2024-11-25 03:53 م

عزل الأغوار عن الضفة الغربية.. السيادة والصراع القادمان من الشرق

2019-08-22
معاذ العامودي
مثّل إعلان رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتيه بشأن تقديم منحة للطلبة الخريجين الذين لديهم الاستعداد للسكن في مناطق وقرى الأغوار، والعمل مع أهلها على مشاريع إنتاجية في المنطقة تعزز الوجود الفلسطيني لمنع عزل الضفة من الناحية الشرقية عن بُعدها الإستراتيجي مع الأردن والعالم الخارجي، أهمية بالغة.
سياسة العزل التي يتبعها الاحتلال الإسرائيلي أو ما يمكن تسميته بإعادة هندسة الوجود الفلسطيني في أماكن الخارج، عالجنا جزء منه عبر "نون بوست" فيإعادة الوجود الفلسطيني في لبنان، أو في الداخل حين تم تحويل الإعمار المقاوم لعابر على المناطق الحدودية مع قطاع غزة ليسهل السيطرة عليها، هي جزء مما يحدث في إعادة هندسة الوجود الفلسطيني في منطقة الأغوار شرق الضفة الغربية، ما يعني تفريغ استحقاقات الوصول والسيادة عن السلطة الفلسطينية من ناحية، وعزلها عن محيطها الخارجي والضفة الغربية من ناحية أخرى.

يتقاطع هذا العزل مع الخطوات التي تقوم بها السلطة الفلسطينية من حملات مقاطعة البضائع الإسرائيلية، في خطتها القادمة التي تعتزم فيها التوجه نحوالأردن والعراق لتعزيز الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال الإسرائيلي، وتعزيز حركة الاستيراد والتصدير مع الدول العربية، كما أن السلطة أوقفت مؤخرًا "التحويلات الطبية" (تحويل المرضى الفلسطينيين إلى المستشفيات الإسرائيلية) وتستبدلها بالمستشفيات الأردنية.

ووفق ما قاله رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 2015 فإن "التحدي الأكبر لـ"إسرائيل" على الحدود الشرقية"، في إشارة لمنطقة الأغوار، أكثر المناطق انخفاضًا على كوكب الأرض والأكثر سخونة من الناحية السياسية والعسكرية في مناطق الضفة الغربية حاليًّا، ليس في محاولة سيطرة الاحتلال عليها بالكامل فحسب، بل في رغبته إقامة منطقة عازلة بين الضفة الغربية والأردن يسهل السيطرة عليها وعزل الفلسطينيين داخل كيبوتسات تمنع أي شكل للسيادة لهم، وتضمن عدم وجود أي تجمع فلسطيني على طول منطقة الأغوار.
عن الأغوار

تقع منطقة الأغوار في الجزء الشرقي من الضفة الغربية المحاذية للحدود الأردنية، وتمتد من محافظة أريحا في الجنوب إلى محافظة طوباس، ومن شواطئ البحر الميت في الشرق وحتى المنحدرات الغربية لمحافظتي طوباس وأريحا، وتحتل منطقة الأغوار نحو 720 ألف دونم، ما نسبته 28% من المساحة الكلية للضفة الغربية.

تكمن أهمية الأغوار بأنها منطقة طبيعية دافئة يمكن استغلالها للزراعة طوال العام وتتمتع بتربة خصبة، حيث تتربع على أهم حوض مائي في فلسطين، لذلك هي المورد الأساسي للمنتجات الزراعية للفلسطينيين في الضفة الغربية، بسبب غناها بالموارد المائية الجوفية والسطحية، كما أنها ثروة حيوانية تشكل مصدرًا أساسيًا لدخل معظم العائلات الفلسطينية في المنطقة.

ووفق إحصائية عام 2015 لمركز المعلومات الذي يتبع "وكالة وفا الرسمية" يوجد حول الأغوار وفيها 31 تجمعًا استيطانيًا غالبيتها زراعية، أقيمت على 12 ألف دونم ملحق بها 60 ألف دونم، بعدد مستوطنين يبلغ 8300، حيث يسيطر الاحتلال الإسرائيلي على 400 ألف دونم بذريعة المناطق العسكرية المغلقة، أي ما نسبته 55% من المساحة الكلية للأغوار، ويحظر على الفلسطينيين ممارسة أي نشاط زراعي أو عمراني أو أي نشاط آخر في تلك المناطق، في حين تسيطر السلطة الفلسطينية على85  كيلومترًا مربعًا ضمن مناطق A وفي مناطقB  تتقاسم السلطة مع الاحتلال الإسرائيلي 50 كيلومترًا مربعًا، في حين تخضع مناطق c المقدر مساحتها بـ1155 كيلومترًا لسيادة الاحتلال الإسرائيلي.

التهجير والهدم.. نحو الترحيل والإزاحة للداخل

استغل الاحتلال الإسرائيلي قوته في سرقة مياه وتربة البحر الميت وافتتح العديد من الشركات التي تبيع مستحضرات التجميل التي تعتمد على مياه البحر وتربته منها شركة "آهافا"، بل وزاد الأمر لتهجير آلاف الفلسطينيين من الأغوار، كما صعّد الاحتلال الإسرائيلي مؤخرًا من سياساته ضد فلسطينيي الأغوار التي شملت هدم المنشآت الزراعية الخاصة بالسكان الفلسطينيين وردم آبار المياه ومنع الرعي والزراعة، في حين يسمح للمستوطنين بالتمدد في الأراضي الزراعية وتوسيع الرعي والزراعة داخل المستوطنات وحفر الآبار الخاصة لهم.

وتضمنت سياسة الاحتلال الإسرائيلي تجاه الأغوار الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين واعتبارها أراضي مسجلة إسرائيليًا، وإعلانها مناطق عسكرية مغلقة أو "ممتلكات متروكة"، ولا يسمح للفلسطينيين العبور بسياراتهم إلا للمسجلين من سكان الأغوار، ومصادرة الأراضي تحت إطار "احتياجات جماهيرية" لبناء مؤسسات ومرافق خدماتية للمستوطنين، ومساعدة الإسرائيليين على شراء وتملك أراضي الفلسطينيين بعد الاستيلاء عليها، وتدمير مضخات المياه للفلسطينيين ومصادرتها، حيث صادر الاحتلال الإسرائيلي حتى عام 2012 وفق مركز مدارات ما يقارب 140 مضخة مياه تعمل في الأغوار يملكها فلسطينيون، تسحب المياه من نهر الأردن لري المزروعات في الأغوار الغربية، ومنع التطور والبناء في الأغوار بحجة تصنيفها مناطق "ج"، حيث يسيطر الاحتلال الإسرائيلي حاليًّا على ما نسبته 88.3% من الأغوار الفلسطينية.

وينتهي الاحتلال الإسرائيلي قريبًا من الجدار الرابع الذي أنشأه على الحدود الأردنية مع فلسطين المحتلة، بعد الجدار مع الحدود المصرية والجدار في الجولان والجدار العازل في الضفة الغربية، إضافة للجدار الخامس الذي يعمل عليه حاليًّا على حدود غزة، كلها تسعى لعزل الفلسطينيين عن أنفسهم ومحيطهم وإنشاء مناطق معزولة السلاح أو مسيطر عليها من الجو، ويمتد جدار الأغوار من منطقة إيلات الجنوبية حتى الجولان شمالاً، مع مصادرة أراضٍ جديدة للفلسطينيين خارج منطقة الجدار التقليدية مع الأردن، ليصبح الفلسطينيون المقيمون في تلك المنطقة يفتقرون لأدنى مقومات الحياة، حيث أطلقت شبكة من المجموعات الفلسطينية الشعبية من جميع أنحاء غور الأردن بالإضافة إلى نشطاء دوليين حملة "أنقذوا الأغوار".

وبحسب ما نشره مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان "بيتسيلم" في تقارير مختلفة فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي صعدت وتيرة التدريبات العسكرية في مناطق متاخمة لـ11 تجمعًا سكانيًا وثلاث قرى فلسطينية في الأغوار الشمالية حيث يسكن نحو 7500 فلسطيني، وشملت التدريبات استخدام النيران الحية في أراضٍ زراعية تمت فلاحتها وفي المراعي وقرب المنازل الفلسطينية، بعد إغلاق الطرق التي يستخدمها الفلسطينيون بمكعبات إسمنتية، ووفق "بتسيلم" فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي يشرع في إخلاء وهدم البيوت الفلسطينية في منطقة خربة الرأس الأحمر والبرج وخربة المالح وخربة عين الميتة في الأغوار الشمالية.
ماذا تمثل الأغوار للاحتلال الإسرائيلي؟

ظلت منطقة الأغوار العنصر الأكثر أهمية في الفكر الإسرائيلي بخصوص الحدود الأمنية نتيجة ميزاتها الطبوغرافية الفريدة، لذلك يعتبرها الاحتلال الخط الأمامي للدفاع عن وجوده في منطقة الشرق الأوسط، لذا يسعى لتعزيز وجوده بها من خلال الوجود العسكري وعمليات الهدم المتعمدة وتهجير الفلسطينيين، ويسعى أيضًا لمنع تهريب الأسلحة بما يضمن بقاء الضفة هادئة، وعزل منطقة الصراع عن أي تعزيزات شرقية، يقصد هنا أن الهدف الإسرائيلي مما يحصل في الأغوار عزل الضفة الغربية من الشرق.

لذا تعتبر خطوة تعزيز الوجود الفلسطيني في منطقة الأغوار من الحكومة الفلسطينية الحاليّة بمثابة متراس جديد للوجود الفلسطيني هناك يجب أن تتبعها خطوات إضافية تشمل مشاريع تنموية تمنع الفلسطينيين من الرحيل.