تعلَّم الفلسطينيون من التجربة عدم الاهتمام بالانتخابات الإسرائيلية، ولكن لكل قاعدة استثناء. فبالرغم من أنه لا يزال صحيحاً أنه لم يكن هناك أي زعيم صهيوني إسرائيلي «كريم» مع الشعب الفلسطيني، فمن المحتمل أن تؤثر ديناميكيات الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة في 17 سبتمبر/أيلول بشكل كبير على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي الواقع، يبدو أن نتيجة الانتخابات الأخيرة تشكل إيذاناً بحلول عصر جديد في إسرائيل: أيديولوجياً وسياسياً. لكن يمكن قول الأمر نفسه فيما يتعلق بتأثيرها المحتمل على الفلسطينيين، الذين يجب عليهم الآن الاستعداد للحرب في غزة وضم الضفة الغربية.
هذا ما تعنيه حكومة بقيادة غانتس بالنسبة لفلسطين
يقول رمزي بارود، وهو صحفي فلسطيني أمريكي، ومحرر سابق في موقع Middle East Eye البريطاني، إنه من المحتمل أن يكون رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، بيني غانتس، الذي دبَّر الحرب المدمِّرة في قطاع غزة المحاصر في عام 2014، مسؤولاً عن تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة. تباهى غانتس مؤخراً بتحويل «أجزاء من غزة إلى العصر الحجري».
هناك القليل من النقاش في إسرائيل، وبالتالي في وسائل الإعلام الغربية حول جرائم حرب غانتس العديدة أثناء حرب غزة. ينصب التركيز بشكل أساسي على حقيقة أنه على ما يبدو تمكن من إخراج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أخيراً من المنصب الذي شغله منذ ما يقرب من 13 عاماً، وهو سيناريو كان مستبعداً حتى وقت قريب.
كان زعيم تحالف «أزرق-الأبيض» قد خطط لإزاحة نتنياهو في يناير/كانون الثاني 2018، عندما شكَّل حزبه بعد عدة عمليات اندماج سياسية وأداء قوي في الانتخابات السابقة في أبريل/نيسان، ليتخطى أخيراً حزب الليكود اليميني لنتنياهو في الانتخابات الأخيرة.
مع 33 مقعداً في الكنيست الإسرائيلي، مقارنة بـ31 مقعداً لليكود، يحتاج غانتس الآن إلى ائتلاف واسع لحكم إسرائيل.
ماذا يعني تشكيل حكومة ائتلافية تضم الليكود بقيادة غانتس؟
أوضح السياسي المعادي للفلسطينيين بشدة أنه لن يدخل في تحالف مع «القائمة العربية المشتركة»، وهو التحالف الذي يتألف من العديد من الأحزاب السياسية العربية الفلسطينية، والذي تمكن من الوصول إلى 13 مقعداً، مما يجعله ثالث أكبر قوة سياسية في إسرائيل.
ولكن وفقاً لتصريحات غانتس السابقة، فإن إدراج الأحزاب العربية في الائتلاف غير وارد، على الرغم من أن أيمن عودة، زعيم القائمة المشتركة، قد أشار إلى استعداده للانضمام إلى حكومة بقيادة غانتس.
من المرجح الآن أن يسعى غانتس إلى حكومة ائتلافية تضم الليكود، إلى جانب إسرائيل بيتنا بقيادة أفيغدور ليبرمان. استعاد ليبرمان، وزير الدفاع السابق في البلاد، بثمانية مقاعد، وضعه السابق بوصفه «شخصاً ذا تأثير»، وهو مهتم أيضاً بهذا التحالف. يبدو غانتس مستعداً لقبول مثل هذا السيناريو بشرط واحد: يجب استبعاد نتنياهو.
بالرغم من التخلص أخيراً من نتنياهو، الذي يطلق عليه «ملك إسرائيل»، لا يجب أن يفرح الفلسطينيون كثيراً.
يجب ألا يفرح الفلسطينيون كثيراً بقدوم غانتس
يقول رمزي بارود: صحيح أن نتنياهو قد دمّر أي احتمال لسلام عادل في فلسطين من خلال زيادة الاحتلال العسكري غير القانوني والحصار اللاإنساني للضفة الغربية وغزة، غير أن الاحتمالات المستقبلية قاتمة بنفس القدر، إن لم يكن أكثر.
في الأيام الخوالي، كان النقاش المباشر حول ضم أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية المحتلة على هامش الخطاب السياسي لإسرائيل.
لم يعد الأمر كذلك؛ إذ أصبحت الدعوة إلى ضم كتل كبيرة من المستوطنات غير الشرعية، إلى جانب غور الأردن، مطلباً مشتركاً لجميع الأحزاب السياسية الرئيسية في إسرائيل، بما في ذلك حزب غانتس.
أوضح غانتس، رئيس الوزراء المحتمل لإسرائيل، مراراً وتكراراً، أنه سيقوِّي المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية بدلاً من هدمها، حتى إنه حاول الاستحواذ على وعد نتنياهو بضم غور الأردن.
الاستيلاء على الضفة وتوسيع المستوطنات
وقال غانتس، في بيان قبل وقت قصير من يوم الانتخابات: «يسعدنا أن رئيس الوزراء تبنى خطة الأزرق والأبيض للاعتراف بغور الأردن».
سيكون ضم هذه المناطق بمثابة الاستيلاء غير القانوني على أكثر من 60% من الضفة الغربية.
ونظراً لتطبيع إسرائيل لمفهوم الضم في خطابها السياسي، وأنها قد حصلت بالفعل على موافقة الولايات المتحدة على هذه المسألة، فإن اتخاذ تلك الخطوة ليس سوى مسألة وقت.
الاحتمال الذي سيحدث عاجلاً وليس آجلاً، بحسب الصحفي بارود، هو أن ائتلافاً واسعاً يتألف من يمين الوسط والقوميين المتطرفين سيكون بمثابة تأمين للقيادة الإسرائيلية، في حالة وجود عواقب سياسية أو أمنية بمجرد اتخاذ القرار وتنفيذه.
يعني هذا التأمين السياسي ببساطة أنه لن يكون هناك أي طرف أو مسؤول يتحمل اللوم أو العواقب إذا تمرد الفلسطينيون أو إذا رفض المجتمع الدولي الانتهاك الإسرائيلي الصارخ للقانون الدولي.
احتمالات الحرب على غزة أصبحت أعلى
ينطبق المنطق نفسه على حالة الحرب المستقبلية في غزة؛ إذ إن إسرائيل تتوق لشن حملة عسكرية كبيرة على غزة منذ الهجوم الأخير في عام 2014. ومنذ ذلك الحين، قُصفت غزة عدة مرات وفُقدت مئات الأرواح البريئة.
لكن نتنياهو حاول أن ينأى بنفسه عن حرب شاملة، خوفاً من فقدان عدد كبير من الجنود واللوم الذي يقع غالباً على مثل هذه المغامرات العسكرية.
مع حكومة مكونة من ائتلاف كبير، يجمع بين جنرالات الجيش الإسرائيلي والسياسيين اليمنيين والمنظّرين، سيشعر غانتس بمزيد من القدرة على الدخول في الحرب، خاصة أن القائد العسكري السابق قد اتهم نتنياهو كثيراً بأنه «ضعيف» فيما يتعلق بغزة، و «الإرهاب» والأسباب الأمنية.
إذا سارت حرب مستقبلية كما هو مخطط لها، سيكون غانتس سعيداً باستعادة أوسمة النصر، ومن المرجح أن تظل الأضرار السياسية ضئيلة بسبب مقاومة غزة الشديدة. فعندما يتعلق الأمر بالحرب، سيبدو غانتس مثل نتنياهو، ولكن مع تناول المنشطات.
الحرب دائماً هي الحل بالنسبة لغانتس
شارك غانتس في العديد من الحملات العسكرية أو نظَّمها أو وجّهها، بما في ذلك تلك التي كانت بهدف قمع أي مقاومة في غزة ولبنان وخلال الانتفاضات الشعبية السابقة.
وبالنسبة له، تعد الحرب هي الحل، كما يتجلّى في أحد شعارات حملته: «البقاء للأقوى».
ومن ثَم سوف تتمتع الحكومة التي يقودها غانتس بالشرعية السياسية والولاية الشعبية والأدوات الاستراتيجية الضرورية لتحقيق ما لم يستطع نتنياهو أن يفعله: حرب في غزة وضم الضفة الغربية.
عربي بوست