سامي خليفة
يبدو أن فكرة الحرب على عدة جبهات، التي أشبعها المحللون العسكريون الإسرائيليون كتابةً، لم تعد بالنسبة لتل أبيب مجرد سيناريو افتراضي يتطلب الاستعداد والمحاكاة، وينتج عن حسابات خاطئة وما ترتبه وقائع المعارك، بل واقعاً يفترض وضع الخطط والتنبه. إذ تشير معطيات القيادة الإسرائيلية إلى أن جهود إيران الحثيثة، أثمرت في الفترة الأخيرة عن اتفاق يفرض التلازم بين الحلفاء لتوحيد الجبهات بين حماس وحزب الله عند إطلاق الشرارة الأولى للمعركة.
توحيد الجبهات
أفادت مواقع عبرية هذا الأسبوع، أن إيران وحماس توصلتا لاتفاق على فتح جبهة جنوبية مع إسرائيل في حال اندلاع حرب في الشمال. لكن هذه المعلومات ليست مجرد تحليلات عادية، فهي ترافقت مع تحذير المسؤولين الإسرائيليين من أن أي حرب شمالية لن تقتصر على حدود واحدة، بل على الحدود اللبنانية والسورية أيضاً.
يشعر الجيش الإسرائيلي، الذي يضع راهناً غزة كأولوية قصوى، بالقلق من أنه في حال نشوب حرب في الشمال والجنوب، فإن الدفاع الجوي العسكري قد لا يكون قادراً على مواجهة الكابوس، ما سيترك مجتمعات ومدناً بأكملها عرضة لنيران الصواريخ. وقد سارعت الصحافة الإسرائيلية بعد الحديث عن توحيد الجبهات، بالطلب من رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، توفير الجهوزية اللازمة، خوفاً من حرب قد تشمل أربع جبهات، مع الحديث عن نقل إيران صواريخ باليستية للعراق.
مؤشرات الترابط
شهد فجر يوم الخميس الماضي، وبعد ساعاتٍ من إكمال الجيش الإسرائيلي لأكبر مناورة منذ عملية الحافة الواقية قبل خمس سنوات، حدثاً قد يراه البعض صغيراً أو هامشياً، إلا أنه أقلق، حسب صحيفة "جيروزاليم بوست"، القيادة في تل أبيب، التي رأت فيه مؤشراً على جهود إيران في الربط بين الجبهات. وما حدث كان تسلل عنصر من حماس، مسلح بقنابل وبندقية "كلاشنيكوف" إلى جنوب إسرائيل بالقرب من مستوطنة كيسوفيم ليطلق النار ويصيب ضابطاً وجنديين. وبعد عدة ساعات، اتُهمت إسرائيل بضرب موقع للحزب غرب مدينة القنيطرة على مرتفعات الجولان. ليذهب التفسير الأمني الإسرائيلي بعدها لاعتبار عملية كيسوفيم كرد فعل ورسالة مبطنة على الغارات المتتالية التي استهدفت مواقع الحزب في سوريا.
أما العامل الأهم الذي يقف خلف الاستنتاجات الإسرائيلية، فيكمن في زيارات وفود حماس خلال الأشهر الأخيرة إلى طهران، واجتماعها مع قائد فيلق القدس قاسم سليماني، ومسؤولين إيرانيين كبار آخرين. فعلى الرغم من مواجهة أزماتها الاقتصادية الخاصة، زادت إيران من تمويلها لحماس وحركة الجهاد الإسلامي بما يصل إلى 100 مليون دولار، للحصول على مزيد من النفوذ في غزة والضفة الغربية. حتى أن صحيفة "هآرتس" نقلت عن مسؤول عسكري كبير، قوله إن حماس والجهاد الإسلامي سيحاولان إجبار إسرائيل على تحويل قواتها وأنظمة الدفاع الجوي إلى الجنوب فور اشتعال الجبهة الشمالية. مضيفاً أن إيران تقربت من حماس مؤخراً في ظل هذه الخطة، وأن حماس كانت على اتصال بالحرس الثوري الإيراني بشأن هذه القضية.
مرفأ بيروت تحت المجهر الإسرائيلي
تقدر إسرائيل أن إيران بدأت العمل على نقل الأسلحة إلى حزب الله في لبنان عن طريق البحر رداً على الهجمات على شحنات الأسلحة عبر سوريا. سيرتب هذا الأمر بالضرورة، كما ترى صحيفة "جيروزاليم بوست"، على المخابرات الإسرائيلية تكثيف جهودها للحصول على معلومات محددة وتبليغ الدولة التي سُجلت فيها السفينة، والبلدان التي من المقرر أن ترسو فيها، عن معدات عسكرية متجهة إلى الحزب سيستلمها في مرفأ بيروت. وإذا تم تأكيد الشكوك، عن نقل هذه المواد إلى لبنان والحزب، سيكون هذا الأمر مخالفاً لقرار مجلس الأمن الدولي ويعرض لبنان للمساءلة.
في حين أن المشاعر العامة في إسرائيل تجاه القانون الدولي سلبية في معظمها وتتسم بشكٍ كبير، فإن هذه القضية توضح أن القانون الدولي يعمل في بعض الأحيان لصالحها. إذ تشير الصحيفة، إلى أن استخدام إيران للسفن التي ترفع علمها والإبحار في البحار المفتوحة مباشرةً من إيران إلى مرفأ بيروت سيجعل من السهل تتبع وكشف الإجراءات الإيرانية التي تنتهك قرار الأمم المتحدة، كما أن الالتفاف على الحظر المفروض بموجب القرار 1701، عبر تلقي الجيش اللبناني الشحنات العسكرية ومن ثم نقلها إلى الحزب، سيكشف عن دليل على وجود تعاون عسكري بين الحكومة اللبنانية والحزب، وسيعطي مصداقية للمزاعم الإسرائيلية في أي نزاع مستقبلي أن الدولة اللبنانية يجب أن تتحمل مسؤولية تصرفات حزب الله.
معبر البوكمال
وربطاً بعمليات تهريب الأسلحة، بدأ الحديث عن قضية جديدة لتهريب الأسلحة من طهران إلى بيروت، أواخر الشهر الماضي، قد تدفع إلى مزيد من التصعيد. فوفقاً لتقرير صادر عن مركز "مير أميت للمعلومات الاستخبارية عن الإرهاب"، الاستعدادات جارية لفتح معبر البوكمال الحدودي في الشهرين المقبلين. وهو تطور يُعتبر حاسماً بالنسبة لطموحات إيران، لأنه حيوي بالنسبة للجسر البري الذي تسعى إلى بنائه بين أراضيها والبحر الأبيض المتوسط. وسيسمح لها بإرسال قوات وإمدادات وأسلحة عبر العراق إلى سوريا ومن هناك إلى لبنان، ما يعني أنه سيمكنها من تقليل اعتمادها على الطرق الجوية والبحرية المحفوفة بالمخاطر.
استولى حزب الله والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران على البوكمال في تشرين الثاني 2018، وهم يعملون على جانبي الحدود السورية- العراقية. ومن غير المرجح، كما توحي الأجواء الإسرائيلية، أن توافق الدولة العبرية، بعد أن نجحت خطة إيران لإغراق سوريا ولبنان بالأسلحة عبر الطائرات، على دخول الأسلحة نفسها إلى المنطقة براً. عملاً على قاعدة فرض خطوط حمراء لحماية مصالحها الأمنية الحيوية.