2024-11-23 04:00 م

السينما الفلسطينية وحكاية المهمشين الغائبة

2019-07-28
جمانة غانم
تعد السينما الفلسطينية في حقل دراسات السينما معلمًا بارزًا ومثار اهتمام، ويتفاخر البعض بكونهم متابعين جادين لأحدث إنتاجاتها، قاصدين بذلك الإشارة إلى "عمق" تجربتهم السينمائية، وبُعدها عن السطحية والتنميط أو الاهتمام بالنماذج الرائجة فقط، ولهذا التوجه ما يبرره، فعدا عن كون السينما في فلسطين بدأت باكرًا جدًا، نظرًا لأهمية فلسطين الدينية والجغرافية، بالتالي أهميتها الثقافية والسياسية، (الباحثة السينمائية والمخرجة المصرية فيولا شفيق، وثقت زيارة الأخوين لوميير لفلسطين مطلع القرن الواحد والعشرين، تلاهما توماس أديسون، بهدف تصوير "المشرق"، في رحلة شملت مصر والجزائر والأرض المقدسة: أي فلسطين)، ففلسطين تغلي منذ مطلع القرن العشرين على وقع صراع سياسي مرير، فقد بقيت على أراضيها حتى اليوم أحدث وآخر النماذج الاستعمارية التقليدية. 

وكونها منطقة تغلي بالأحداث والمستجدات وتواصل احتلال العناوين الأبرز في شاشات الأخبار، فإن ذلك سيفضي بالطبع إلى أن تتحول فلسطين وأهلها والصراع فيها إلى ثيمة سينمائية يرغب المؤيدون لفلسطين والمؤيدون لـ"إسرائيل" على حد سواء بمتابعتها عن كثب والاطلاع عليها.

مدخل للسياسة في السينما الفلسطينية

وما دام اسمها مرتبطًا بفلسطين، فإن هذه السينما لا شك ستكون محملة بمعانٍ سياسية، مهما حاول مخرجوها تجنب ذلك، وإذا تتبعنا أثر السياسة في السينما الفلسطينية، يتبين لنا كيف أن السنوات التي تلت النكبة مباشرة، كانت أكثر السنوات التي حملت فيها الأفلام معانٍ سياسية وصلت درجة البروباغاندا والتجييش المباشر، خاصة سينما مرحلة بيروت (1960 - 1982)، التي كانت تنضوي في حينها تحت إطار ما يعرف في أدبيات السينما بـ"السينما الثالثة" أو "سينما العالم الثالث".

وفي بلد تسبب الاستعمار وتبعاته من هجرة وشتات وسنوات طويلة من القتال والحرب بكل هذا الاختلاف السياسي الذي يصل حد العداء والتخوين، عدا عن الانقسام الجغرافي الواضح في السلطة والأيديولوجيا، فإن السياسة لغم خطير قابل للانفجار في وجه كل من يحاول مقاربته، خاصة ثقافيًا، وهذا مأزق من أبرز المآزق التي تواجهها الأفلام السياسية، ومنها بالطبع السينما الفلسطينية.

لكن لم تكن السينما في فلسطين لتتمكن من التنصل من الدخول في هذا المأزق، وعوضًا عن محاولة تجنب البُعد السياسي في الفيلم الفلسطيني، وهو شيء مستحيل في الواقع، يحتاج المخرجون الفلسطينيون للتفكير بالطريقة التي يمكنهم فيها استغلال هذه السينما، بكل ما فيها من أبعاد سياسية واقتصادية وسوسيولوجية وفكرية وجمالية في إنتاج محتوى ناظم للكل الفلسطيني، يجمع ولا يشتت، يقوّي ولا يضعف، وهذا ممكن، فالبشر لديهم قدرة على التأثر بالسينما أكثر، حينما يرون على الشاشة قصصهم وحكاياهم وسردًا سينمائيًا يشبههم.

السينما الفلسطينية ومشكلة النظريات

كتبت العديد من المقالات والأبحاث عن السينما الفلسطينية، لكن المشكلة في كثير من هذه الكتابات، أن النقاد لم يقدموا فيها دراسة كافية وحقيقية للمسألة الفلسطينية، بل أدار كثير منهم ظهرهم لهذه المسألة، واستبعدوها عن حقل دراساتهم، معتبرين أن الاستعمار الإسرائيلي هناك ليس استعمارًا، فالوضع المعقد لفلسطين، وكونها مقسمة جغرافيًا إلى أكثر من بقعة، يعاني جزء منها استعمارًا متواصلًا يشبه تمامًا نموذج الاستعمار الأوروبي في إفريقيا، ويعاني جزء آخر احتلالًا عسكريًا وحواجز واستيطان، ويعاني جزء ثالث من غياب الوجود الفعلي العسكري الإسرائيلي على الأرض لكن حضوره في الحصار والسياسات الاقتصادية، ما أدى بدوره لاختلاف الواقع المعاش للفلسطينيين، بين مُستعمرين ومُحتلين ومحاصرين ولاجئين ونازحين ومعتقلين ومشتتين في المهجر، أدى لاستحالة الاستناد إلى نظرية ثابتة صماء، فقد يصلح تطبيق هذه النظرية على جزء من الشعب لكن لن تنطبق على البقية.

السينما الفلسطينية وحكاية المهمشين الغائبة