كشف تقرير أصدرته مكتبة الأبحاث بالكونغرس الأمريكي، نهج الإمارات في التوسع الإقليمي والقائم على التجسس وشن الحروب بالوكالة عن طريق المرتزقة.
التقرير صدر مطلع الشهر الحالي، للباحث البروفيسور كينيث كاتزمان، الأكاديمي المخضرم بشؤون منطقة الخليج والعلاقات مع الولايات المتحدة، تناول فيه تدني نسبة الحريات وتراجعها بصورة كبيرة في الإمارات مع تغييب الحياة السياسية الحقيقية، ومحاولة استغلال الأموال الإماراتية في نسج صورة مغايرة عن الواقع الخليجي والإقليمي والإفريقي، عبر سياسة خارجية تتبنى منطقاً من القوى، ومحاولة فرض النفوذ والهيمنة، وتبني حروب الوكالة ما قادها إلى كوارث إنسانية فادحة، فضلاً عن فضائح التجسس الإماراتية التي ما زالت تتكشف أبعادها كل يوم، بداية من دورها في التحقيق الذي أعده المقرر الخاص روبرت مولر وسلط فيه الضوء ولو بصورة أوسع على استخدام الإمارات لتقنيات التواصل والتقنيات الرقمية من أجل السيطرة على الفضاء الإلكتروني وشن حملات تحريض وتشويه.
فيما تبنت العديد من التقنيات الإسرائيلية الخاصة بالتجسس وتشير التقارير إلى وجود دور ملموس لتلك التقنيات في استهداف هاتف خاشقجي والتنسيق لمحاولة اغتياله، وهو ما يقوض المساعي الإماراتية للتراجع ولو بصورة درامية عن تأييدها لولي العهد السعودي بن سلمان، والذي لطخت سمعته الدولية بصورة كبيرة للغاية إثر اغتيال خاشقجي وسياساته القمعية الداخلية في المملكة.
مؤامرات إقليمية
وأشار التقرير إلى أن الإمارات تتبنى أجندة عسكرية في فرض سياساتها الخارجية بالقوة؛ حيث تسعى لأن تبني العديد من القواعد العسكرية وتحاول توطيد نفوذها في القرن الإفريقي وذلك لتجنيد ميليشيات المرتزقة لاستخدامهم في تحقيق أهدافها في الحرب اليمنية، مع مؤشرات للدور نفسه الذي تحاول أن تلعبه الإمارات داخل الأزمة السودانية في ظل المرحلة الانتقالية التي تشهدها السودان إثر الاحتجاجات المتواصلة والتي أطاحت بالرئيس عمر البشير، والمستمرة إلى الآن.
كما أن الإمارات توسعت في تورطها في ليبيا، عبر تقديم الدعم اللوجيستي والعسكري للجنرال المتمرد خليفة حفتر في مغامراته الخاسرة التي هددت الاستقرار في ليبيا وسط تغييب الحلول السياسية الحقيقية للمشهد الليبي.
كما لفت أيضاً إلى أن موقف نظام أبو ظبي الذي يخاف على سلطته من تمادي نفوذ جماعة الإخوان المسلمين كان جوهر سياساته الخارجية خاصة فيما يتعلق بملفات مثل مصر وسوريا وأيضاً في المشهد الفلسطيني، ذلك على الرغم من إبداء العديد من تنظيمات الإسلام السياسي مثل الإخوان المسلمين استعدادهم للعمل والتواجد وفقاً للمعايير والأعراف المنظمة للعملية السياسية، كما أنها عملت على محاولة التدخل في القرار الأمريكي عبر محاولاتها المتكررة، رفقة الجنرال السيسي، الحليف المقرب من الإمارات، وقائد الانقلاب المدعوم شعبياً في مصر، في دفع واشنطن نحو إعلان الإخوان كمنظمة إرهابية.
وأوضح التقرير أن واقعة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول شكلت مزيداً من الانتقادات الواسعة إلى قادة نظام أبو ظبي ذلك لتحالفهم الاستراتيجي والتواطؤ بالشراكة مع جرائم النظام السعودي في ظل حكم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
كما لفت أيضاً إلى أن الإمارات توحشت في قمع المعارضين وبخاصة منذ اندلاع موجة ثورات الربيع العربي وهو الأمر الذي دفع بأبو ظبي في أن تتورط بالتدخلات الخارجية وذلك لحماية وتأمين نظام الحكم الخاص بها، وأمام التراجع الاقتصادي الذي شهدته أسعار النفط، عملت الإمارات على استمالة شعبها باستحداث وزارات وهيئات خاصة بالترفية والتي كان من بين أهدافها أن تنجح تلك الخطوات في أن تحظى بتأييد الشباب، والقيام بمجموعة من التغيرات الاجتماعية الهادفة إلى هذا الصدد. وأوضح التقرير أنه لم يتم الوقوف على أية تغيرات أو إصلاحات ملموسة فيما يتعلق ببيئة ونظام الحكم في أبوظبي.
هذا في الوقت الذي ينشد فيه عدد من المثقفين ورجال الأعمال وأيضاً الطلاب الإماراتيين مزيدا من المساحة الديمقراطية السياسية، وقد حاول بعض من الشباب الإماراتيين في أن يستخدموا وسائل التواصل الاجتماعي في تدشين مظاهرة احتجاجية كبرى في مارس من عام 2011، وقد قابلت الحكومة الإماراتية ذلك بالقبض على خمسة نشطاء إماراتيين معروفين باسم UAE-5 وقامت بمحاكمتهم وتوقيع عقوبات عليهم.
كما قام النظام الإماراتي باستهداف كافة مؤيدي تنظيمات الإسلام السياسي وبشكل أخص جماعة الإخوان المسلمين، كما قام أيضاً بضم جماعة الإخوان المسلمين إلى قائمة طويلة من 85 فصيلا مختلف بوصفهم فصائل وتنظيمات إرهابية وهي القائمة التي ضمت تنظيمات مثل “القاعدة” و”داعش”، وقد استهدف النظام الإماراتي حركة “الإصلاح»والتي نجحت في اجتذاب العديد من المؤيدين في الضواحي الإماراتية منذ أن تم تدشينها عام 1974 واتهمت الحركة بأنها تتلقى تمويلات من الفرع الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وقد كثف النظام الإماراتي من ملاحقته لحركة “الإصلاح» خاصة في الوقت الذي فاز فيه مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي بمقعد انتخابات الرئاسة في مصر عام2012، وقامت السلطات الإماراتية باعتقال العديد من الأعضاء البارزين لحركة “الإصلاح» بل قاموا بتجريدهم من جنسياتهم الإماراتية ومن بينهم أحد أعضاء الأسرة الحاكمة بـ”رأس الخيمة”.
وفي عام 2013 قضت المحكمة العامة الإماراتية بتوقيع أحكام على 69 فرداً من إجمالي 94 فرداً تم القبض عليهم في الفترة ما بين عام 2011-2013وذلك من المواطنين أصحاب الجنسية الإماراتية وهو ما يعرف بقضيةUAE-94 (الإسلاميون المقبوض عليهم بتهمة قلب نظام الحكم في الإمارات)، وفي شهر يونيو من عام 2014 تم الحكم على ثلاثين شخصاً من بينهم 20 مصرياً وذلك بتهمة علاقاتهم بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، كما أدت الأزمة الخليجية وحصار قطر لمزيد من التوترات في هذا الصدد وبخاصة فيما يتعلق بالعداء السعودي– الإماراتي لقطر والموقف من جماعة الإخوان المسلمين والإسلام السياسي.
أكذوبة الديمقراطية..
وأوضح التقرير أن البرامج الديمقراطية المشتركة التي تم تدشينها في الإمارات لم تكن كيانات مستقلة بل كانت تخضع في الوقت نفسه إلى نفس مسار السياسات الإماراتية، وقد رفضت السلطات الإماراتية أيضاً بعض من البرامج الديمقراطية الأخرى تحت ذريعة أنها لا تتوافق مع الأهداف والمصالح الإماراتية، وأمرت في هذا الصدد بإغلاق مكاتب “المعهد الوطني الديمقراطي” ومعهد كونراد فاوندايشن الألماني، ولم يتم دعم أي برامج ديمقراطية أمريكية في الإمارات في السنوات الأخيرة.
وأشارت التقارير الأخيرة الخاصة بحقوق الإنسان والصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية،الى تجاوزات ابوظبي وأيضاً التقارير التي أعدتها جهات مستقلة مثل “هيومن رايتس ووتش”، والتي ألمحت لوجود وقائع التعذيب والقمع الحكومي لحرية التعبير عن الرأي والاحتجاج وغياب الاستقلالية عن الجهات القضائية، أثارت تلك التقارير غضباً عالمياً وبشكل أخص التقرير الصادر عن السلطات البريطانية حول وقائع تعذيب المحتجزين والمعارضين في السجون الإماراتية، وبخاصة الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز والذي تعرض لأشكال شتى من التعذيب في السجون الإماراتية.
إساءة استخدام القانون..
وأوضح التقرير أن السلطات الإماراتية قد وسعت من قبضتها الأمنية وبخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي ذلك منذ اندلاع ثورات الربيع العربي في عام 2011، وقد أضافت أبوظبي بعضا من التعديلات على منظومتها القانونية باستحداث قوانين تهدف لوضع مسوغات قانونية لمحاكمة المعارضين تحت مسميات مثل استخدام التقنيات المعلوماتية لقلب نظام الحكم، فيما استحدثت الإمارات أيضاً حزمة من القوانين والتشريعات التي تقوض العمل السياسي وتحظر التجمعات السياسية أو ترويج أي أفكار سياسية أو دينية، وقد تم اعتقال الكثير من النشطاء في هذا الصدد .