2024-11-25 10:44 م

الجولان السوري المحتل: خزان المياه والنبيذ لإسرائيل

2019-03-22
ضياء علي
اسحق رابين [1]

سيطرت إسرائيل خلال وبعد حرب 1967 على حوالى 80% من مساحة هضبة الجولان بواقع 1158 كلم مربّع، واستعادت سوريا 100 كلم مربّع منها في حرب تشرين 1973. حتى يوم الرابع من حزيران 1967 كان عدد سكان الجولان ما يقارب 130.000 نسمة يقيمون في أكثر من 139 قرية وتجمّع سكّاني ومزرعة، ويعيشون أنماطاً اجتماعية بين بدو وحضر وينتمون إلى اثنيّات مختلفة (عرب تركمان وشركس) معظمهم من المسلمين السنّة ومنهم مسيحيون (2). خلال شهر من الاحتلال بقي منهم حوالى 6000 شخص مجتمعين في الطرف الشمالي الغربي من المنطقة. يعيش اليوم في الجولان السوري المحتلّ ما يقارب 26,000 سوري، في الخمس قرى المتبقّية وهي: مجدل شمس - أكبر هذه القرى- وبقعاتا، ومسعدة وعين قنيه، والغجر، معظمهم من الموحدين الدروز وجزء بسيط من الطائفة العلوية يتمركزون في قرية الغجر.

التطهير العرقي وضمّ الجولان المحتل
كان الجولان، قبل احتلال إسرائيل له في حرب حزيران/ يونيو 1967، مثالاً للتنوّع الإثني والطائفي في سورية. فعلى أرضه عاش، بوئام، الشركس والتركمان والأكراد والأرمن والعرب. وازدهر التسامح والتدامج بين مختلف طوائفه، كالسنّة والمسيحيين والدروز والعلويين والإسماعيليين والشيعة، فكأن الجولان صورة مصغّرة لسورية التقليدية التي خرجت من تحت أنقاض الإمبراطورية العثمانية وانبثقت، كدولة حرّة مع الملك فيصل الأول، ودشّنت بقيادة سلطان باشا الأطرش ثورتها الكبرى ضد الانتداب الفرنسي بشعار «الدين لله والوطن للجميع».(3)
بحسب المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه فإن التطهير العرقي هو «جهد يرمي إلى تحويل بلد مختلط عرقياً إلى بلد متجانس من خلال طرد جماعة من الناس وتحويلهم إلى لاجئين مع هدم البيوت التي تم إجلاؤهم عنها»(4). وبدون شك فإن فكرة الترحيل لها جذورها العميقة والممتدة في العقلية الصهيونية، فها هو حاييم وايزمن يقول في خطاب ألقاه أمام الاتحاد الصهيوني الإنكليزي سنة 1919: «عندما أقول وطناً قومياً يهودياً فإنني أعني خلق أوضاع تسمح لنا، بينما نحن نطوّر البلد، بأن نُدخل إليه عدداً وفيراً من المهاجرين، وأن نقيم في نهاية الأمر مجتمعاً في فلسطين بحيث تصبح فلسطين يهودية كما هي إنكلترا إنكليزية أو أميركا أميركية»(5). 
وما كشفه شبتاي ليفي الذي كان عميلاً لشراء الأراضي لحساب الجمعية الفلسطينية للاستعمار اليهودي (بيكا)، التي أسسها البارون روتشيلد، في مذكراته، أن البارون أشاد بنشاطه في سبيل شراء الأراضي، فكتب يقول: «أشار عليّ بأن أتابع نشاطي المعهود لكنه قال إنه من الأفضل ألا نرحّل العرب إلى سوريا وشرق الأردن، فهما جزء من أرض إسرائيل، بل إلى بلاد ما وراء النهرين (العراق)» (6). وما قاله رحبعام زئيفي في اجتماع قيادة هيئة الأركان الإسرائيلية يوم التاسع من حزيران بأنه «علينا أن نحصل على هضبة نظيفة من السكّان» (7). 
إن «منطق الاستعمار الاستيطاني هو الإزالة» كما يقول باتريك وولف، بمعنى إزالة السكّان الأصليين والجلوس مكانهم بقوّة السلاح. وإن ما حدث في الجولان هو تطهير عرقي حقيقي، مارسته إسرائيل خلال وبعد عدوان 67، بهدف استكمال المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني. إذ ما معنى أن يُهجَّر ما يقارب 130 ألف نسمة من أصل 139 ألف؟ 
إذن نحن أمام محو عنيف ومتصاعد للمنطقة بأكملها استمرّ ما يقارب الستة أشهر التي تلت الحرب حيث تضمّن هدم قرى وقطع مصادر تزويد السكّان بالمياه والغذاء، وتهديدات بالقتل لكل من رفض الترحيل. فالجولان سقط في 9 حزيران / يونيو 1967 ولم يكد يمضي شهر واحد فقط حتى كانت الجرافات الإسرائيلية تباشر تدمير القرى العربية ومحو معالمها عقب رحيل السكّان نحو المناطق غير الخاضعة للاحتلال (8).
وما حدث مع سكّان قرية سحيتا واحد من الأمثلة على ذلك، حيث قام الجيش الإسرائيلي بإخلائهم ونقلهم إلى قرية مسعدة، بعد أن وعدتهم سلطات الاحتلال بعدم المساس ببيوتهم وبأنها ستعيدهم إلى القرية بعد أن تتحسن الظروف. لكن ما حدث أن الجيش الإسرائيلي قام بهدم كل البيوت بعد إخلاء القرية من السكّان، وحتى اليوم لم يسمح الاحتلال للسكّان بالعودة وأُعلنت القرية وجزء كبير من أراضيها منطقة عسكرية مغلقة ممنوع على السكّان دخولها (9).
تجلّت السيطرة الإسرائيلية على الجولان من خلال سنّ الكنيست الإسرائيلي عام 1981 قانوناً يقضي بضمّه وتطبيق القوانين الإسرائيلية عليه، فعملت إسرائيل على فرض الجنسية الإسرائيلية بالقوة على السكّان، إلا أنهم رفضوا ذلك رفضاً قاطعاً وتمسكوا بهويتهم القومية العربية، وألقوا ببطاقات الهوية الإسرائيلية على جوانب الطرقات، فدفعوا ثمناً لموقفهم الرافض وتعرّضوا للتنكيل والاعتقال وحكم على عدد منهم أحكام عالية ومورست ضد عدد كبير منهم سياسة الاعتقال الإداري التي تستند إلى قوانين الطوارئ التي سنّتها بريطانيا عام 1945. وعملت حكومة إسرائيل وبشكل مستمر على استبعاد السكّان من المشاركة في إقرار برامج وسياسات التخطيط الذي يتمّ بشكل مركزي ومن الأعلى للأسفل، وتعقيد شروط البناء والعمران وسياسة هدم البيوت، والتمييز في النظام التعليمي حيث يتمّ العمل على نزع أي صفة قومية عروبية عن سكان الجولان من خلال فصل مدارس الجولان عن القسم العربي في جهاز التعليم وضمها للقسم الدرزي وإنشاء برامج تعليمية خاصة بالدروز بهدف تعزيز هويتهم الطائفية على حساب الهوية القومية، عدا عن كون الجولانيين لا يشاركون بإعداد هذه المناهج التعليمية (10).

الاستيطان في الجولان
منذ اليوم الأول للاحتلال أعلنت إسرائيل أن الجولان منطقة عسكرية مغلقة يحظر على الناس دخولها، حتى يتسنّى لها استكمال مخطط «التطهير» والسيطرة بعيداً عن الضجة ووسائل الإعلام، وبالتالي تكون قد ثبّتت أمراً واقعاً لا يمكن تغييره، وبعد شهر واحد فقط من الاحتلال كانت أول مستوطنة تقيمها إسرائيل في المناطق المحتلة هي في الجولان في 14 تموز / يوليو 1967 وهو كيبوتس «ميروم هجولان» (11).
في أواخر عام 1970 قال دافيد بن غوريون: «إن الضرورة تحتّم حالياً وفي أقرب وقت ممكن، إقامة عشرين مستوطنة يهودية في هضبة الجولان بالإضافة إلى المستوطنات القائمة حالياً. ذلك أن هذه الوسيلة في نظري هي من أنجح الوسائل التي يمكن بواسطتها إبقاء هذه الهضبة تحت سيطرتنا. إن العالم حينذاك لن يبادر إلى طرد اليهود من هذه المنطقة» (12).
أقامت إسرائيل في الجولان المحتل 34 مستوطنة يسكنها حوالى 26 ألف مستوطن يعيشون على أنقاض القرى العربية المدمَّرة، أكبر هذه المستوطنات من حيث عدد سكانها هي مستوطنة «كتسرين» وفيها 8,141 مستوطن، بُنيت عام 1973 تحتوي على عدد من الخدمات الاجتماعية ومراكز التسوق ومركز مجتمعي وحديقة حيوانات وتمتاز بكثرة الحدائق وطبيعتها الجاذبة للسيّاح (13). تليها مستوطنة «خسفين» بُنيت عام 1978 ويسكنها حوالى 1,455 مستوطن وتتميز بنمط حياة ديني وهي بمثابة مركز تعليمي للصهيونية الدينية في الجولان المحتل، أقام الاحتلال على مقربة منها محمية «نوفيس آيريس» الطبيعية (14). وأصغر هذه المستوطنات هي مستوطنة «نمرود» تأسست عام 1982 وهي أعلى مستوطنة في الأراضي المحتلة وتسكنها حوالى 13 عائلة إسرائيلية (15). 
حين نلقي نظرة سريعة على خريطة الاستيطان في الجولان نلاحظ أن للعامل العسكري أهمية استراتيجية في توزيع المستوطنات، فهي تنتشر في نطاقين: الأول يمتد على شكل قوس يبدأ من سفوح جبل الشيخ قرب بانياس ثم يسير بمحاذاة خط وقف إطلاق النار (10/06/1967) على امتداد المحور الرئيسي (طريق مسعدة ــــــ القنيطرة ــــــ الرفيد ــــــ الحمة) فيما يتمركز النطاق الثاني في جنوب غرب الجولان عند حدود (04/06/1967) بمحاذاة الشواطئ الشرقية لبحيرة طبريا (16). ونجد أن هناك عدداً ليس بالقليل من المستوطنات مقابل عدد قليل من ساكنيها، فمعظمها لا يتجاوز بمعدله الـ 700 مستوطن لكلّ واحدة. وهذا ما يفسّره كل من نيف غوردون وموريل رام في مقالهما حول التطهير العرقي وتشكيل أنماط جغرافيا الاستعمار الاستيطاني (17)، إذ افترضا «وجود علاقة بين الاكتمال النسبي للتطهير العرقي ونوع الاستعمار الاستيطاني الذي يجري إنتاجه، أي بشكل أوضح، فإن درجة ونسبة التطهير العرقي هي ما حدّد طبيعة الوجود الاستعماري وحدوده، ومثال ذلك الضفة الغربية والجولان، فالأولى كان فيها التطهير نسبياً، وبالتالي تم الضخ باتجاه إقامة استيطان مدني بالقوة العسكرية بشكل مكثّف واعتبار المستوطنين تقنية للسيطرة على السكان الأصليين ومنعهم من إقامة دولتهم. أما في الجولان فلم يكن هناك حاجة كبيرة لوجود عدد كبير من المستوطنين فدرجة التطهير العرقي كانت عالية وشبه كاملة». من أصل 139 قرية سورية بقيت 5 قرى تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي والباقي تم هدمها ومحوها بالكامل وطرد أهلها، وبالتالي فإن أعداد المستوطنين اليهود في الجولان يعد كافياً لتأمين التوازن الديمغرافي في هذه المنطقة.

الاستثمارات في الجولان وصناعة النبيذ
تشير قاعدة البيانات التابعة لـ «مركز الأبحاث الإسرائيلي المستقل» (Who Profits 18) إلى وجود 73 شركة عاملة ومستثمرة في الجولان المحتل، معظمها من القطاع الخاص، 48 منها إسرائيلية ومقرّها الرئيس إسرائيل، و17 شركة مقرها الرئيسي مستوطنات الجولان السوري المحتلّ، والعدد المتبقّي يتوزع ما بين شركات تقع مقراتها في الضفة الغربية المحتلة وأخرى عالمية صينية وأميركية وكورية جنوبية وهولندية. وحين ننظر بشكل سريع تظهر أمامنا الاستثمارات الأكثر حضوراً في هذه المنطقة وهي الاستثمارات الزراعية والصناعات الغذائية والصناعات التحويلة المعتمدة في غالبيتها على الموارد التي توفرها طبيعة الأرض في الجولان المحتل، حيث يشكل هذا المجال من الاستثمارات حوالى الثلث من مجموع ما يتم استثماره واستغلاله في مناطق الجولان وهي نسبة ليست بالبسيطة، والملفت أن كل هذه الشركات هي إسرائيلية مقرّها «إسرائيل» أو مستوطنات الجولان والضفة الغربية. ومثال ذلك شركة Aluma الزراعية التي تعمل على تصدير منتجات المستوطنات من خضار وفواكه، وشركة Assaf Winery لصناعة النبيذ ومقرها مستوطنة «كدمات تسفي»، وشركة Barkan Wineries العاملة في نفس المجال والتي تعتبر واحدة من أكبر مصانع النبيذ في إسرائيل والتي تقوم باستغلال أراضي جنوب الجولان للحصول على العنب، وشركة Bazelet Hagolan Winery لتصنيع النبيذ أيضاً من عنب الجولان، المشتهر بجودته العالية ولذّته، وشركة Beresheet لزراعة وتسويق الفاكهة الموسمية مثل التفاح والكرز... إلخ، ولهذه الشركة التي مقرها الجولان فروع كثيرة في مستوطناته. وإذا تتبعنا باقي القائمة فإن صناعة النبيذ من العنب الجولاني تأخذ الحيّز الأكبر بين الاستثمارات والصناعات. العنب الذي هُجّر وطُرد أصحابه وحُرموا منه في سياق استكمال مشروع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني.
تعمل باقي الشركات في قطاعات متنوعة منها ما يعمل في مجال التزويد بالغاز والكهرباء والماء مثل شركة Afek oil and gaz، ومنها ما يعمل في مجال أعمال البناء مثل شركة Agrotop وهي شركة إسرائيلية عالمية منخرطة أكثر في أعمال بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وشركة Airbnb الأميركية العاملة في مجال حجوزات السكن السياحية والتي سحبت استثماراتها مؤخراً من الأراضي المحتلة مستجيبة لدعوات حركة المقاطعة العالمية (19). وشركة Altice الهولندية العاملة في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية، وهذه الشركة متورطة بالعمل في مجالات السيطرة والأمن والمراقبة. وهناك عدد من البنوك مثل Bank ostar hahayal الذي يقدّم الخدمات المالية والمصرفية للمستوطنين في الجولان والضفة الغربية وشرقي القدس. وشركة E.P.R Systems للتكنولوجيا المتطورة ومقرّها الرئيسي في الضفة الغربية المحتلة، تعمل على تطوير البرمجيات المتخصصة بأنظمة المعلومات والأنظمة المالية في المستوطنات. وشركة Hyundai Heavy Industries الكورية الجنوبية وهي من بين أكبر خمس شركات للصناعات الثقيلة في العالم، تعمل في المناطق المحتلّة في مجال مراقبة السكان والخدمات والمعدات المتخصصة في بناء المستوطنات. 
أما بالنسبة إلى النفط ففي عام 2016 أعلنت لجنة المنطقة الشمالية أنها سمحت لشركة Afek الإسرائيلية باستمرار التنقيب على النفط في منطقة الجولان المحتلّ لمدة عامَين آخرين، على الرغم من الاعتراض الذي قدّمته جمعية الدفاع عن البيئة بحجة أن القوانين واللوائح لا تتيح للشركة الاستمرار في عمليات التنقيب لأكثر من عام واحد ولما فيها من «أضرار على المياه والصحة العامة في إسرائيل» بحسب تعبير الجمعية. فيما ردّت الشركة بأن استمرار عمليات الحفر يتيح لها «التأكد من وجود خزان نفط تجاري كبير في جنوب الجولان والذي قد يؤدي إلى انتعاش اقتصادي وتقليص للفجوات الاجتماعية في إسرائيل» (20).

إسرائيل ومياه الجولان
ترفض إسرائيل منذ قيامها، الفصل بين ثلاث قضايا رئيسة وهي: الأرض والمياه والأمن بما يخص الحدود على وجه الخصوص، وتعتبرها قضايا متصلة ذات أهمية واحدة. يمثّل الجولان خزان المياه الاستراتيجي ومصدر الثروة المائية الرئيسي بالنسبة إلى إسرائيل (21). هذا ما أكده إسحق رابين أمام أعضاء الكنيست، قائلاً: «ما من قوة في العالم ستزيحنا مقدار أنملة، إن لم يقم سلام، سلام حقيقي وسلام كامل مع الترتيبات الأمنية (...) كان رأيي ولا يزال، أن ثمة قدراً كبيراً من المخاطر الأمنية في أي تنازلات أمنية لسوريا. نحن نضع الكثير في الميزان ــــــ الأمن والسلام معاً ــــــ لكننا لن نوقّع أي اتفاق سلام مع دمشق إن لم نكن مقتنعين بأن أمننا مضمون» (22). وكذلك جاء تأكيد بنيامين نتنياهو على أهمية السيطرة على مصادر المياه لتحقيق الأمن المائي لملايين المستعمرين اليهود بقوله: «إن معظم العمق الاستراتيجي والثروة المائية هما عنصران هامان أيضاً، لدى الحديث عن مستقبل هضبة الجولان، فالجولان تسيطر على مصادر نهر الأردن وبحيرة طبريا، أي على 40% أخرى من احتياطي المياه في إسرائيل والتنازل عن هذه السيطرة، يعني أن نضع في أيدي السوريين القوة لتجفيف إسرائيل» (23).
إن ما ورد في كتاب «الصهيونية والسياسة العالمية» الذي صدر عام 1921 بأن «مستقبل فلسطين بأكمله هو في أيدي الدولة التي تبسط سيطرتها على الليطاني واليرموك ومنابع الأردن، ما يعني السيطرة على الجولان» (24) هو خير دليل على المعرفة والإدراك المبكر أهمية المنطقة في الأمن المائي لمشروع الدولة القادم أي إسرائيل. فمنطقة الجولان المحتلة تمتاز بغزارة مياه الأمطار التي تسقط عليها سنوياً خلال ثمانية أشهر وذلك بما يقارب 1.38 مليار متر مكعب سنوياً، فهي تعتبر أغزر أمطار سوريا. وتطلّ على مرتفعات الجولان قمة جبل الشيخ الذي تكسوه الثلوج طوال العام ويحتوي على أكبر مخزون مياه في المنطقة العربية. وبسبب غزارة مياه الأمطار التي تسقط على الجولان وتركيبته الجيولوجية فإن ذلك يساعد على تخزين المياه في جوف الأرض وبالتالي فإن المنطقة غنية بالمياه الجوفية والينابيع والآبار مثل: بيت جن والوزاني والنخيلة والدب والصيادة والكثير من الينابيع والآبار الجوفية التي تشكّل روافد أساسية لنهر الأردن ونهر اليرموك ووادي الرقاد وبحيرة طبريا وبحيرة مسعدة (25). 
وفي سبيل مأسسة وتثبيت السيطرة على موارد الجولان المائية أقامت إسرائيل عدداً من المشاريع مثل: مشروع بركة رام (برخوت رام) وهي عبارة عن فتحة بركانية قديمة (حوالى 400 ألف متر مكعب) وهي مصدر رئيس لمياه الزراعة في المناطق الشمالية من الجولان التي تستغلّها شركة «ميكيروت» الإسرائيلية لصالح الزراعة في المستوطنات (26)، ومشروع مجمّع القنيطرة المائي الذي نفّذته شركة «مي جولان» الزراعية الإسرائيلية في عام 2006 على مساحة 200 دونم وعلى بعد أمتار قليلة من خط وقف إطلاق النار عام 1973 بين سوريا وإسرائيل (27). 
إن أهمية المياه بالنسبة إلى المنطقة وإلى إسرائيل تجعل منها عاملاً حاسماً في الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي، لما للأمن المائي من أهمية وارتباط بمسألة الأمن الغذائي، وبالتالي فإن الاحتلال سيتمسّك بكل قوته بمنطقة الجولان حتى يضمن استمرار حياة ملايين اليهود الذين يعيشون داخل حدوده.

خلاصة
تعمل إسرائيل وبشكل حثيث على تثبيت وجودها في الجولان من خلال مضاعفة الجهد الاستيطاني وتنفيذ مشاريع استثمارية فيه، ومحاولة استغلال كل الموارد الموجودة في هذه المنطقة، واستقطاب رؤوس الأموال والمستوطنين للاستقرار في الجولان المحتلّ وربطهم بمصالح يتم تنفيذها في هذه المنطقة. وبالتالي فإن إسرائيل تعمل على تثبيت هذا الواقع لجعله غير قابل للتغيير أو منع العرب من التفكير في تغييره، مراهنة بذلك على تكثيف الاستيطان وزيادة الاستثمارات فيه. إسرائيل اليوم، بعد واحد وأربعين عاماً، أصبحت تتحدث عن «وجود تاريخي» لليهود في الجولان. وتمارس ضغوطاتها بشكل مستمر على الإدارة الأميركية الحالية للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان (28). ولا تكاد تخلو دعاية انتخابية لأي من الأحزاب الصهيونية المتنافسة من التأكيد على «العمق الاستراتيجي لإسرائيل في الجولان المحتل»، فقبل أيام وأثناء جولة انتخابية، قال رئيس قائمة «درع إسرائيل» بني غانتس: «لن ننزل عن مرتفعات الجولان» (29)، مكرراً تصريح رابين التاريخي بحرفيته.
إلا أن ذلك، وبكل تأكيد، لا يعني أنها النهاية والقدر المحتوم. ولا يمكن أن تكون الكلمة الأخيرة دائماً لإسرائيل في كلّ شيء. فأهل الجولان الباقون ما زالوا متمسكين بهويتهم وعروبتهم بينما تشهد المنطقة كلها متغيّرات كبيرة، وإسرائيل نفسها تدرك جيداً أن ليس كل هذه المتغيرات في صالحها

*صحافي فلسطيني وطالب ماجستير 
«دراسات إسرائيلية» في جامعة بيرزيت
(الاخبار اللبنانية)