2024-11-24 11:24 م

رجل أوروبا القوى.. نجم «السوشيال ميديا»

2019-06-17
بينما يدور الحديث فى الدوائر السياسية الإيطالية عن أزمة حكومية مرتقبة قد تمهد لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، يبدو أن ماتيو سالفيني نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الإيطالي الذي استطاع أن يحقق حزبه «رابطة الشمال» اليميني فوزا كاسحا فى الانتخابات الأوروبية بحصوله على 34% من الأصوات، ليس لديه الوقت للاهتمام بما يدور فى أروقة السياسة نظرا لانشغاله بأن يصبح «نجم السوشيال ميديا».
فقد اتخذ سالفينى من تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعى المتعددة، فيسبوك وتويتر وانستجرام، منصة يطل من خلالها لمخاطبة مؤيديه، وأحيانا ساحة حرب للرد على منتقديه من المعارضين أو لتصفية بعض الحسابات، خاصة أن موجة التوتر والمشاحنات قد ازدادت فى الآونة الأخيرة وتصاعدت الحرب الكلامية بينه وبين لويجي دي مايو زعيم «حركة النجوم الخمسة» الخاسر الأكبر فى الانتخابات الأوروبية بحصوله على 17% فقط من الأصوات.

«محب للظهور» هو الوصف الدقيق لشخصية ماتيو سالفيني - 46 عاما - الذي أصبح فى الآونة الأخيرة أشبه بنجوم السينما، وبات الشعب الإيطالي على دراية بكل تفاصيل حياته اليومية صغيرة كانت أو كبيرة، بدءا من حملاته الانتخابية مرورا بخطاباته السياسية وآرائه فى العديد من القضايا المهمة، وصولا إلى أصناف الطعام التي يحب أن يأكلها فى الصباح!.

ويرى بعض المحللين أن «مواقع التواصل الاجتماعي» كانت كلمة السر فى ازدياد شعبية سالفيني وسطوع نجمه كأقوى سياسي فى إيطاليا بعد أن أثار الانتباه وأحكم قبضته على الحكومة الشعبوية الحاكمة في روما بفضل مواقفه المتشددة من الهجرة غير المشروعة ومن الاتحاد الأوروبي، فهو يعرف جيدا كيف يروج لنفسه من خلال تسخير صفحات التواصل الاجتماعي لخدمة أهدافه وزيادة شعبيته، حتى أن البعض أطلق عليه لقب «ترامب إيطاليا».

وبنظرة سريعة على نشاط سالفيني الإليكترونى سنجد أن الرجل لديه مهارة وقدرة عالية على جذب الجمهور، فقد ركز على بناء صلة عاطفية مع المؤيدين بالتقاط مئات من صور «السيلفي» معهم ونشرها على موقع انستجرام الخاص به مذيلا تلك الصور بالعديد من عبارات الحب والود.

وفى الوقت نفسه وبنفس خبرته فى إدارة حساباته «الافتراضية» يعرف رجل روما القوي جيدا كيف يصد الهجمات من قبل معارضيه، ويشعل المخاوف من تشويه المهاجرين للقيم الإيطالية، ويتهم البيروقراطيين في بروكسل بكل أنواع الخطايا, فتجده يظهرعلى مقاطع فيديو حية وسط أنصاره من المزارعين الإيطاليين خلال معرض للمعدات الزراعية، يشارك في حفل شواء لمدة 20 دقيقة، ينتهز من خلاله الفرصة لتوجيه انتقادات لاذعة إلى الاتحاد الأوروبي، ويصفه بأنه «عدو لدود للمزارعين الإيطاليين» بينما يدعو الآلاف من أنصاره للاصطفاف «إلى اليمين وليس إلى اليسار» خلال التقاط صور شخصية معه على المسرح.

وستجده فى وقت آخر يرتدي زي الشرطة فى المطار خلال عملية تسلم الإرهابي اليساري، تشيزاري باتيستي، إلى إيطاليا الذي ظل مختفيا ما بين فرنسا والبرازيل لفترة طويلة، وبث العملية مباشرة عبر موقع فيسبوك لمتابعيه البالغ عددهم 3.5 مليون شخص وهو ما عرضه لانتقادات باستغلاله الحدث للقيام باستعراض إعلامي سموه بـ «السيرك السالفيني».

وما بين ارتدائه ملابس عامل بناء أو رجال إطفاء ستجده مجرد رجل إيطالي عادى يأكل البيتزا والمكرونة ويخبر معجبيه إلى أى مدى يعشق النوتيلا!.

لذلك لم تكن مفاجأة أن يطغي تأثيره على حضور جيوزيبي كونتي رئيس الوزراء، خاصة أن سالفيني بات يتصرف وكأنه رئيس الوزراء الفعلى للبلاد وليس مجرد نائب للرئيس.

ومع تخطي عدد متابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي حاجز الـ15 مليون شخص، زاد التفاعل مع منشوراته لأكثر من الضعف فى أقل من عام، وهو ما دعا صحيفة «تايمز» البريطانية إلى القول بأن سالفيني قد استثمر مبلغا هائلا من المال - يقدر بالآلاف من اليورو - فى استخدام «برامج إليكترونية» لإضفاء تفاعلات «وهمية» على منشوراته، متسائلة فى الوقت نفسه عن كيفية إيجاده الوقت للقيام بمهام وظيفته بينما ينشر مئات المنشورات على فيسبوك وآلاف التغريدات على تويتر، معلقة: «يبدو أن سالفيني موجود فى كل مكان ماعدا مبنى وزارة الداخلية الإيطالية».

غير أن التكنولوجيا سلاح ذو حدين، وخاصة بالنسبة للشخصيات السياسية ذات المناصب الحساسة, فغالبا ما أثارت تغريدات ماتيو سالفيني الجدل ومن بينها على سبيل المثال أنه تم توجيه اتهام إليه بإفساد مداهمة مهمة للشرطة بالإعلان عنها بشكل مسبق عبر تويتر حيث سارع بالاعلان عن اعتقال 15 مجرما نيجيريا في مدينة تورينو بشمال غرب إيطاليا، الأمر الذي شكل خطرا على «النتائج الجيدة للعملية» التى كانت لا تزال جارية، على حد قول أرماندو سباتارو رئيس الادعاء العام في المدينة.

وفى عام 2018 تسببت صورة له على تويتر بدا فيها «ضاحكا»، خلال زيارته منطقة من أكثر المناطق المتضررة بسبب عاصفة مدمرة أودت بحياة 29 شخصا، في إثارة سخط الآلاف من متابعيه واتهمه بعض المستخدمين بفقدان الشعور، وذكروه بأن ما يحدث في البلاد «مأساة وليس رحلة ترفيهية»، غير أن سالفيني رد معلقا أن ابتسامته ليست دليلا على السعادة إنما هي ابتسامة «فخر بالعمل الذي قدمته الحكومة بالتعاون مع حركة 5 نجوم».

ولا تقل تغريدات وزير الداخلية «السياسية» خطورة عن معظم التغريدات الأخرى، فقد تطرق إلى الحديث عن أمور سياسية لا تصلح للمناقشة على منصات مواقع التواصل الاجتماعي وبعيدة كل البعد عن مهام حقيبته الوزارية مثل فرض الضرائب ومناقشة ميزانية الاتحاد الأوروبي، وهو ما دعا رئيس الوزراء الإيطالي إلى توجيه تحذير شديد اللهجة إلى نائبه بعدم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإطلاق مواقف وتصريحات تتعارض مع سياسة الحكومة، وضرورة الحد من استخدام «السوشيال ميديا» للترويج لنفسه والتركيز بدلا من ذلك على مهام وظيفته، ملوحا بالاستقالة إذا لم تنته الحرب الكلامية بين حزبه الرابطة وحركة النجوم الخمسة، وكالعادة جاء رد سالفيني على الفور عبر منصته المفضلة «فيسبوك» وخلال مهرجان انتخابي آخر، داعيا رئيس الوزراء إلى «مواصلة العمل من أجل مصلحة إيطاليا».
الاهرام