اسلام اباد
لم تكد موجة التصعيد الأخيرة بين الهند وباكستان تهدأ، بسبب إقليم "جامو وكشمير" المتنازع عليه، حتى عادت التهديدات بإشعال الحرب بين البلدين النوويين من جديد، بعد خطوة نيودلهي، في 5 أغسطس الجاري، التي ألغت بموجبها الحكم الذاتي للإقليم.
ويمنح الدستور الهندي إقليم "جامو وكشمير" وضعاً خاصاً في المادة 370 يتمتع فيه باستقلالية في الشؤون الإدارية عدا تلك المتعلقة بالخارجية والدفاع والاتصالات.
وتريد الهند من وراء خطوتها حماية الشخصية الديموغرافية للإقليم، وعدم السماح بالهجرة إليه من المناطق الأخرى من الهند، وهو ما يثير غضب القوميين الهندوس المتطرفين، الذين يمثلهم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
ويسعى مودي إلى تشجيع الهندوس على الهجرة إلى كشمير بهدف تغيير الهوية الديموغرافية للإقليم الوحيد ذي الغالبية المسلمة في الهند.
ومنذ اعتماد دستور "جامو وكشمير" عام 1956، أقر قانون الإقامة الدائمة، الذي يسمح فيه للسلطة التشريعية بتحديد المقيمين الدائمين وما الذي يميزهم.
وبناء على ذلك أصدرت لكل السكان المعروفين في المنطقة شهادة إقامة دائمة، تعطيهم بعض الامتيازات في الوظائف والتعليم وحق التملك وشراء العقارات في الولاية.
وحددت السلطة التشريعية في كشمير المشمولين بالإقامة الدائمة بضابط ينص على أنهم "كل من كان يعيش في الولاية في 14 مايو 1954 لحظة تطبيق التشريع، ويعد كل من عاش في الولاية عشرة أعوام منذ ذلك التاريخ من السكان الدائمين".
ويمكن للهيئة التشريعية في الولاية أن تغير تعريف المقيم الدائم أو أي جوانب أخرى تتعلق بذلك، بإصدار تشريع، بشرط حصوله على موافقة غالبية ثلثي الهيئة.
تغيير ديموغرافي
محمد فيصل، الكاتب والصحفي الباكستاني، أعرب عن اعتقاده أن السبب الحقيقي لتغيير الوضع الدستوري لكشمير في الدستور الهندي، هو سعي القوميين الهندوس لإحداث تغيير ديموغرافي في المنطقة.
وقال فيصل، في حديثه لـ "الخليج أونلاين": إن "فتح الباب أمام تملك غير المقيمين الدائمين للأراضي، والذي تقيده الفقرة 35 من المادة الدستورية الملغاة، يفتح الباب أمام حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي الذي يتزعمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي، لتشجيع الهندوس على الشراء والتملك والإقامة في الإقليم، ما يعني تغييراً ديموغرافياً على المديين المتوسط والطويل".
وأضاف فيصل: "الخطوة الأخطر في طريق تغيير التركيبة السكانية هي عمليات التطهير العرقي التي قد تحدث، على غرار ما حصل في ميانمار، وهذا ما يخشاه السكان بعد أن حشدت الحكومة الهندية قوات كبيرة في الإقليم، بدعوى مواجهة الاحتجاجات".
وكانت الحكومة الهندية حشدت نحو 10 آلاف جندي في كشمير بعد إعلان إلغاء الوضع الخاص للإقليم، وأفادت تقارير إعلامية أن السلطات أمرت 25 ألف جندي آخرين بالتوجه إلى الإقليم الذي ينتشر فيه 500 ألف من قوات الأمن الهندية.
كما أعلنت تدابير أمنية أخرى، بينها الدعوة إلى تخزين أغذية ووقود، وفرضت حظراً على التجمعات العامة، وأغلقت المدارس والجامعات في كبرى مدن الإقليم والمناطق المحيطة بها.
دعم "إسرائيلي"
الكاتب والصحفي الباكستاني أشار في حديثه إلى العامل الدولي الذي يدخل على خط تأجيج الصراع.
وأردف بالقول: "دولة الاحتلال الإسرائيلي تنظر إلى باكستان باعتبارها دولة سنية تملك قنبلةً نووية، دأب الإعلام العبري على تسميتها بالقنبلة النووية الإسلامية".
وتابع: "لدى المخابرات الباكستانية معلومات مؤكدة أن إسرائيل تقدم معلومات استخبارية عن المواقع الباكستانية، وعن الحركات التحررية الكشميرية، إلى جانب حضور مخابراتي إسرائيلي في الأراضي الهندية".
وأشار فيصل إلى أن موقف باكستان الداعم للقضية الفلسطينية سبب آخر يدفع "تل أبيب" لدعم نيودلهي، على الرغم من هرولة الصف العربي للتطبيع مع "إسرائيل".
وأوضح أن وزير خارجية باكستان شاه محمود قريشي قال، في فبراير الماضي، إن التطبيع مع إسرائيل مرهون بتقديم حل للقضية الفلسطينية.
وكانت الباحثة الإسرائيلية المتخصصة في الشؤون الهندية في جامعة بارإيلان، نوهت بيرودكي، قالت في تحليل نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم"، في 23 يونيو 2019، إن حاجة الهند إلى تحسين قدرتها على مواجهة التنظيمات المتشددة دفعها إلى تعزيز أنماط تعاونها مع كل من "إسرائيل" والسعودية والولايات المتحدة.
وأشارت بيرودكير إلى تشكل محور (هندي - إسرائيلي - سعودي - أمريكي) في مواجهة التشكيلات الإسلامية التي وصفتها بـ"المتشددة"، التي تقول نيودلهي إنها مسؤولة عن تنفيذ عمليات "إرهابية" ضدها.
ولفتت الباحثة إلى أن حرص الهند على عدم التفريط في العلاقة بـ"إسرائيل" وبعض الدول العربية والإسلامية التي تشاركها الحرب على التنظيمات "المتشددة"، دفع نيودلهي إلى المشاركة، وفي خطوة غير مسبوقة، في مؤتمر دول التعاون الإسلامي الذي نظم في أبوظبي في مارس 2019.
يشار إلى أن الموقف الهندي كان يميل في السابق إلى دعم القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، خلال الحكومات التي كان يشكلها حزب "المؤتمر الوطني"، إلا أن تحولاً طرأ منذ وصول حزب "بهاراتيا جاناتا" بقيادي مودي إلى الحكم.
ودعمت الهند دولة الاحتلال للمرة الأولى في المحافل الدولية عام 2015، عندما تحفظت على مشروع قرار في الأمم المتحدة يدعو إلى التنديد بالعمليات العسكرية التي تنفذها "إسرائيل" في قطاع غزة.
مخاوف الحرب النووية
نشوب حرب رابعة بين باكستان والهند بات أمراً متوقعاً، وهو سيناريو تسعى الدول الكبرى إلى عدم حدوثه، لأن الحرب الجديدة لن تكون كسابقاتها، ذلك أن البلدين يملكان اليوم أسلحةً نووية، وهو ما لم يكن متوفراً في الحروب الثلاث السابقة، بحسب وليد شفيق، الباحث في مجال العلوم السياسية في جامعة "هلسنكي" الفلندية.
شفيق قال لـ"الخليج أونلاين": إن "الخطوة الهندية سترفع من مستوى الغضب في كشمير، وهو ما يعني احتمال تأجيج المقاومة الشعبية على اعتبار الهند أصبحت رسمياً قوة احتلال".
وأضاف شفيق: "قد تخرج الأمور عن سيطرة إسلام أباد، التي تحرص على ضبط إيقاعها، فالمقاومة ستضرب بعنف دون اكتراث بالمعادلات الدولية التي حافظت على حالة اللاحرب واللاسلم على الحدود".
واستدرك شفيق بالقول: إن "حزب بهاراتيا جناتيا الهندوسي المتطرف يحمل باكستان مسؤولية أي عمل يجري في كشمير، وشهدنا، في فبراير الماضي، كيف قصفت نيودلهي مواقع داخل باكستان بسبب هجوم في كشمير".
وأسفر ذلك القصف عن مقتل 40 جندياً باكستانياً، وهو ما أوصل الأمور إلى حافة الحرب لولا التدخل الدولي الذي أسهم في حلحلة الأزمة، والحديث لشفيق.
وتوقع الباحث في الشؤون السياسية أن الفارق الكبير في موازين القوة العسكرية والاقتصادية الذي يميل لصالح الهند، قد يدفع باكستان لاستخدام السلاح النووي في حال اندلاع الحرب على الحدود الكشميرية.
ورأى أنه في حال اندلعت المعركة فلن تتوقف، بل ستمتد على طول الحدود البرية الطويلة التي يشترك فيها البلدان، و"لا أحد يعرف من سيتمكن من الضربة الأولى، ولا إلى أين ستمتد آثار القنابل النووية".
يشار إلى أن كشمير تحتل موقعاً جغرافياً استراتيجياً بين وسط وجنوب آسيا، حيث تشترك في الحدود مع أربع دول هي؛ الهند وباكستان وأفغانستان والصين.
وتبلغ مساحتها الكلية 86023 ميلاً مربعاً، يقسمها خط وقف إطلاق النار منذ عام 1949، ويعرف منذ اتفاقية "شملا" عام 1972 بخط الهدنة.
كما تصل مساحة الجزء الهندي إلى 53665 ميلاً مربعاً، ويسمى "جامو وكشمير"، في حين تسيطر باكستان على 32358 ميلاً مربعاً يعرف باسم "ولاية كشمير الحرة"، وهناك مساحة صغيرة خاضعة للصين منذ عام 1962 تسمى "أكساي تشين".