قد تكون وفاة الملكة الأردنية الراحلة علياء طوقان، يوم 9 فبراير/شباط من عام 1977 بحادث طائرة شهير، العلامة الفارقة جدًا ونقطة التحول في حياة ومسيرة وانحيازات ومواقف ابنتها الوحيدة من الملك حسين بن طلال، الأميرة الهاشمية هيا، التي تسلطت الأضواء عليها مؤخرًا بصورة غير مسبوقة.حالة “يتم” -من جهة الأم- مبكرة قلبت موازين حياة الأميرة الصغيرة الجميلة، التي ولدت يوم 3 مايو/أيار عام 1974، ودفعتها باتجاهات محددة في وقت مبكر، من بينها التعلق بوالدها الملك الراحل بشدة، والحرص على شقيقها الذي يصغرها بسنة، الأمير علي بن الحسين. بعدما أصبحت الأميرة فتاة يافعة، وفي سن التاسعة تحديدًا، ويتيمة الأم، بدأت بجمع كل الخيوط الممكنة في شخصية وتراث والدتها الراحلة، التي كانت صاحبة جماهيرية واسعة حول الضفتين، ومن الشخصيات البارزة جدًا في الشرق الأوسط آنذاك.
يشهد أحد الخبراء في العائلة المالكة الأردنية بأن مظاهر انحياز الأميرة الصغيرة لما تحبه وتفضله والدتها ظهر مبكرًا أمام والدها الملك حسين، وهي في سن التاسعة.اكتشفت الأميرة هيا وهي صغيرة السن بأن والدتها الراحلة كانت دومًا شغوفة بثلاث “هوايات رئيسية”، هي حصريًا ركوب الخيل، وكرة القدم والرياضة عمومًا، ومساعدة الفقراء والبسطاء في الوقت ذاته.هنا، تقررت انحيازات الأميرة الشابة مبكرًا؛ فكانت عمليًا أول فتاة تمثل بلادها في مسابقات دولية في الخارج بالفروسية، وهي بعمر 13 سنة، ودفعت بشقيقها الأصغر علي نحو الاهتمام بالرياضة وكرة القدم، وانشغلت بسلسلة طويلة من المبادرات المتعلقة بالعمل الخيري والإنساني والإغاثي.
رأى فيها الأردنيون صورة والدتها المحبوبة التي فقدها الشعبان الأردني والفلسطيني. توفيت الملكة علياء طوقان، زوجة الملك حسين الثالثة، في حادث سقوط طائرة مروحية عسكرية، أثناء توجهها لمساعدة أهل الجنوب، بعد عواصف جوية حادة. يعلم الجميع بأن الملك حسين كان شغوفًا بزوجته الثالثة، ويحبها بعنف، وشعر بقدر من المسؤولية والذنب تجاه وفاة زوجته؛ لأنه سمح لها بالمغادرة جوًا إلى جنوب البلاد بطائرة وسط طقس سيئ.هذه المشاعر تحولت إلى الأميرين اليتيمين من جهة الأم، علي وهيا.وقد حرص الملك حسين بوضوح على لعب دور “الأم” أيضًا تجاه الأميرين الصغيرين، وكان يبلغ مرافقيه بذلك إلى أن ربطته علاقة قوية جدًا بابنته الجميلة الرشيقة المهتمة بالرياضة والعمل الإنساني، حتى إنه كان يصفها دومًا بـ”مدللتي”.
ما يثبت شغف الأميرة الشابة بوالدتها الراحلة وشعورها بضرورة الحفاظ على ذكراها تشجيع والدها لها بتأسيس جمعية عملاقة للعمل الخيري ومساعدة المحتاجين باسم “تكية أم علي”، وهي كنية الملكة الراحلة بكل حال.منذ سنوات طويلة، ترأست الأميرة هيا مجلس إدارة تكية تحمل اسم والدتها، وحرصت على تمويل برامجها في كل المواقع التي شغلتها.أدركت الأميرة، بعد إنهاء الثانوية العامة مبكرًا، أيضًا شغف والدتها بالاقتصاد، إذ درسته الملكة الراحلة في إيطاليا، فقررت -بدعم من والدها الراحل- دراسة الاقتصاد والفلسفة في كلية سانت هيلدا بجامعة أكسفورد العريقة.من بداية الثمانينيات، وعندما كانت الأميرة الشابة تظهر في مسابقات الفروسية، وترعى نشاطات خيرية صغيرة، رأى فيها الأردنيون صورة والدتها المحبوبة التي فقدها الشعبان الأردني والفلسطيني.
عليه، كانت عيون الأردنيين تلاحق الأميرة أصلًا بحنان ودفء، بكل نشاطاتها، وفي كل الاتجاهات، وأينما حلت وسافرت أو ظهرت.يعتقد كثيرون بأن الأميرة الفتية قررت مبكرًا أيضًا ممارسة ما تستطيعه من دور “الأم والموجه” لشقيقها الأصغر، الذي تربطها به علاقة متميزة وعلنية، قوامها تبادل الرسائل والذكريات معه بصورة علنية، ودعمه في انتخابات الفيفا مرتين، والحرص على التواجد بقربه دومًا.ظهر ذلك في رسالة شهيرة وجهتها الأميرة هيا إلى شقيقها الأمير علي، عندما اجتاحت سيول عاصفة في جنوب الأردن، في شهر فبراير/شباط عام 2018، حيث دعت الأمير إلى عدم ترك أهالي الجنوب مع معاناة الطقس والمناخ، واستذكرت معه كيف فقدت والدتهما حياتها وهي تحاول مساعدة أهالي الجنوب في طقس مماثل. أعقبت تلك الرسالة العلنية قرارات من حاكم دبي، أشرفت عليها الأميرة هيا نفسها وشقيقها علي، بتسيير قافلة مساعدات، وإقامة “جسر جوي” لمساعدة أهالي جنوب الأردن، بتوقيع ورعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
العناصر التي تربط الأميرة هيا طوال الوقت بوالدتها، التي حرمت منها وهي طفلة، لا يمكن إنكارها، وهي تفسر رعايتها الدائمة لشقيقها علي، واستذكارها سنويًا -من 20 سنة- وفاة والدها الراحل مع عبارة “اشتقنالك ولن ننساك”.الأضواء الإعلامية دومًا تلازم الأميرة أينما ذهبت بسبب جاذبيتها الشخصية، وقدراتها على الخطابة والكلام، وطبيعة اهتماماتها، ومقدار الشبه بينها وبين والدتها الراحلة.ويتردد أن حضور الأميرة القوي دفع طابورًا من العرسان للتقدم لها طوال الوقت، قبل الارتباط رسميًا بحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد، وموافقتها في ظرف غامض على هذا الزواج عام 2004، وبإقرار وحضور أخيها غير الشقيق الملك عبد الله الثاني.بين هؤلاء، كان نجل الرئيس السوري الراحل باسل الأسد، وبينهم أمير مغربي، وآخرون كثر من مشايخ دول الخليج وأمراء السعودية كانت ترفضهم “مدللة” والدها، التي تفخر بوصف نفسها وسط صديقاتها بأنها “نعم، أنا فتاة أبيها”.
أنجبت الأميرة هيا من زوجها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم طفلين هما “جليلة” (9 سنوات)، و”زايد” (7 سنوات).وتؤشر الأميرة دومًا على جزئية “الأم” في مسيرتها، وهي تؤكد لكل من يعرفها بأنها تعلم جيدًا ما الذي يعنيه “غياب الأم”، ولا تريد لولديها الحياة إطلاقًا بدون “أم”، ولا ترغب بعبورهما بالمعاناة التي عايشتها.الأميرة هيا بنت الحسين هي الأردنية الوحيدة التي تجمع بين دراسة الفلسفة ورخصة قيادة شاحنات ثقيلة، ويعتقد بأن شغفها بالفروسية من الأسباب التي دفعتها إلى الموافقة على الزواج بالشيخ آل مكتوم، حيث الاهتمام مشترك وبشغف بين الجانبين هنا.أول سيدة عربية تعين سفيرة للنوايا الحسنة على مستوى برنامج الغذاء العالمي في الأمم المتحدة، وعينت كذلك رسولًا للسلام عام 2007.
لم تعرف بعد كامل ظروف الزواج بين هيا وآل مكتوم. لكن مبكرًا، وبسبب شغفها بالفروسية، ترأست الأميرة الاتحاد الدولي للفروسية بين عامي 2006 و2014، وقبل ذلك مثلت الأردن في بطولة سيدني العالمية لركوب الخيل، وترأست هيئات لمسابقات الخيل عام 2002 في إسبانيا.خلال سنتين بعد زواجها في دبي، ترأست الأميرة مؤسسات مهمة عدة؛ فقد عينها زوجها رئيسة لمدينة دبي الطبية، وفي عام 2007 عينت رئيسة لمؤسسة المدينة العالمية للخدمات الإنسانية، التي تتولى مساعدة الدول والشعوب في الكوارث، وتقديم خدمات إنسانية وصحية ومساعدات إغاثية.
وكانت أول سيدة عربية تعين سفيرة للنوايا الحسنة على مستوى برنامج الغذاء العالمي في الأمم المتحدة، وعينت كذلك رسولًا للسلام عام 2007.صفحة الأميرة الهاشمية الأردنية حافلة بالألقاب والأدوار، والقدرة على الجذب، وتقديم خدمات فارقة في حياة الأفراد والشعوب، خلافًا لأن مبادراتها متعددة في المجالين الشبابي الرياضي والإنساني المعيشي.تدفع مثل هذه الصفحة كثيرات في البلاط والقصور العربية والخليجية إلى خصومة مباشرة ومشاعر غيرة من الأميرة الشابة، التي أصبحت أولويتها الآن عائلتها المتمثلة بولدين من الشيخ آل مكتوم.لكن ابنة الملك حسين أو “مدللته” تتمسك طوال الوقت بتراث والدتها الملكة علياء طوقان، وتحرص على تجنب التدخل في الملفات السياسية، والأهم تحظى بشعبية جارفة جدًا وسط الشارع الأردني، وحضور لا يستهان به ولا يحظى به -في الواقع- غيرها من أميرات العرب والخليج في الخارطة الدولية وفي الشارع العربي.
القدس العربي