2024-11-25 06:53 م

الإنجيليون ومخاطرة إشعال النار في الشرق الأوسط

2019-07-14
جوناثان كوك
ولّد وصول الواعظ التلفزيوني النيجيري الأكثر شعبية في أفريقيا، تي بي جوشوا، مؤخرًا لمخاطبة الآلاف من الحجاج الأجانب في الناصرة، مزيجا من مشاعر الرعب والغضب في المدينة التي قضى فيها المسيح طفولته. وقد أبدت الحركات السياسية في المدينة معارضتها على نطاق واسع، إلى جانب الجماعات المحلية وزعماء الكنيسة، الذين دعوا إلى مقاطعة التجمعين الذين يُنظمّهما المبشر. وانضم إلى هؤلاء مجلس المفتين، الذي وصف ما حدث بأنه “خط أحمر للإيمان بالقيم الدينية”.

عُقدت تجمعات جوشوا، التي شملت عمليات علنية لطرد الأرواح الشريرة، في مدرج في الهواء الطلق على تلة تطل على الناصرة، الذي شُيّد بالأساس من أجل الجماهير الباباوية، علما وأن هذا الموقع استخدمه البابا بندكت في سنة 2009. وقد أثار القس النيجيري، الذي يحظى بمتابعة الملايين في جميع أنحاء العالم ويصف نفسه بالنبي، العداء المحلي لا بسبب بُعد رؤيته للمسيحية عن العقائد التقليدية لكنائس الشرق الأوسط فقط، بل لأنه يمثل أيضا توجها للمسيحيين الأجانب، مدفوعا بقراءات مروعة للكتاب المقدس، الذين يتدخلون تدخلا أكثر وضوحا في “إسرائيل” والأراضي الفلسطينية المحتلة، وبطرق تساعد مباشرة سياسات حكومة اليمين المتطرفة الإسرائيلية.

دفعة للسياحة لا غنى عنها

تضم الناصرة أكبر المجتمعات الفلسطينية في “إسرائيل” التي نجت من النكبة، أو الكارثة، التي حصلت في سنة 1948 والتي أجبرت معظم السكان الأصليين على الخروج من الجزء الأكبر من وطنهم الذي استُبدل بدولة يهودية. وفي الوقت الراهن، يعد واحد من كل خمسة مواطنين إسرائيليين، فلسطينيا. وتشمل المدينة وضواحيها المباشرة أكبر تجمع للمسيحيين الفلسطينيين في المنطقة، لكنها عانت لمدة طويلة من عداء المسؤولين الإسرائيليين الذين قطعوا عنها الموارد لمنعها من أن تصبح عاصمة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية للأقلية الفلسطينية.

تشير الأرقام الحديثة إلى أن السياحة الإنجيلية إلى “إسرائيل” شهدت ارتفاعا مستمرا، حيث أن واحدا من بين كل سبعة زوار أجانب تقريبا هو من الإنجيليين

في الواقع، لا تضم المدينة أية أراض تقريبا للنمو، أو مناطق صناعية لتوسيع قاعدة مداخيلها، في الوقت الذي قيدت فيه “إسرائيل” بشدة قدرتها على تطوير صناعة سياحية حقيقية. ويمر معظم الحجاج عبر الناصرة لوقت قصير من أجل زيارة بازيليكا البشارة، التي تمثل الموقع الذي قيل إن جبريل أخبر فيه مريم بحملها بالمسيح. وقد انتهز المسؤولون في بلدية الناصرة فرصة استغلال الدعاية والدخل الذي ترتب عن زيارة جوشوا.

يتمثل أمل البلدية على المدى الطويل في أن هذه الزيارة ستكون دفعة هائلة لاقتصاد المدينة، في حال نجحت المدينة في جذب حتى نسبة صغيرة من أكثر من 60 مليون من المسيحيين الإنجيليين في الولايات المتحدة وملايين آخرين في أفريقيا وأوروبا. وتشير الأرقام الحديثة إلى أن السياحة الإنجيلية إلى “إسرائيل” شهدت ارتفاعا مستمرا، حيث أن واحدا من بين كل سبعة زوار أجانب تقريبا هو من الإنجيليين.

اللعب بالنار

في المقابل، ومثلما تشير إلى ذلك تداعيات زيارة جوشوا، قد تكون الناصرة بصدد اللعب بالنار عبر تشجيع هذه الفئات من الحجاج للاهتمام أكثر بالمنطقة. ويدرك معظم المسيحيين المحليين أن محاضرات جوشوا ليست موجهة لهم، بل من المحتمل أنها تلحق بهم الضرر. وقد اختار القس النيجيري الناصرة لممارسة تبشيره، لكنه واجه معارضة صاخبة من أولئك الذين يعتقدون أنه يستغل المدينة كخلفية لمهمته الأكبر التي تبدو غير عابئة بمحنة الفلسطينيين، سواء أولئك الذين يعيشون داخل “إسرائيل” في مناطق مثل الناصرة، أو الذين يعيشون تحت الاحتلال.

أثناء زيارته لـ “إسرائيل”، تمتع جوشوا بلقاء شخصيات حكومية بارزة على غرار ياريف ليفين، الحليف المقرب من نتنياهو، الذي كان مسؤولا عن حقيبتين يعتبرهما المجتمع الإنجيلي ذات أهمية بالغة وهما السياحة واستيعاب مهاجرين يهود جدد .

أشارت الفصائل السياسية في الناصرة إلى “علاقات جوشوا بدوائر اليمين المتطرف والمستوطنين في “إسرائيل” “. كما قيل إنه عقد اجتماعات حول عمليات الافتتاح في وادي الأردن، الموقع الذي يُعرف بأنه شهد تعميد المسيح، والذي يعد أيضا العمود الفقري الزراعي في الضفة الغربية. في الأثناء، تواجه المنطقة استهداف حكومة اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو من أجل التوسع الاستيطاني وعمليات ضمّ محتمل، وبالتالي، وأد الجهود الرامية لإقامة دولة فلسطينية.

إطلالة على أرمجدون

أثناء زيارته لـ “إسرائيل”، تمتع جوشوا بلقاء شخصيات حكومية بارزة على غرار ياريف ليفين، الحليف المقرب من نتنياهو، الذي كان مسؤولا عن حقيبتين يعتبرهما المجتمع الإنجيلي ذات أهمية بالغة وهما السياحة واستيعاب مهاجرين يهود جدد من الولايات المتحدة وأوروبا في “إسرائيل”. ويعتقد الكثيرون من أعضاء المجتمع الإنجيلي، بما في ذلك جوشوا، أنه من واجبهم تشجيع اليهود على الانتقال من أوطانهم إلى أرض الميعاد من أجل تقديم موعد نهاية الزمان التي يُفترض أن الكتاب المقدس قد تنبأ بها.

تتمثل السعادة الغامرة في عودة المسيح لبناء مملكته على الأرض وسيجد المسيحيون الصالحون مكانهم بجانبه، وأي شخص آخر، بما في ذلك اليهود غير التائبين، فسيكون من المقدر لهم أن يحترقوا في نيران الجحيم الأبدية. والجدير بالذكر أن الجرف الذي يطل على سهل زرعين حيث تجمهر جوشوا ومريدوه يقدم إطلالة على تل مجدو، وهو الاسم الحديث لموقع أرمجيدون الإنجيلي، حيث يعتقد الكثير من الإنجيليين أن نهاية العالم ستحدث قريبا.    

التعجيل بالقدوم الثاني

لا يعد هؤلاء المسيحيين مجرد مراقبين لخطة مقدسة آخذة بالتكشف، بل هم مشاركون نشطون يحاولون تقديم موعد نهاية الزمان. وفي الواقع، لا يمكن فهم الصدمات المرتبطة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث مرت عقود من سفك الدماء والاستعمار العنيف وترحيل الفلسطينيين، فهمًا منفصلًا عن تدخل القادة الغرب المسيحيين في الشرق الأوسط على امتداد القرن الماضي. وبطرق عدة، قام هؤلاء بتصميم “إسرائيل” التي نعرفها اليوم.

في السياق ذاته، كان تشارلز تاز راسل، القس الأمريكي من ولاية بنسيلفانيا، قد سافر إلى العالم انطلاقا من سبعينيات القرن التاسع عشر حيث حثّ اليهود على تأسيس وطن قومي لأنفسهم فيما كانت تُعرف آنذاك بفلسطين

في الحقيقة، لم يكن الصهاينة الأوائل يهودا بل مسيحيين. وقد ظهرت في أوائل القرن التاسع عشر حركة صهيونية مسيحية قوية، عُرفت آنذاك باسم “الإعادية”، التي سبقت نظيرتها اليهودية وأثرت عليها بشدة. وتشير قراءة أعضاء هذه الحركة الخاصة للكتاب المقدس إلى اعتقادهم بأن القدوم الثاني للمسيح يمكن تسريعه إذا عاد شعب الله المختار، اليهود، إلى أرض الميعاد بعد ألفي سنة من نفيهم المفترض.

في السياق ذاته، كان تشارلز تاز راسل، القس الأمريكي من ولاية بنسيلفانيا، قد سافر إلى العالم انطلاقا من سبعينيات القرن التاسع عشر حيث حثّ اليهود على تأسيس وطن قومي لأنفسهم فيما كانت تُعرف آنذاك بفلسطين، حتى أنه وضع خطة حول الطريقة التي يمكن بها إنشاء دولة يهودية هناك. وقد بذل القس جهوده قبل ما يقرب من 20 سنة من نشر الصحافي اليهودي، تيودور هرتزل، كتابه الشهير حول الدولة اليهودية. ولم يهتم هرتزل العلماني بمكان إقامة هكذا دولة يهودية، لكن أتباعه اللاحقين، الذين أدركوا جيدا مكانة المسيحية الصهيونية في العواصم الغربية، صبوا اهتمامهم على فلسطين، أرض الميعاد في الإنجيل، على أمل كسب حلفاء أقوياء في أوروبا والولايات المتحدة.

حشد الدموع لأتباع هرتزل

كان دعم الإمبراطورية البريطانية يحظى بقيمة خاصة. وفي سنة 1840، نشر اللورد شافتسبري، الذي كانت تربطه علاقة مصاهرة باللورد بالمرستون الذي سيشغل منصب رئيس الوزراء لاحقا، إعلانا في صحيفة لندن تايمز يحث فيه على عودة اليهود إلى فلسطين. ومثلت الصهيونية المسيحية عاملا مهما في التأثير على الحكومة البريطانية في سنة 1917 لإصدار إعلان بلفور، الذي كان سندا إذنيا فعليا من بريطانيا وأصبح مخططا لإقامة دولة يهودية على أنقاض وطن السكان الأصليين.

قبل قرن من الزمان، كان الصهاينة اليهود يتجهون إلى مركز القوة الإمبراطوري في بريطانيا كي ترعاهم، أما اليوم، فباتت الولايات المتحدة راعيهم الرئيسي

من جهته، أشار المؤرخ الإسرائيلي، توم سيغف، متحدثا عن كتابة الإعلان، أن “من وقف وراءه كانوا مسيحيين وصهاينة، وفي كثير من الحالات، معادين للسامية”. ويعود السبب في ذلك إلى أن المسيحية الصهيونية اتخذت كفرضية لها أن اليهود يجب ألا يندمجوا في أوطانهم. وبدلا من ذلك، يجب أن يكونوا بمثابة أداة لإرادة الله، وينتقلوا إلى الشرق الأوسط حتى يتسنى للمسيحيين تحقيق الخلاص. والجدير بالذكر أن إدوين مونتاجو كان الوزير الوحيد في الحكومة البريطانية الذي عارض إعلان بلفور، حيث كان كذلك العضو اليهودي الوحيد فيها. وقد حذر مونتاجو، لسبب وجيه، من أن الوثيقة “ستخلق مكانا للتجمع للمعادين للسامية في كل بلد في العالم”.

“النضال حتى بلوغ السعادة الغامرة”

قبل قرن من الزمان، كان الصهاينة اليهود يتجهون إلى مركز القوة الإمبراطوري في بريطانيا كي ترعاهم، أما اليوم، فباتت الولايات المتحدة راعيهم الرئيسي. ولطالما تمتع حاملو لواء الصهيونية المسيحية بنفوذ متنام في واشنطن منذ حرب الأيام الستة في سنة 1967، الذي بلغ ذروته في عهد الرئيس، دونالد ترامب. وقد أحاط ترامب نفسه بمجموعة من الصهاينة اليهود والمسيحيين المتطرفين. وفي هذا الصدد، يعتبر سفيره لدى “إسرائيل”، ديفيد فريدمان، ومبعوثه للشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، من اليهود المؤيدين باستماتة عن المستوطنات غير القانونية، كما هو الحال بالنسبة للمسيحيين البارزين في البيت الأبيض على غرار نائب الرئيس، مايك بنس، ووزير الخارجية، مايك بومبيو.

قبل أن يتولى منصبه داخل الحكومة الأمريكية، عبّر بومبيو بوضوح عن معتقداته الإنجيلية. ففي سنة 2015، قال للتجمّع: “إنه صراع لا نهاية له… إلى أن نبلغ النشوة. كن جزءا من هذا الصراع وشارك في المعركة”. وفي شهر آذار/مارس الماضي، دعم بومبيو فكرة أن ترامب ربما أرسله الله لإنقاذ “إسرائيل” من التهديدات التي تحدق بها، على غرار إيران. وفي تصريح لشبكة البث المسيحية، قال بومبيو: “أنا واثق من أن الرب يعمل هنا”. في الأثناء، قال مايك بنس:”إن شغفي بـ”إسرائيل” ينبع من إيماني بالمسيحية … إنه لحقًا أعظم امتياز في حياتي أن أشغل منصب نائب لرئيس يولي اهتماما كبيرا بأقرب حلفائنا”.

العملاق النائم يستيقظ

خلال السنة الماضية، كان الهدف من نقل ترامب لسفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، وهو خطوة استباقية لإجهاض أي مفاوضات لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يتمثل في إرضاء قاعدة ناخبيه الذين ينتمون إلى المسيحية الصهيونية. وفي الواقع، صوّت حوالي 80 بالمئة من الإنجيليين البيض لصالحه سنة 2016، وسيكون في حاجة كبيرة لدعمهم من جديد سنة 2020 في حال كان يأمل في إعادة انتخابه.

لا عجب في أن تكون مراسم نقل السفارة الأمريكية الجديدة في القدس قد أشرف عليها اثنين من القساوسة البارزين والمبشرين التلفزيين، جون هاغي وروبرت جيفريس، الذي يُعرف عنهما دعمهما المتعصب لـ”إسرائيل”، فضلاً عن اندفاعهما ضد المعادين للسامية.

باتت “إسرائيل” تمثل قضية رئيسية بالنسبة للإنجيليين في الولايات المتحدة، إلى جانب أولئك الذين يعيشون في بلدان أخرى

في الحقيقة، منذ أكثر من عقد من الزمن، أخبر هاغي، مؤسس منظمة “مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل”، الوفود التي حضرت في مؤتمر نظمته لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، أيباك، التي تعتبر من أهم جماعات الضغط السياسية الداعمة لـ”إسرائيل” في واشنطن: “لقد استيقظ عملاق المسيحية الصهيونية النائم. هناك 50 مليون مسيحي يدعمون ويشيدون بدولة إسرائيل”.

تتضمّن الأنشطة التي تقوم بها المنظمة، التي يترأسها هاغي، الضغط سياسيا داخل أسوار الكونغرس من أجل تمرير تشريعات متعصبة مؤيدة لـ “إسرائيل”، على غرار “قانون تايلور فورس” الذي صدر مؤخرا والذي يقلّص التمويل الأمريكي الممنوح للسلطة الفلسطينية،. فضلا عن ذلك، تسعى المنظمة لتمرير التشريعات على مستوى الولايات والمستوى الاتحادي لتسليط عقوبات على أي شخص يقاطع “إسرائيل”.

وفي الحقيقة، باتت “إسرائيل” تمثل قضية رئيسية بالنسبة للإنجيليين في الولايات المتحدة، إلى جانب أولئك الذين يعيشون في بلدان أخرى. وفي هذا السياق، كشف استطلاع للرأي أُجري سنة 2015 أن حوالي ثلاثة أرباع المنتمين لهذه الطائفة يعتقدون أن التطورات في “إسرائيل” جرى التنبؤ بها في “رؤيا يوحنا” في الكتاب المقدس. والجدير بالذكر أن الكثيرين يتوقعون أن يكمل ترامب سلسلة الأحداث التي سبق وأن استهلّها مسؤولون بريطانيون قبل قرن من الزمن، كما انخرط العديد منهم بشكل مباشر على أمل تسريع هذه العملية.

توطيد العلاقات مع المستوطنين

تتلاءم رؤية “إسرائيل” “لتجمع المنفيين”، التي تتمثل في تشجيع اليهود المنتشرين في جميع أنحاء العالم على الانتقال إلى المنطقة بموجب قانون العودة، بإحكام مع معتقدات الصهيونية المسيحية في خطة مقدسة في الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، تتناغم الجهود التي يبذلها المستوطنون اليهود المتطرفون لاستعمار الضفة الغربية، والتي تمثل الجزء الأكبر في أي دولة فلسطينية مستقبلية، مع اعتبار أن الصهاينة المسيحيين في الضفة الغربية يمثلون “المنطقة المركزية في الكتاب المقدّس”، وهي منطقة ينبغي على اليهود امتلاكها قبل عودة المسيح.

في الواقع، قدّم موقع “روت سورس”، وهو أحد هذه البرامج، أحد أكثر الدورات رواجا، بعنوان “الإسلام – الرؤى والخداع”

بناء على ذلك، يعمل الإنجيليون على تطوير علاقات أوثق مع المتطرفين الدينيين اليهود في “إسرائيل”، لا سيما في المستوطنات. وتضمنت المبادرات الأخيرة برامج لدراسة الكتاب المقدس على مواقع الإنترنت، إلى جانب برامج مباشرة يشرف عليها اليهود الأرثوذكس، والذين هم في الغالب مستوطنون، وتستهدف خاصة المسيحيين الإنجيليين. وصُمّمت هذه البرامج التعليمية لتعزيز رواية المستوطنين، إلى جانب تشويه صورة المسلمين والفلسطينيين.

في الواقع، قدّم موقع “روت سورس”، وهو أحد هذه البرامج، أحد أكثر الدورات رواجا، بعنوان “الإسلام – الرؤى والخداع”. خلال هذه الدورة، استُخدم العهدين القديم والجديد لإثبات أن الإسلام يمثل “خطرا محدقا”. قبل بضعة أشهر، نشرت الصحيفة الليبرالية الإسرائيلية الرائدة، هآرتس، تحقيقًا حول التدفق المتزايد للأموال والمتطوعين الإنجيليين إلى المستوطنات غير القانونية الواقعة في الضفة الغربية، التي تمثل عائقا رئيسيا أمام حل الدولتين.

جلبت إحدى المنظمات الأمريكية، التي تُعرف باسم “هيوفيل”، أكثر من 1700 متطوع مسيحي على مدى السنوات العشر الماضية للمساعدة على إقامة مستوطنة قريبة من مدينة نابلس، الواقعة في قلب الضفة الغربية.

حصلت أرنيل، وهي مستوطنة إسرائيلية تقع في وسط الضفة الغربية، على ثمانية ملايين دولار لإنشاء مركز رياضي قدّمتها منظمة “جون هاغي مينيستريز” قبل عقد من الزمن. فضلا عن ذلك، أنفقت جماعة إنجيلية أخرى، تُعرف باسم “جي أيتش اسرائيل”، مليوني دولار لإنشاء مركز للقيادة الوطنية. وتفيد التقارير بأن الجمعيات الخيرية المسيحية الأخرى التي مولت مشاريع تاريخية داخل “إسرائيل” تدرس بشكل متزايد مساعدة المستوطنات.

في حال دعمت خطة السلام التي دعا إليها ترامب، والتي من المتوقع نشرها في وقت لاحق من هذه السنة، ضم أجزاء من الضفة الغربية، فمن المحتمل أن تطلق العنان لموجة جديدة أضخم من  تدفق الأموال الإنجيلية في المستوطنات.

بمنأى عن العقل

تكمن مشكلة الفلسطينيين، والشرق الأوسط على النطاق الأوسع، في تدخّل الصهاينة المسيحيين، سواء كانوا مسؤولين حكوميين أو زعماء الكنيسة أو تجمعاتهم. فالتأثير الإنجيلي انتقل من الولايات المتحدة والبرازيل إلى أوروبا وأفريقيا وجنوب شرق آسيا.

يجعل الدعم غير المشروط الذي يقدمه عشرات الملايين من المسيحيين في جميع أنحاء العالم، والذين يعتبرون شغفهم بـ”إسرائيل” بمنأى عن العقل،  مهمة هذه الحكومات

تعتري الحكومات الغربية مخاوف عملية وملحة أكثر من تحقيق النبوءة التي وردت في الكتاب المقدس لتبرير سياسات “فرّق تسدّ ” في الشرق الأوسط. وفي المقام الأول، ترغب هذه الحكومات في السيطرة على موارد النفط التي تزخر بها المنطقة، والتي لا يمكن تأمينها إلا من خلال إبراز قوتها العسكرية لمنع الدول المتنافسة من الحصول على موطئ قدم فيها.

في المقابل، يجعل الدعم غير المشروط الذي يقدمه عشرات الملايين من المسيحيين في جميع أنحاء العالم، والذين يعتبرون شغفهم بـ”إسرائيل” بمنأى عن العقل،  مهمة هذه الحكومات، التي تروّج للحروب وتستولي على الموارد، بطريقة أسهل. والجدير بالذكر أن كلا من “إسرائيل” والدول الغربية قد استفادت من رسم صورة لدولة يهودية سعيدة محاطة بالعرب والمسلمين الهمجيين العازمين على تدميرها. ونتيجة لذلك، تمتعت “إسرائيل” بفرصة أكبر للاندماج في كتلة القوى الغربية، في حين قُدّمت للحكومات الغربية ذرائع سهلة إما للتدخل في المنطقة بشكل مباشر أو منح تفويض لـ “إسرائيل” للقيام بمثل هذا التدخل.

تمثلت المكافأة التي تلقتها “إسرائيل” في الدعم غير المشروط الذي تقدمه لها كل من الولايات المتحدة وأوروبا، في الوقت الذي تضطهد فيه الفلسطينيين، وتعمل على طردهم من أراضيهم. وفي الوقت الذي يحظى فيه بقاعدة واسعة من الداعمين الذين ينتمون إلى الطائفة الإنجيلية، لا يحتاج ترامب إلى تقديم حجج معقولة قبل أن يُقدم على أي تصرّف، إذ بإمكانه نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، أو الموافقة على ضم الضفة الغربية، أو  الهجوم على إيران.

الوقوف في وجه  أعداء “إسرائيل”

على هذا النحو، يصبح بصفة تلقائية أي عدو لـ “إسرائيل”، سواء الفلسطينيين أو إيران العدو اللدود لعشرات الملايين من المسيحيين الإنجيليين. ويدرك نتنياهو الأهمية المتزايدة لجماعات الضغط الخارجية التي تقدم الدعم غير المشروط، حيث أن مكانته ومكانة “إسرائيل” تتراجع أهميتها لدى الأمريكيين الليبراليين اليهود، الذين يشعرون بالقلق إزاء النزعة اليمينية للحكومات المتعاقبة.

تكمن الحقيقة في أن هؤلاء الصهاينة المسيحيين ينظرون إلى المنطقة من خلال منظور موحد وحصري: فكل ما يساعد وصول المسيح الوشيك سيكون مرحبا به

خلال سنة 2017، توجّه نتنياهو مخاطبا حشدا من الإنجيليين في واشنطن: “عندما أقول إننا لا نملك أصدقاء أكثر أهمية من المؤيدين المسيحيين لـ”إسرائيل”، فأنا أدرك جيدا أنكم تقفون دائمًا إلى جانبنا”. وبالنسبة للفلسطينيين، تعد هذه الأخبار سيئة. فأغلب هؤلاء الإنجيليين، على غرار تي بي جوشوا، إما لا يلقون بالا لمصير الفلسطينيين أو يضمرون لهم العداوة، بما في ذلك الفلسطينيين المسيحيين، على غرار أولئك الذين يعيشون في الناصرة.

مؤخرا، ذكر مقال افتتاحي نشرته صحيفة “هآرتس” أن نتنياهو ومسؤولين في حكومته “يسعون حاليا إلى جعل الإنجيليين، الذين يدعمون رفض “إسرائيل” المتشدد للفلسطينيين، والذي يمثل الأساس الوحيد للدعم الأمريكي لإسرائيل”.

تكمن الحقيقة في أن هؤلاء الصهاينة المسيحيين ينظرون إلى المنطقة من خلال منظور موحد وحصري: فكل ما يساعد وصول المسيح الوشيك سيكون مرحبا به. وتبقى القضية الوحيدة المطروحة هي كيف سيتجمع “شعب الله المختار” في أرض الميعاد. وفي حال وقف الفلسطينيون في وجه “إسرائيل”، ستكون عشرات الملايين من المسيحيين الأجانب سعداء للغاية برؤية السكان الأصليين يتعرضون للطرد من جديد، كما حصل سنتي 1948 و1967.

*صحفي بريطاني يقيم في فلسطين المحتلة