2024-11-25 09:55 م

تحركات مريبة لانتزاع موافقة فلسطينية على صفقة القرن

2019-07-14
القدس/المنـار/ كتب رئيس التحرير/ أصبح الحديث عن المصالحة والتسريبات بشأنها من كل الجهات والاطراف ذات العلاقة مجرد قناع وغطاء لتحركات بعيدة كل البعد عن هذا الملف، وبات يستخدم لتمرير أمور تطبخ في غالبيتها، رافضة لانهاء الانقسام.
بصورة أدق وأوضح، طرفا الانقسام والوسطاء ورعاة الملف غير معنيين بالمصالحة، ولكل اسبابه وأهدافه ومصالحه، فالرغبة باغلاق هذا الملف غير متوفرة، وكل رعاته غير راغبين بانجازه، وكل التحركات التي نشهدها سرية وعلنية، لا علاقة لها بالمصالحة وانهاء الانقسام والتسريبات بشأنه، وما يقال عن اتصالات ولقاءات بخصوصه تغطية على هذه التحركات التي تتعلق بملفين اثنين فقط وتوابعهما.
هذان الملفان، هما، كيفية تمرير صفقة القرن، وجر القيادة الفلسطينية للمشاركة في تسويقه والموافقة على بنوده، ما طبق منها، وما ينتظر.
أما الملف الثاني، فهو تفاهمات التهدئة بين حركة حماس واسرائيل بجهود عدة أطراف في مقدمتها مصر، ولكل طرف منها دوره المرسوم له بدقة، هذان الملفان، المستفيد الاول من تمريرها وانجازهما هما الرئيس الامريكي دونالد ترامب ورئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو، فهما على ابواب معركة انتخابية وبحاجة الى أوراق عديدة مهمة للفوز.
أما التسريبات بشأن حوارات واتصالات ولقاءات المصالحة، من جانبي الانقسام ورعاة الملف فهي "خداع في خداع" فمصر لديها من الاهداف والمصالح ما يغطي من حيث الاهمية والسعي للتحقيق والانجاز أكثر بكثير من المصالحة، والقاهرة تدرك أن حركتي فتح وحماس غير معنيتين بانهاء الانقسام، والاسباب كثيرة لهما مصالح ومشاريع متباينة، وكل منها مرتبطة بتحالفات متناقضة، وتحتفظان بكرسي الحكم، هذه في الضفة الغربية وتلك في قطاع غزة، ولكل كرسي داعموه في الاقليم والساحة الدولية.
الراعي المصري منشغل بأمور أكبر بكثير وأهم بالنسبة له من ملف المصالحة، التهدئة بالنسبة له أهم، وامنه القومي أهم، ولا تريد القاهرة انفجارا بين حماس واسرائيل في خاصرتها، وما يجري في سيناء وتشهده رقم في معادلتها، وهي كواشنطن معنية بنجاح بنيامين نتنياهو في الانتخابات، ولمصر دور في المنطقة بترتيب امريكي ولا خروج عنه والخشية من أن الراعي لملف المصالحة منضم للاطراف التي لا تريد ولا ترغب في انهاء الانقسام.
في الايام الاخيرة كثرت الاحاديث عن المصالحة، تسريبات متلاحقة وتصريحات هنا في رام الله واخرى في غزة وكلها جعجعة بدون طحين، وتبين أن كل هذه التسريبات والتصريحات اثارة الضباب والغبار من حول تحركات مكثفة موضوعها الرئيس "صفقة القرن" واقناع القيادة الفلسطينية بقبولها، حتى يسير قطار التنفيذ على السكة ويخوض نتنياهو وترامب معاركهما الانتخابية بانجاز ملف حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بالشكل والمقاس المرسوم.
يتضح أن مصر هي العراب، وانطلقت بحماس لتقريب وجهات النظر، وجسر الهوة، والدفع بالقيادة الفلسطينية الى "الحظيرة الترامبية" رغم التصريحات المتلاحقة لقياديين فلسطينيين رفضا لصفقة الرئيس الامريكي، تحركت القاهرة بلقاء بين عباس كامل وماجد فرج رئيس جهاز المخابرات المصري والفلسطيني، ثم حلول الضيف المخابراتي المصري على مركزية فتح بحضور فرج، ومهدت واشنطن لهذه التحركات لعل وعسى ينزلق الجانب الفلسطيني ودعما للعراب المصري، فالصبي الصهيوني جاريد كوشنير أقسم أغلظ الايمان بأن صهره ترامب يكن حبا عميقا للرئيس محمود عباس، وتبعه المبعوث الامريكي غرينبلات حفار الانفاق تحت الاقصى معلنا ثقته وادارة رئيسه بالرئيس محمود عباس، وأن لا تفكير بتغيير قيادته، فهدأت الأنفس وتقرر حسب ما أوردته وكالات الانباء، ايفاد وفد فلسطيني برئاسة مدير المخابرات الى واشنطن.
كوشنير الذي كان نجم حفل ورشة البحرين أدرك أن الدول العربية مع صفقة القرن، لكنها، بحاجة الى الغطاء الفلسطيني، حتى "يسير المركب" في أجواء هادئة وبدون أمواج متلاطمة، فجيء بالعراب المصري بعد نصب مصيدة الحب الترامبي، و "يا خوفي" أن تنطلي اللعبة القاتلة على القيادة الفلسطينية.. فبعد اشهار العلاقات الخليجية الاسرائيلية وتتويج ورشة المنامة بالتطبيع من أوسع أبوابه، لم يتبق الا جر الفلسطينيين وقيادتهم بعد تطمينات أمريكية ومصرية، بأن القيادة غير مستهدفة.. ولكن؟! كل هذه التحركات والعصا مرفوعة والحصار يشتد على الفلسطينيين ومن الجهات الاربع، لا مال خليجيا والمساعدات الامريكية مقطوعة، وقرارات ترامب بشأن القدس واللاجئين نافذة ومترجمة عمليا ولا رجعة عنها.. فالى أين ستذهب بنا هذه التحركات الامريكية المصرية، والابواب المواربة في عواصم اوروبا وأنظمة الردة العربية.. ويستمر الغزل الامريكي على ألسنة العصابة الصهيونية حول الرئيس الامريكي، والمشاريع الاستيطانية على قدم وساق وتصريحات الاحزاب الاسرائيلية المتنافسة تطرح يوميا برامجها، بضم الضفة وتهويدها.
وبوضوح فان القاهرة وواشنطن تحركتا بعد مشاورات بعيدا عن أعين الاعلام، مع المحاور في دوائر صنع القرار ومؤسسات السلطة على تباينها واختلافها، وكل محور طرح وعرض رؤيته وافكاره واقتراحاته على مبعوثي مصر وامريكا، تحت عنوان، كيفية التعاطي مع القيادة الفلسطينية، وسبل جرها الى المصيدة، و "البضاعة" التي يمكن عرضها، لكسب القبول بما يتحرك به العراب المصري وترجمة "الغزل" الامريكي.
الموقف الفلسطيني أفشل الشق الاقتصادي من صفقة القرن، واعترفت واشنطن على لسان كوشنير بهذا الفشل وسببه، والانظمة العربية مترددة في قبول الصفقة بشكل علني، للسبب نفسه، وبالتالي، انطلق العرابون وصهاينة البيت الابيض لجر القيادة الفلسطينية تحت مغريات ــ قد تنكشف لاحقا ــ الى الكمين المرسوم.. وهنا، لن تقدر واشنطن وغيرها من عواصم الاقليم على حماية هذه القيادة، هذا اذا لم يكن كل ما يجري من تحركات ولقاءات هدفه اسقاط واقصاء القيادة الفلسطينية الذاهبة الى المجهول، على غير رغبة الشعب، ان بقاء القيادة وقوتها هو بالتحام الشعب معها. وفي ظل عبث اقليمي ودولي في ساحته سواء في القطاع أو الضفة، ساحة تعاني من عدم الترتيب السليم والدقيق، فهناك الكثير من التجاوزات والثغرات لم تخضع بعد لـ "المعالجة" رغم المناداة الكثيرة بترتيب البيت وانجاز المصالحة، وتعزيز وتطعيم المطبخ السياسي القادر على المواجهة واتخاذ القرارات والمواقف الصائبة بعيدا عن العشوائية والارتجال ووكلاء الاجندة المشبوهة.