مجاهرة أميركية من قلب عمّان بحرب اقتصادية على دمشق، انطلقت منذ «مؤتمر البرلمانيين العرب» بداية هذا الشهر، خاصة مع الحضور اللافت للوفد السوري، ما يؤكد أن الانفتاح على دمشق يبقى تحت رقابة أميركية حثيثة من إدارة دونالد ترامب أولاً، وممثلي الكونغرس بشقَّيه ثانياً
قطعت رئاسة مجلس النواب الأردني الطريق على النائب عبد الكريم الدغمي، بعد انتقاده الملحق التجاري الأميركي لدى عمّان، على خلفية اللقاء الذي جمع الأخير بممثلين عن قطاع الصناعة والتجارة، وما صدر عنه من «توجيهات» بقصر التبادل التجاري والمساهمات في الإعمار على العراق فقط. أما التعامل مع سوريا، كما يرى الأميركيون، فيعني خرقاً لقانون أصدرته حكومتهم يجرّم من يتعاملون مع دمشق، ويعاقبهم بتجميد أرصدتهم وودائعهم في البنوك، فضلاً عن التضييقات القانونية والملاحقات الشخصية، وهو ما رأى فيه النائب الأردني «بلطجة وزعرنة»، واصفاً آنذاك المسؤول الأميركي بـ«الأزعر والتافه والوغد».
صحيح أن الجدل مرّ سريعاً، لكن أوساطاً صحافية محلية أشارت إلى أن لقاءات السفارة الأميركية تكررت مع جهات اقتصادية أردنية أخيراً، ومنها ما جرى في «غرفة صناعة عمان»، و«نادي الملك حسين»، وأخرى في منزل وزير الخارجية أيمن الصفدي، وكلها شهدت «تحذيرات أميركية» من التعامل مع السوريين. مع ذلك، تبعت تحركاتٌ نيابية مداخلةَ الدغمي، إذ وقّع 20 نائباً عريضة يستهجنون فيها «التدخل الصارخ في التجارة الأردنية». يقول النائب خالد رمضان، لـ«الأخبار»، إن موقف واشنطن واضح، ولا يحاول المسؤولون الأميركيون إخفاءه، وما جرى خلال تلك اللقاءات مجرد تذكير بأن دمشق تحت الحصار الاقتصادي. وأضاف رمضان: «ما لم تأخذه واشنطن بالحرب، ستأخذه بالضغوطات»، مشيراً إلى أن التعاملات البنكية تشترط الموافقة على التزام الأفراد والشركات مقاطعة قائمة من الدول والمنظمات، منها سوريا، وفنزويلا أخيراً.
ويقلب هذا المستجد ما بدا من تفاؤل شعبي ورسمي رافق افتتاح معبر «جابر – نصيب» في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ولا سيما أن الأوضاع الاقتصادية في المملكة متأزمة أكثر بسبب حلول الاستحقاقات المالية، وارتفاع المديونية، وتراجع الدول المانحة عن وعودها، ولذلك لم يكن غريباً بدء وفود أردنية تحركات باتجاه دمشق، ومنها وفد تجاري برئاسة النائب السابق لـ«رئيس غرفة تجارة الأردن» غسان خرفان، الذي استنكر أيضاً تصريحات الملحق التجاري الأميركي، وقال إنها تتناقض مع السيادة الأردنية ومع اتفاقات التجارة العالمية، لافتاً إلى أن لا أحد مِمَّن حضر اللقاء مع المسؤول المذكور تقدّم بشكوى حتى اللحظة.
المتضرر الأكبر من منع التعامل التجاري هو الأردن لا سوريا
طريق عمّان ــــ دمشق المفتوحة رسمياً بحذر وبطء، يأمل الرابضون على طرفَيها انفتاحاً أكبر وعودة العلاقات إلى سابق عهدها، فضلاً عن تطلّعات أردنية إلى مرحلة إعادة الإعمار، بل كانت شخصيات في القطاع الخاص الأردني قد شدّت الرحال شمالاً لاستطلاع الوضع ومحاولة ترتيب تفاهمات مبدئية مع السوريين. في هذا السياق، يقول نقيب مقاولي الإنشاءات الأردنية، أحمد اليعقوب، إنه لا علم لديه بتهديدات السفارة، بل يوجد «تفاؤل كبير لدى قطاع الإنشاءات في المساهمة في الإعمار، من باب المصالح الوطنية المشتركة والخالصة». ويتساءل في حديث إلى «الأخبار»: «الأردن عانى ما عاناه من الأزمة، فما المطلوب منه الآن؟». وبخصوص الملاحقات الأميركية، قال اليعقوب: «القطاعات الأردنية غير كبيرة، ولا تملك فروعاً في الولايات المتحدة، فعن أي ملاحقة يتحدثون... معوّقات التعامل مع دمشق تتعلق بترتيبات وتعديلات قوانين يسعى الجانبان، الأردني والسوري، لتجاوزها».
أما عضو «نقابة المهندسين الأردنيين»، ساهر السلوادي، فقال إن الضغوط الأميركية لن تكون مباشرة على الأفراد وأصحاب الشركات المتوسطة والصغيرة، بل ستطاول الدولة. وأضاف السلوادي: «إذا فرض حظر اقتصادي على سوريا، فذلك يعيد إلى الأذهان عهد الحصار الأميركي على العراق في التسعينيات، وكيف توجهت قوافل شعبية لكسر هذا الحصار، وهذا أمر غير بعيد تنفيذه».
يشار إلى أنه منذ بداية العام الجاري، تسعى إدارة دونالد ترامب ومعها الكونغرس بغرفتَيه (النواب والشيوخ) إلى إحكام القبضة الاقتصادية على سوريا والدول الداعمة لها (إيران وروسيا)، والتحكم بمنافذ إعادة الإعمار. ويلاحَظ أيضاً أن وثائق الكونغرس، التي تتحدث عن تشريعات ومشاريع قوانين مثل مشروع «قيصر» (يفرض عقوبات إضافية على سوريا)، ارتبطت في المناقشات بمواضيع أخرى هي: تعزيز الدعم الأميركي لإسرائيل في مجال الدفاع والتسليح، وتوسيع التعاون في مجالات الدفاع مع الأردن، وفرض عقوبات إضافية ذات صلة بالصراع في سوريا، ومقاطعة الجهات التي تقاطع إسرائيل.
يعقّب الأمين العام لـ«حزب الوحدة الشعبية» الأردني المعارض، سعيد ذياب، لـ«الأخبار»، بالقول إن «تصريحات الملحق التجاري تعبر عن رؤية أميركية شمولية للمنطقة، وتربط حلفاء واشنطن بإحكام بها»، قائلاً: «لو نُفّذت تهديدات الملحق التجاري، فإن الخاسر هو الطرف الأردني، لأن سوريا لن تتضرّر، وهي في حالة اقتصاد حرب، من فقدان تعاملاتها القليلة حالياً مع الأردن»، منبّهاً في الوقت نفسه إلى أن «العنصر الحاسم هو التحركات السياسية والشعبية لرفض إملاءات السفارة».
لكن المراقبين لا يزالون متشائمين، ويرون أن واشنطن لن تسمح بأي تقارب يعطي الشارع الأردني والدولة فرصة تتنفّس من خلالها، لأن ذلك كفيل بخلق معطيات جديدة لعمّان، وهو أمر غير مسموح به إلى حين انقضاء الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة، وما سيتبعها من خطوات أميركية («صفقة القرن») لا يشعر الأردن الرسمي، وهو الحليف الأمين، بالارتياح حيالها.