2024-11-25 03:20 م

مراكز الأبحاث السعودية والإماراتية.. العقل المخطط للثورات المضادة

2019-05-11
نشرت «صحيفة الاستقلال» تقريرًا يتضمن ورقة بحثية تستعرض أبرز المراكز البحثية السعودية والإماراتية ونطاق فعالياتها، بعنوان: «مراكز الأبحاث السعودية والإماراتية.. العقل المخطط للثورات المضادة»، والتي تسببت وفقًا للصحيفة في إغلاق حسابها على تويتر، وفيما يلي نص المادة.

يحتل الإنفاق على المجال البحثي حيزًا كبيرًا من المساعي السعودية والإماراتية لتدعيم طموحات ورؤى الدولتين المضادة لثورات الربيع العربي، وهو حيز قد يوازي ما يُنفق على شركات العلاقات العامة وجماعات الضغط واللوبي في الغرب.

وتعتمد الدولتان على مراكز الأبحاث والتفكير لترسيخ وشرعنة رؤيتهما في عدد من المجالات المتباينة ابتداءً بعلاقة حركات الإسلام السياسي بالإرهاب، مرورًا بالرؤى الإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط والتحالفات فيها، وانتهاءً بالتصورات الدينية والسياسية والاجتماعية المثلى من وجهة نظر الدولتين.

كما يأخذ الاستثمار السعودي-الإماراتي في البحث العلمي أشكالًا عدة، أبرزها إنشاء مراكز أبحاث ومراكز تفكير وطنية، وتمويل مراكز إقليمية وغربية، وإقامة شراكات مع مؤسسات دينية ومجتمعية بهدف التغلغل فيها، وكذلك إقامة شراكات مع منظمات دولية.

لكن تظل هناك فروق بين أساليب الدولتين، أبرزها الدرجة الأعلى من المؤسسية والاحتراف التي تحظى بها المراكز الإماراتية وقد تضاهي بها مراكز الأبحاث الغربية، بينما لا تزال المراكز السعودية ضعيفة الإنتاج البحثي ومعتمدة على شهرة أسماء شخصيات بعينها أو مؤسسات حاضنة.

ويجدر في هذا الصدد توضيح أن سجل الدولتين وإن أثار الشبهات حول الإنتاج البحثي لتلك المراكز، فإنه لم يؤثر بنفس الدرجة على فعالية الدولتين فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.

فالشركاء الدوليون، وإن كانت لهم تحفظات على سجل الدولتين في حقوق الإنسان أو في نشر الفكر المتطرف، إلا أنهم ما زالوا يعتبرون حكومات الخليج كافة، وفي القلب منها حكومتا السعودية والإمارات شركاء أساسيون في المكافحة الفكرية للإرهاب والتطرف. وذلك للاقتناع المتزايد في الغرب بأهمية إشراك الشركاء المحليين المعنيين في بناء صيغ جديدة بديلة عن الرؤى الدينية المتطرفة – من وجهة نظرهم.

ولعل غياب التجديد في الخطاب الإسلامي التقليدي واقتصاره على الدعاة وعلماء الدين، ومسارعة قوى الثورات المضادة ببث خطاب بديل بآليات ووسائل حديثة، وتزامن كل ذلك مع صعود «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام(داعش)» وتشكل تحالف دولي لمحاربته. لعل كل تلك العوامل تضافرت ليرى الغرب في الخطاب الديني السعودي الإماراتي الجديد فرصة يجب استثمارها للقضاء على منابع الفكر المتطرف.

كذلك فإن العزلة النسبية لحقل المكافحة الفكرية للإرهاب والتطرف عن بقية الحقول العلمية تجعل من العاملين في الحقل على دراية غير كافية بديناميكيات الفكر والخطاب الإسلامي والتنافس الإقليمي على احتكار الخطاب والتجديد فيه، وهو بدوره ما يجعل العاملين في هذا الحقل من الباحثين الغربيين على استعداد للتعاون مع الهيئات الحكومية العربية وفي مقدمتها المراكز والمبادرات الإماراتية والسعودية، حتى وإن كانت لدى أولئك الباحثين اعتراضات حقيقية على سلوكيات تلك الدول في مجالات أخرى.

كل هذه العوامل تدعم هيمنة مراكز الأبحاث السعودية الإماراتية على ساحة التعاون الدولي والأممي لمكافحة الإرهاب والتطرف، خاصة وأنهما الدولتان الأقدر والأكثر رغبة في الإنفاق على مثل تلك المراكز.

وتستعرض هذه الورقة أبرز هذه المراكز ونطاق فعالياتها، أولا بتناول مراكز الأبحاث والتفكير، ثم المراكز المختصة بمكافحة الإرهاب والتطرف، وأخيرًا بالمراكز الأجنبية الحاصلة على تمويل من إحدى الدولتين أو كليهما.

لكن يجب التنويه إلى أنّ الاهتمام السعودي الإماراتي بالبحث يتعدى مجرد إنشاء مراكز للأبحاث أو تمويل مراكز مرتبطة بدوائر صناعة السياسات، بل يجدر النظر كذلك في العلاقات التي تربط الدولتين بالمؤسسات العلمية والجامعات في الغرب، حيث توضع قضايا الإسلام والشرق الأوسط في أطر تحدد المفاهيم والخطاب لفترات طويلة لاحقة، وحيث تتشكل التصورات المسبقة لكثير من الباحثين الذين يتوجهون فيما بعد للعمل في مراكز التفكير.

ولا يجب الاستهانة بخطورة الاستثمار الخليجي في المؤسسات العلمية كذلك، إذ ظهر خلال الجدل الثائر حول التمويل الخليجي لمراكز التفكير أنه عوضًا عن تحكم المموِّلين المباشر بآراء الباحثين بتلك المراكز، يأتي الباحثون إلى تلك المراكز أصلًا متبنين لآراء متقاربة وآراء المموِّلين.

أولًا: مراكز الأبحاث السياسية والاجتماعية والإستراتيجية

مركز المسبار للدراسات والبحوث

تأسس مركز المسبار عام 2007 من قِبل الصحافي السعودي تركي الدخيل بإمارة دبيّ وتمويل إماراتي كبير – بحسب الجزيرة – الذي قد يصل لتحويلات سنوية بقيمة 12 مليون درهم من ولي عهد أبو ظبي للمركز. يركز المركز على «الظاهرة الثقافية… بأبعادها الفكرية والاجتماعية والثقافية»، ويتخصص في دراسة حركات الإسلام السياسي والظاهرة والحالة الدينية في العموم، وينعكس التمويل الإماراتي، في تماهي إنتاج المركز مع موقف الإمارات من الحركات الإسلامية. (بل إن المركز قبل تسلّم محمد بن سلمان ولاية العهد كان محلّ انتقادات من شخصيات سعودية كبيرة واتهامات بالتجسس لصالح الإمارات وإهانة السعودية).

وترتكز رؤية المركز على ثلاثة أسس، هي: أهمية ثقافة الحوار والتسامح، ودعم خطاب عولمة الإسلام وإعادته إلى جذوره اللاسياسية، وإحياء فكرة التدين الفردي بصفتها ركيزة من ركائز التراث الإسلامي.

أقام المركز شراكات مع مؤسسات كبرى، أبرزها اتفاقية التعاون مع منظمة اليونسكو لدعم الشباب وحوار الثقافات ومحاربة التطرف العنيف والإرهاب في فبراير (شباط) 2015، ومنها أيضا أنشطة مشتركة مع مركز جنيف لسياسات الأمن ومعهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا.

وينشط المركز في مجال النشر حيث نشر قرابة الألف كتاب حول مواضيع سياسية وفكرية ودينية مختلفة. كذلك ينشر المركز تقريرًا أسبوعيًا للإرهاب والعنف السياسي، كما تصدر عنه «سلسلة المفاهيم» بمساريها: العام، ومسار آخر ينصب على المفاهيم الإشكالية في الوعي الإسلامي المعاصر.

ويعمل بالمركز باحثًا ومستشارًا الكاتب والمتخصص في الشرق الأوسط والزميل بمعهد دراسات السياسة الخارجية جوزيف براودي. وفي ندوة مشتركة بين المركز ومعهد دراسات السياسة الخارجية في واشنطن في فبراير 2013 حول «الإخوان المسلمين والغرب»، علّق براودي على رؤية مركز «المسبار» للمسار الذي اتخذته ثورات الربيع العربي، الذي يعتبره المركز تراجعًا من شأنه أن يؤدي إلى أشكال أسوأ من السلطوية.

وفي المقابل قدّم براودي رؤية مركز «المسبار» المتمثلة في بناء المجتمع المدني وصون حقوق المرأة والأقليات، وإصلاح المؤسسات الأمنية وترسيخ سيادة القانون. وإن كان المركز يحاول الوصول لدرجة كبيرة من الاحترافية إلا أنه ما يزال في طور بناء شبكات علاقات مع الباحثين الغربيين والمؤسسات الكبرى، وهو ما انتقده براودي في الندوة كذلك حين علّق على ضعف العلاقات التي تربط مراكز التفكير في واشنطن بمركز المسبار وأهمية الإنتاج البحثي للأخير لفهم الباحثين في واشنطن لشريحة أوسع من المجتمعات في الشرق الأوسط.

كما قدم براودي المركز للحاضرين بصفته «موردًا لدعم مصالح الولايات المتحدة في العالم العربي اليوم» واحتفى بمدير المعهد منصور النقيدان الذي انتقل من صفوف الحركات المتطرفة في شبابه إلى ناقد للوهابية، واحتفى كذلك برئيس المركز تركي الدخيل «وإتاحته منصات للإصلاحيين وتحدّيه لرؤى المتطرفين» عبر الأنشطة الإعلامية للأخير.

مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية

تأسس مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في مارس (آذار) 1994 في أبو ظبي بموجب مرسوم من ولي العهد آنذاك خليفة بن زايد آل نهيان. ومنذ إنشائه اتسع نطاق نشاط المركز ليشمل المجالات السياسية والإستراتيجية مثل الطاقة والأمن والدفاع، بالإضافة إلى مجالات الاجتماع والصحة والبيئة.

ويأخذ نشاط المركز أشكالًا عدة، فعلى سبيل المثال يستقدم شخصيات بارزة عربية وأجنبية، رسمية وغير رسمية، لإلقاء محاضرات عامة، ويعقد الجلسات الحوارية والندوات البحثية، وينظم زيارات لشخصيات رسمية ووفود أجنبية. وتنظم إدارة التدريب والتطوير بالمركز كذلك دبلوم البحث العلمي الذي تخرجت فيه الدفعة السادسة عشر في مايو (آيار) 2018.

وحصل المركز ومديره العام جمال سند السويدي على عدة جوائز، منها جائزة التميز للإنجازات الحكومية العربية عام 2019، وجائزة زايد للكتاب لأكثر من مرة، وجائزة الصحافة الأوروبية للعالم العربي (من جمعية الصحافة الأوروبية للعالم العربي في باريس) عام 2015. وتربط المعهد شراكات مع عشرات الجامعات والمؤسسات البحثية في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا والعالم العربي.

تربط المركز صلات وثيقة بالدوائر الرسمية الإماراتية منذ تأسيسه، ففي تسعينات القرن الماضي على سبيل المثال نظمت مستشارة محمد بن زايد ساندرا تشارلز لقاء في واشنطن العاصمة بين دبلوماسيين إسرائيليين وجمال السويدي – المدير العام للمركز – لبحث مسألة شراء دولة الإمارات لطائرات (إف 16) من الولايات المتحدة كانت تخشى الأولى من اعتراض إسرائيل عليها.

وتبع ذلك اللقاء لقاءات عديدة أخرى نظمها السويدي جمعت شخصيات يهودية أمريكية بشخصيات رسمية ورموز إماراتية مرموقة تبلور خلالها تفاهم بين الطرفين حول الخطر الإيراني. ويرى الكاتب آدم إنتوس أن مركز الإمارات تحول إلى قناة للتواصل مع إسرائيل.

ولا تقتصر خدمة المركز للدبلوماسية الإماراتية على العلاقات مع إسرائيل، فمثلًا كان المركز أداة مهمة في تمويل بعض المراكز البحثية الأجنبية مثل معهد الشرق الأوسط في واشنطن (الذي ثار الجدل حوله بعد تسريب رسائل من البريد الإلكتروني لسفير الإمارات يوسف العتيبة كشفت عن تلقيه تمويلًا بقيمة 20 مليون دولار). وتوضح الرسائل أن المنحة وإن كانت قد قدمت رسميًا من مركز الإمارات، إلا أن كافة الاتصالات سواء مع معهد الشرق الأوسط أو مع الممولين المحتملين تمّت من خلال السفير يوسف العتيبة، ويذكر أن المركز يقع إلى جانب كلية القيادة والأركان المشتركة ومركز المتابعة والتحكم.

ومن أهم إصدارات المركز كتاب «السراب» الذي ألّفه جمال السويدي عام 2015 وحصل على جائزة زايد للكتاب عام 2016، وتمّ على إثر ذلك ترشيح المؤلف عام 2019 – حسب موقع المركز – من قِبل سياسيين وأكاديميين وخبراء أوروبيين وعرب لجائزة نوبِل للآداب. والكتاب يستهدف «المعالجة الفكرية» للتطرف وتحليل الجماعات الدينية السياسية والتوعية ضد الخطر الذي تمثله. وقد استرعى الكتاب اهتمامًا دوليًا وتُرجِم إلى الإنجليزية والفرنسية ونوقِش في ندوات عدة، من أبرزها ندوة عن الإسلام السياسي دعا إليها واستضافها البرلمان الفرنسي عام 2016.

مركز تريندز للبحوث والاستشارات

تأسس مركز تريندز عام 2014 في أبوظبي من قِبل الأكاديمي الإماراتي د. أحمد الهاملي كمركز تفكير مستقل عن الحكومة يصِل دوائر صناع القرار بدوائر البحث العلمي ويعمل لرسم سياسات تحقق الأمن وفي القلب منه الأمن الإنساني. وبالإضافة إلى مكتب المركز في أبوظبي، فلديه مكتبان آخران في عمّان وجنيف.

يتناول المركز قضايا متعلقة بالراديكالية والتطرف، وقضايا الأمن والطاقة، بالإضافة لقضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية إقليمية وعالمية. ويتمتّع المركز بشراكات مع عدد كبير من المراكز الأمريكية والأوروبية رفيعة المستوى، وعقد فعاليات في مجلس اللوردات البريطاني والبرلمان الأوروبي وفي عدة عواصم أوروبية أخرى تراوحت مواضيعها بين الاقتصادي والأمني والحقوقي، كذلك تتطرق بعض الفعاليات لمناقشة علاقة الدين بالتطرف والراديكالية، والشباب وتسوية النزاعات، وقضايا المرأة وغيرها.

معهد دول الخليج العربي في واشنطن

تأسس معهد دول الخليج عام 2015 باقتراح من الأكاديمي المصري الدكتور عبد المنعم السيد رئيس مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية وبتمويل إماراتي-سعودي خالص. ويهدف المركز إلى توسعة التغطية التي تحظى بها منطقة الخليج في الغرب لرسم صورة أوضح عن المنطقة، وهو ما ينعكس في إنتاج المركز الذي يغطي بالإضافة إلى القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية قضايا البيئة والثقافة والفنون في الخليج، وكذلك العلاقات السعودية مع دول آسيا وأفريقيا.

ويجدر الأخذ في الاعتبار بأن المركز وإن كان يعتمد على التمويل السعودي الإماراتي، إلا أن تواجده في واشنطن في خضم الجدل الدائر حول نفوذ دول الخليج إلى دوائر صنع القرار الأمريكي من خلال مراكز الأبحاث، واعتماد المركز على باحثين غربيين كبار، سيدفع المركز لمحاولة تناول احترافي ورصين للقضايا.

فمن البديهي أن تمتع المركز وإصداراته وفريقه البحثي بسمعة طيبة وسط مراكز التفكير في واشنطن يعود على المركز بنفع أكبر على المدى البعيد. وقد صدرت بالفعل بعض التصريحات لباحثين بالمركز التي تخالف صراحةً آراء السعودية والإمارات حول مسائل تتعلق بإيران وتمويلها لميليشيات الحوثي في اليمن أو مسائل الحقوق السياسية والمساءلة في الخليج.

وينظم المركز فعاليات منتظمة عن مختلف الموضوعات، تتنوع بين مؤتمرات وورش عمل ولقاءات مع مسؤولين وممثلين عن مراكز بحثية أخرى وباحثين مستقلين ومنظمات دولية. ويعقد المركز سنويا «منتدى الإمارات للأمن» حيث يجتمع المركز بممثلين عن الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية والشركاء الإقليميين ومنظمات دولية غير حكومية ومؤسسات تنموية لبحث الأزمات العالقة في المنطقة وسبل وإمكانات حلّها.

مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

تأسس مركز الملك فيصل في الرياض عام 1983 من قِبل مؤسسة الملك فيصل الخيرية، وبدأ أعماله كمكتبة لحفظ الوثائق. ورغم وجود نشاط بحثي خاص بالمركز وإصداره مجلات بحثية إلا أن إدارة البحوث لم تتأسس سوى عام 2013 لتتناول المسائل السياسية والإستراتيجية والثقافية، وتندرج تحت تلك الإدارة وحدات الدراسات الأمنية، والفكر السياسي المعاصر، والاقتصاد السياسي، ودراسات أفريقيا، والدراسات الآسيوية. ويرأس مجلس إدارة المركز الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز آل سعود.

تعكس إصدارات وأخبار المركز التوجهات الرسمية السعودية خاصة فيما يتعلّق بمسألتي حرب اليمن والشأن الإيراني. ويشارك المركز ورئيس مجلس إدارته باستمرار في لقاءات ومنتديات دولية ويعقد مؤتمرات سنوية (منها مؤتمر الفكر السياسي الإسلامي) بحضور شخصيات أكاديمية عربية وأجنبية.

كما يعقد المركز شراكات مع مؤسسات دولية، كاتفاقية شراكة مع جامعة كينغز لندن لإطلاق مشروع بحثي مشترك عن الجماعات والتنظيمات ـ ما دون الدولة ـ (غير الحكومية non-state actors) المؤثرة في الساحة السياسية العربية، وكذلك اتفاقية تعاون ثقافي وعلمي مع الرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب. ومن اللافت للنظر كذلك تدشين المركز لنسخة موقعه الإلكتروني باللغة الصينية.

مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

تأسس مركز المستقبل في أبو ظبي عام 2013، مركز تفكير مستقل يُعنى بدراسات الاتجاهات المستقبلية في الشرق الأوسط والعالم. ويقع نشاط المركز ضمن «خمسة برامج رئيسية لدراسة التحولات السياسية، وتقدير الاتجاهات الأمنية، وتحليل التوجهات الاقتصادية، وتقييم التفاعلات الاجتماعية، ومتابعة التطورات التكنولوجية».

كما يصدر المركز دورية «اتجاهات الأحداث» الشهرية، وتقارير استراتيجية دورية عن التفاعلات الرئيسة في الشرق الأوسط، وسلسلة دراسات المستقبل. كما يشمل عمل المركز برنامجًا «لدعم الكوادر الأكاديمية عبر منح أكاديمية، ودورات تدريبية، وتفاعل مع الجماعة العلمية والمؤسسات العامة».

وبحسب الموقع الإلكتروني للمركز، فهو من الناحية القانونية يعتبر شركة خاصة، ويفصح الموقع عن مصادر تمويل المركز التي تتنوع بين ما يوفره مجلس الإدارة ومؤسسات حكومية ومانحين وعوائد النشر والإعلان بالمركز. وحسب تقرير على موقع «بحرين ووتش» فإن مركز المستقبل بالتعاون مع السفارة السعودية في واشنطن هما جهتا التمويل الرئيستان لمعهد دول الخليج العربي في واشنطن.

مركز سمت للدراسات

تأسس مركز سمت عام 2017 في الرياض، ويتسع نطاق عمله ليشمل – إلى جانب البحوث والتقارير والإحصاءات – تقديم الاستشارات للدول والمنظمات وصانعي القرار، وإدارة السمعة للشركات والمنظمات.

كما يندرج تحت المركز عدد كبير من الوحدات المتخصصة في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكذلك في الدراسات التركية والإيرانية، ودراسات عن رؤية السعودية 2030، كما يعمل على ملف عن التطرف والإرهاب. وتعكس منشورات المركز المختلفة بوضوح ودون مواربة توجهات الحكومة السعودية تجاه الإخوان المسلمين وقطر وتركيا وإيران وغيرهم ممن تعتبرهم المملكة خصومًا لها.

وبعد عام من إنشائه دشّن المركز في أبريل (نيسان) 2018 منتدى سمت الدوري ليكون منصة تجمع الباحثين المهتمين بالشؤون الإقليمية والدولية تقعد فيه ورش العمل واللقاءات لبناء الإستراتيجيات واستشراف المستقبل.

ثانيًا: المراكز المعنية بالمكافحة الفكرية لـ«الإرهاب والتطرف»

مركز هداية لمكافحة التطرف العنيف

أنشئ المركز الدولي للتميز في مكافحة التطرف العنيف «هداية»، ومقره في أبوظبي في ديسمبر (كانون الأول) 2012 منبثقا عن أعمال المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب المنعقد في سبتمبر (أيلول) 2011. وللمركز كذلك مكتب في واشنطن دي سي يديره منذ سبتمبر 2013 باتريك لينش – المسؤول السابق في الحكومة البريطانية الذي أعارته الأخيرة للمركز.

وبالإضافة إلى الفريق التنفيذي يعمل بالمركز زملاء غير مقيمين من دول غربية عدة وكذلك باحثون متدربون. ويحتل مركز «هداية» موقعًا فريدًا حيث أنشئ في إطار دولي ويحظى بدعم حكومي دولي واسع.

وسريعًا ما وطد المركز علاقاته بمختلف الشركاء في الحرب العالمية على الإرهاب، فدشن أنشطة مختلفة بتمويل من الاتحاد الأوروبي والحكومة الكندية والمعهد الملكي للخدمات المتحدة البريطاني. وكذلك اتسع النطاق الجغرافي الذي يغطيه المركز سريعًا، بحيث شمل تقارير ودراسات عن مكافحة التطرف في مختلف مناطق العالم من جنوب أفريقيا والشرق الأوسط وحتى شبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا وبالطبع الأقليات المسلمة في الغرب.

وإن كان التطرف الإسلامي يحتل النسبة الأكبر من نشاط المركز إلا أنه كذلك يشمل بالدراسة التطرف اليميني الصاعد في أوروبا وأشكال التطرف الأخرى. كما تشتمل أعماله كذلك على إصدارات إرشادية لتخطيط وتنفيذ وتقييم برامج مكافحة التطرف.

رسالة المركز هي «أن يكون المؤسسة الدولية الأولى للتدريب والحوار والتعاون والبحوث في مجال مكافحة التطرف العنيف بكل مظاهره وأشكاله، ودعم الجهود الدولية الساعية لمنع الإرهاب ومكافحته» عبر «سبل غير قسرية»، ومن أبرز أنشطته برنامج «سترايف» لتدعيم حصانة المجتمعات ضد العنف والتطرف، وبناء قدرات الفاعلين الرسميين وغير الرسميين على مواجهة الراديكالية «مع الحفاظ على احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي».

ويتميز المركز أيضًا في حقل مكافحة التطرف بمكتبته الإلكترونية للسرديات المضادة للتطرف، وتحتوي على مواد مقروءة ومسموعة ومرئية بمختلف اللغات وأنتجت من قبل مختلف الجهات لمواجهة الخطاب المتطرف. ويعقد المركز اجتماعات رفيعة المستوى مع مسؤولين ومع هيئات دولية أممية وحكومية وغير حكومية، فشارك على سبيل المثال في مؤتمر الأمم المتحدة رفيع المستوى لمكافحة الإرهاب المنعقد بنيويورك في يونيو (حزيران) 2018.

مركز صواب

أنشئ مركز صواب بمبادرة من أنور قرقاش وزير الشؤون الخارجية الإماراتي وريتشارد ستنجل وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للدبلوماسية العامة والشؤون العامة في يوليو (تموز) 2015 لمواجهة خطاب تنظيم الدولة على مواقع التواصل الاجتماعي. وهو بمثابة منصة إلكترونية تهدف إلى مواجهة الخطاب المتطرف «واستعادة الفضاء الإلكتروني من المتشددين» ونشر خطاب التسامح من المسلمين وغير المسلمين الرافضين لسلوكيات الجماعات المتطرفة.

وأطلق المركز عددا كبيرا من الحملات الإلكترونية باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، كان أبرزها حملة (#عالم_متسامح) المتزامنة مع زيارة البابا فرانسيس الأولى للإمارات في 3 فبراير 2019. ويزيد عدد متابعي حساب المركز على «تويتر» على 650 ألف متابع.

مركز الموطأ للدراسات والتعليم ومنتدى السلم في المجتمعات المسلمة

أنشئ المركز عام 2016 بهدف إثراء المعرفة الإسلامية والإنسانية.. وتكوين كفاءات علمية مؤهلة لنشر قيم الإسلام. تتعدد أنشطة المركز، أبرزها برنامج لإعداد الدعاة الإماراتيين يستغرق ثلاث سنوات، يحصل الدعاة بعدها على درجة الماجستير.

ويرأس مركز الموطأ الشيخ عبد الله بن بيّه رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، وهو كذلك رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة الذي تم تدشينه عام 2014 بمشاركة علماء ومفكرين إسلاميين من مختلف أنحاء العالم من أجل مناقشة «الإشكاليات والقضايا الإنسانية المحدقة بالإنسان في عالم اليوم، والتي نجمت عن الصراعات الفكرية والطائفية في المجتمعات المسلمة، بسبب استقواء كل طرف بمن يعينه ويحتضنه على حساب مصلحة الأمة».

ويصدر عن منتدى تعزيز السلم عدد من الإصدارات والدوريات المتعلقة بإعادة قراءة وتجديد الخطاب الديني والتاريخ والمفاهيم الإسلامية. كما أطلق عام 2015 جائزة الإمام حسن بن علي الدولية للسلم (سنوية)، من أجل «تشجيع التأصيل العلمي في مجال تصحيح مفاهيم السلم والأخوة الإنسانية وللمبادرات في تجسيدها العلمي لهذه المفاهيم والقيم في ميادين الصراعات والأزمات».

ويستضيف المنتدى عددًا من الملتقيات، كما يشارك أعضاؤه في عدد من المشاريع والأنشطة العربية والإسلامية، فعلى سبيل المثال أشرف الشيخ عبد الله بن بيّه رئيس المنتدى على مشروع إعلان مراكش للأقليات الدينية في العالم الإسلامي الذي صدر بعد اجتماع أكثر من 300 عالم من دول مختلفة تحت رعاية وزارة الأوقاف المغربية بمدينة مراكش في يناير (كانون الثاني) 2016.

مركز اعتدال العالمي لمكافحة التطرف ومركز الحرب الفكرية التابع لوزارة الدفاع السعودية

أنشئ مركز اعتدال على هامش القمة العربية الإسلامية الأمريكية المنعقدة بالرياض في مايو 2017. وحسب موقع العربية الإلكتروني فهو «يواجه منابع التطرف الفكري ويرصد لغات ولهجات المتطرفين ويتتبع كافة مصادرهم المادية والبنكية وممتلكاتهم العينية»، ويعمل على تشارك المعلومات الأمنية مع الدول المؤسسة للمركز. يعلن الموقع الرسمي للمركز عن اعتماده في التمويل على دول ومنظمات مختلفة، كما يخضع لـ«لجنة فكرية عليا» مشكلة من علماء من مختلف بقاع العالم الإسلامي تشرف على إنتاج المركز.

ورغم استهداف المركز في رسالته لرصد وتحليل الخطاب المتطرف، إلا أن المواد المتاحة على موقع المركز لا تتضمن أية تقارير أو دراسات، بل يقتصر المحتوى على مواد إعلامية دعائية مضادة للفكر المتطرف. لكن للمركز نشاط واضح على صعيد تنظيم زيارات لجهات عدة عربية ودولية وغير رسمية لاستعراض إنتاج المركز وتوجهاته، تنوعت الوفود ما بين ممثلين عن حكومات وعن هيئات تابعة للأمم المتحدة وممثلين عن الطائفة الإنجيلية في الولايات المتحدة وغيرهم.

كما يشارك المركز في فعاليات مكافحة التطرف مثل ندوة منظمة التعاون الإسلامي المنعقدة بجدة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018. ويدرج المركز ضمن أهدافه وأنشطته التطوير المستمر لتقنيات رقمية لعزل ورصد الخطاب المتطرف ومؤيديه «من خلال مزيج مبتكر من تحليل المحتوى وتحليل الشبكات والأساليب الإحصائية»؛ بالإضافة لبناء قواعد بيانات ونظام للتعرف على الوجوه يخزن صور الأفراد المرتبطين بدعاية أو عمليات إرهابية.

أما مركز الحرب الفكرية التابع لوزارة الدفاع والذي يرأسه ولي العهد السعودي فتتشابه أهدافه وأنشطته مع أهداف وأنشطة مركز اعتدال، المتمثلة بالأساس في التواجد الكثيف على منصات التواصل الاجتماعي وتنظيم الزيارات مع ممثلين رسميين وهيئات مجتمعية وطلاب، مع فارق التركيز الأكبر للمركز على المفاهيم الإسلامية والشرعية وقضايا التأصيل والاستدلال. وشارك المركز في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2019 بندوة تعريفية عن أهدافه وأنشطته.

ثالثًا: مراكز أجنبية ممولة من الإمارات والسعودية

ثار الجدل في الولايات المتحدة وأوروبا حول التمويل الخليجي لمراكز التفكير والأبحاث على إثر نشر رسائل مسرّبة من البريد الإلكتروني للسفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، وهو ما دفع بعض المراكز، خاصة في أعقاب مقتل الصحافي جمال خاشقجي، بإعلان توقفها عن قبول الدعم والمنح المالية الخليجية – كان أبرزها مركز التقدم الأمريكي الذي ثار الجدل حول فصله لموظّفين سرّبا رسائل تثبت تأثيرًا غير مقبول من الإمارات على آراء الباحثين في المركز.

ويستهدف التمويل الإماراتي-السعودي غالبية مراكز الأبحاث الكبرى مثل: تشاثام هاوس، بروكينجز، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، معهد الشرق الأوسط، مركز برنت سكوكروفت للأمن الدولي، ومركز الأمن الأمريكي الجديد.

إلا أن تأثير ذلك التمويل على سير أعمال الباحثين ببعض المراكز قد ظهر للعلن بشكل أو بآخر في بعض المراكز التي سيأتي ذكرها. إلا أنه يجب الأخذ في الاعتبار أن التأثير غالبًا ما يأخذ شكل الرقابة الذاتية من الباحثين على المحتوى الذي يتعرضون له أو الطريقة التي يُعرض بها، أي أن التمويل لا يفضي إلى عملية «شراء ذمم» الباحثين وتبنيهم آراءً مخالفةً لآرائهم المسبقة.

مؤسسة دعم الديمقراطيات – Foundation for Defense of Democracies (FDD)

مؤسسة دعم الديمقراطيات هي مركز تفكير ذو اتجاه يميني جديد (neoconservative) وانحياز لإسرائيل – كان من أكبر الداعمين للمؤسسة حتى عام 2013، الملياردير الأمريكي شيلدون أديلسون المقرّب من رئيس الوزراء الإسرائيلي، وتنشط المؤسسة في الضغط على الإدارة والكونجرس باتجاه تبني سياسات محددة في الشرق الأوسط.

ومن أبرز مظاهر التعاون الإماراتي مع المؤسسة ما نقلته «أسوشيتد برس» عن عقد المؤسسة مؤتمرًا في 2017 بحضور إِد رويس رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب في الكونجرس عن تمويل قطر للحركات الإسلامية المتطرفة، أعلن فيه النائب أنه سيقدم للكونجرس مقترحًا بقانون ينصّف قطر دولة داعمة للإرهاب.

وكان تمويل ذلك المؤتمر قد وصل المؤسسة عن طريق إليوت برويدي المسؤول عن جمع التبرعات بحملة ترامب، الذي كان بدوره قد حصل عليه من جورج نادر مستشار ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد. وبالإضافة إلى تمويل المؤتمر فقد أهدى برويدي منحة بقيمة 5400 دولار لحملة رويس الانتخابية ضمن مساعي الأول لإقناع أعضاء الكونجرس باتخاذ موقف حاسم وشديد اللهجة من قطر – وهو ما قام به رويس بالفعل أثناء تمرير القانون.

بالإضافة إلى ذلك فقد ورد في الرسائل المسربة من بريد العتيبة تواصل المؤسسة معه بشأن عدد من الشركات المنخرطة في علاقات عمل مع إيران والتي كانت تأمل من الإمارات والسعودية الضغط عليها لفسخ علاقاتها التجارية مع إيران.

المعهد الملكي للخدمات المتحدة

ورغم حصول المعهد على تمويل أكبر من قطر ووجود فرع له في الدوحة، إلا أنه أيضًا يحصل على نسبة غير ضئيلة من التمويل الإماراتي، وهو ما يؤثر على تغطيته لبعض القضايا ذات الحساسية بالنسبة للإمارات والسعودية. فعلى سبيل المثال، عقد المعهد ثلاث جلسات حوارية بالتعاون مع مركز دراسات البحريني المحسوب على النظام عام 2012 إبان التظاهرات في البحرين، لم يتم التعرض في أي منها عن مناقشة الشؤون الداخلية البحرينية، وتم الاكتفاء بمناقشة علاقات البحرين الإقليمية وعلاقاتها بالمملكة المتحدة.

المجلس الأطلنطي – The Atlantic Council

حصل المجلس الأطلنطي على تمويل إماراتي يزيد عن مليون دولار للمساعدة في بناء مقرّه في واشنطن العاصمة، وكذلك على تمويل من بهاء الحريري نجل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري لتدشين مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط.

وكان أبرز مظاهر تأثير التمويل استقالة ميشيل دان، الدبلوماسية والباحثة بالمجلس بعد اعتراض بهاء الحريري على شهادتها أمام الكونجرس التي وصفت فيها أحداث 3 يوليو 2018 في مصر بالانقلاب العسكري.

الخاتمة

بعد هذا الاستعراض السريع لأنشط مراكز الأبحاث والتفكير السعودية-الإماراتية يمكن استخلاص عدد من الملاحظات والاستنتاجات، أولها وأهمها أن تعويل الدولتين على هذه المراكز كمصادر قوة إقليمية ودولية هو اتجاه حديث دفعهما إليه تهديد انتفاضات الربيع العربي، ويدلّل على ذلك نشأة الغالبية العظمى لتلك المراكز بعَيْد اندلاع الانتفاضات عام 2011.

وفي ضوء ذلك فالراجح أن وظيفة تلك المراكز لن تتعدى الهجوم العلمي المنظّم على خصوم الدولتين وبثّ صورة إيجابية عنهما للعالم. وكما ذكرت الورقة سابقًا فإن ذلك الهجوم لا ينتقص بالضرورة من جدية المنتج البحثي، حيث إن تلك المراكز تستقطب من البداية باحثين تتماشى آراؤهم والآراء الرسمية حول مسائل الحركات الإسلامية أو إيران مثلًا.

ولا يتوقّع –على صعيد العلاقات الإقليمية – من تلك المراكز المساهمة المؤسسية الحقيقية في ترشيد عملية صناعة القرار أو الدفع به لاتجاه أكثر حكمة وحنكة. وستتركز أهميتها بالنسبة لصنع القرار في شبكات العلاقات التي تربط المراكز والباحثين فيها بالمؤسسات الأجنبية المختلفة وصناع القرار على مستوى العالم. وبالطبع قد يكون هناك مساهمات شخصية لبعض الباحثين الكبار أو المستشارين ببعض المراكز تفيد صنّاع القرار، لكن لا يتوقَّع أن تمسّ القضايا المحورية في المنطقة.

ولكن وعلى المدى البعيد، فإن مكانة هذه المراكز وإنتاجها البحثي ستترسّخ في الوسط العلمي الإقليمي والعالمي لأسباب عدة. أوّلها أن تلك المراكز في سعيها لتثبيت أركان الوضع الراهن والحفاظ على مكتسبات الإمارات والسعودية من الثورات المضادة، تعمل على التنبؤ بالمستقبل وتحدّياته وعلى تشخيص آليات للتعامل معها، ويتضمن ذلك التعرّض لمسائل تحظى باهتمام عالمي مثل الحوكمة وإشراك الأقليات والمرأة وغيرها، وهي مسائل بطبيعتها تثير فضول الباحثين وتستدعي التعرف على تجارب بيئات مختلفة.

وبما أن هذا الإنتاج العلمي هو الأول من نوعه خليجيًا، فهذا يجعله محطّ أنظار الجماعات العلمية. أخيرًا فإن طبيعة البحث العلمي الذي يبني بعضه على بعض ستساهم في تطبيع المعرفة المتولّدة عن هذه المراكز، وكذلك إلى تنشئة الباحثين الجدد (ممن ليست لديهم معرفة بالخلفيات السياسية لذلك الإنتاج البحثي) على المقولات الأساسية المحتواة في تلك الأبحاث.

لكن لحداثة هذه المراكز فإن هذه العملية ما تزال في بداياتها، وليس من وسيلة للحدّ منها سوى امتلاك منتج علمي أكثر رصانة وقدرة على التشخيص السليم للواقع والظواهر ومخاطبة العالَم – وفي ذات الوقت منتج لا يعاني من التناقضات الذاتية لبحث علمي مسيّس للدفاع عن مصالح دول بذاتها ترسم له حدودًا بعينها.

أما بالنسبة لتمويل مراكز الأبحاث في الخارج فعلى الأغلب سينحسر تأثيره وسط تراجع سمعة الإمارات والسعودية على المستوى الدولي وتزايد المخاوف في أوروبا والولايات المتحدة من تدخل جهات خارجية عن طريق مثل هذه القوى الناعمة في سياسات البلاد.

فمراكز الأبحاث وإن أبقَت على مصادر التمويل الخليجي، إلا أنها ستبذل جهدا أكبر للبرهنة على استقلالية إنتاجها البحثي في ظل كثافة الرقابة العامة عليها. لكن لن يترجَم ذلك بالضرورة إلى آراء تبتعد عن آراء الدولتين، لأنها مواقف تكوّنت عبر سنوات من التّعرّض لمحتوى علمي لا يعكس الصورة الكاملة للظواهر في الشرق الأوسط، وكذلك سنوات من الشراكات والعلاقات الرسمية وغير الرسمية مع جهات مختلفة.

أما مراكز التفكير وخاصة في الولايات المتحدة وتحت إدارة ترامب فالأغلب أنها ستحافظ على علاقات مع الخليج ولو كانت علاقاتٍ غير رسمية، وحتى إن زادت الرقابة الإعلامية والتشريعية عليها، وذلك بسبب انخراط تلك المراكز في صناعة السياسة الخارجية بشكل أكبر من نظائرها في دول أخرى. لكن بعيدًا عن العلاقات الإقليمية للشرق الأوسط ومواقف الغرب منها، فسوف يستمرّ التعاون العلمي بين المؤسسات الغربية والخليج في مسائل أخرى كالانفتاح الاجتماعي والتنمية ومكافحة التطرف.