المجوهرات التي أعيدت إليه كانت حقيقية، أما الباقي فمزيفة.

استمرت تايلاند في البحث بالقضية، واتهم مسؤول بارز باختلاس بعض المجوهرات، وتم استردادها منه وأعيدت للأمير عام 1991، لكن الكمية كانت صغيرة، ولم تكن الماسة الزرقاء من بينها.

لاحقا، أصبحت القضية أكثر تعقيدا، بعد أن تم تهديد وخطف زوجة وابن تاجر المجوهرات الذي اشترى المجوهرات المسروقة من البستاني، وعثر عليهما لاحقا مقتولين داخل سيارتهم.

جميع عمليات القتل المرتبطة بالقضية سجلت ضد مجهول، بمن فيهم قتل رجل أعمال سعودي كان يجري تحقيقا خاصا في القضية، وأربع دبلوماسيين سعوديين، ورجح خبراء أن يكون وراء عمليات القتل مسؤولون كبار في السلطة، ما أثار سخط السعودية، فاتخذت إجراءات دبلوماسية ضد تايلاند منها خفض مستوى بعثتها الدبلوماسية إلى أقل مستوى، وفقد مئات الآلاف من العمال التايلانديين وظائفهم في السعودية.

وبينما كان السعوديون يبحثون عن مجوهراتهم المفقودة، ظهرت زوجات كبار المسؤولين التايلانديين في مناسبات رسمية وهن يرتدين بعض المجوهرات الجديدة التي كانت تشبه كثيرا مجوهرات الأمير فيصل.

وقال السعوديون إن ضباطا تايلانديين كبارا لهم علاقة بالسرقة وعمليات القتل المتلاحقة للمحققين.

وقال محمد سعيد خوجة، وهو دبلوماسي سعودي بارز كان يعيش في تايلاند، لصحيفة “نيويورك تايمز” عام 1994: “الشرطة هنا أكبر من الحكومة نفسها، أشعر أنني كمسلم يجب أن أحارب الشياطين هنا”.

وفي عام 2015، اتهمت السعودية خمسة من كبار الضباط التايلانديين بالتورط في عملية السرقة، ولكن لم تتم إدانتهم بسبب عدم كفاية الأدلة، وقد أدرج اسم رئيس الشرطة التايلاندية ساونغ تيراسوات، في قائمة المتهمين.

وتسببت القضية في خسارة تايلاند لما يقارب 10 مليارات دولار سنويا على مدار 20 عاما بسبب منع المملكة للعمالة التايلندية وتراجع السياحة السعودية في تايلاند، ورغم كل ذلك ما زال مصير الماسة الزرقاء مجهولا حتى الآن.

“لعنة الماسة السعودية”

حكم  على كريانغكراي بالحبس خمس سنوات وقد خفضت إلى عامين و7 أشهر بعد إقراره بالذنب، وبعد إطلاق سراحه، بات يحمل اسما جديدا معناه “صاحب العلم بالماس”.

وقد عاد للحياة في شمال تايلاند، وفي حديث مع قناة “بي بي سي” التايلاندية، قال “إن ما حدث بمثابة الكابوس بالنسبة له”، مضيفا: “كل هذا الوقت منذ اعتقالي، أشعر أنني أفقد عقلي، كنت خائفا طوال الوقت من أي شيء حولي، فقد اعتقدت أن الكثيرين يريدون اختفائي أو قتلي، في البداية بقيت لمدة أسبوع بدون نوم”.

ويصر كريانغكراي على أنه لم يتخيل أن يصل الأمر إلى هذه الدرجة، لقد كان يعلم أن الذهب يساوي الكثير من المال، ولكنه لم يعرف قيمة الأشياء الأخرى حتى غادر السجن، “عندما جاءت الشرطة لم أجادل استسلمت وأعدت المجوهرات وساعدت في استعادة المجوهرات التي قمت ببيعها” ولكن ” ما كان الأمر ليصل إلى هذا الحجم، إذا لم يتورط أناس في تايلاند من ذوي النفوذ الكبير”.

واستمر في الشعور بالذنب تجاه ما حدث وقال: “حياتي بعد السجن كانت مليئة بخيبات الأمل والأحداث سيئة الطالع”، ومن ثم قرر في مارس/آذار عام 2016 أن يصبح كاهنا بوذيا.

وكان كريانغكراي قد دعا وسائل الإعلام لحفل ترسيمه راهبا، حيث قال كلمات قليلة “أريد أن أكون راهبا مدى الحياة لمحو لعنة الماسة السعودية، كما أريد تكريس حياتي من أجل أولئك الذين ماتوا في الأحداث الماضية، وأطلب العفو عن ما حدث”.

واختار كريانغكراي اسما له كراهب يتم ترجمته إلى “هو قوي كالماسة”.
تركيا الان