نشر موقع "بلومبيرغ" تقريرا للصحافية فريشتي بنيوال والصحافي براتيك باريجا، يتحدثان فيه عن حملة رئيس الوزراء ناريندرا مودي لحماية الأبقار المقدسة في الهند.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى ضابط الشرطة جاويد خان، الذي يقدم الطعام لبقرة مربوطة في محطة الشرطة لديه، لافتا إلى أن رجال الشرطة لديه أتوا بالبقرة من الشارع، بعد أن طلبت حكومة اوتار براديش في شمال الهند من الشرطة أن يكونوا قدوة في تبني الأبقار الضالة، وهو ما يشكل آخر تعقيد في التوتر بين الهندوس، الذي يعبدون البقر، والمسلمين الذين يأكلون لحومها.
ويلفت الكاتبان إلى أن التقارير حول الاشتباكات بين المجموعتين بعد فرض قيود على الاتجار بالأبقار، ووجود مسالخ غير قانونية، أدت إلى جعل مزارعي أبقار الحليب يتركون أبقارهم التي لم يعودوا يريدونها في الشوارع.
ويورد الموقع نقلا عن خان، الذي كان يلبس زي الشرطة والمسدس الخاص به، قوله: "لم يهتم أحد بالأبقار الضالة في السابق.. لكن الآن يتصل الناس ويطلبون مساعدتنا إن كانت هناك بقرة بحاجة لحماية".
ويفيد التقرير بأن تشديد القوانين التي قام بها رئيس الوزراء ناريندرا مودي، المدعوم من القوميين الهندوس، خلق عاصفة إعلامية في البلاد مع بداية حملات السياسيين للانتخابات العامة، فتسببت الأبقار الضالة بإتلاف المزروعات، وحوادث السير، وإثارة موجة من عمليات القتل خارج القانون.
وينوه الكاتبان إلى أن هذه القضية تسببت باستقطاب بلد عدد سكانها 1.3 مليار شخص، 80% منهم تقريبا هندوس، بالإضافة إلى أن الهند يعيش فيها ثالث أعلى عدد سكان من المسلمين، مشيرين إلى أن المدافعين عن الأبقار الهنود قتلوا ما لا يقل عن 44 شخصا على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، بحسب "هيومان رايتس ووتش"، ومع أن ذبح الأبقار ممنوع في معظم الولايات الهندية، بما فيها أوتار براديش، إلا أن الإدارة السابقة لم تكن تطبق القوانين بصرامة.
ويذكر الموقع أن صعوبة بيع الأبقار للذبح أغضب بعض مزارعي أبقار الحليب، الذين كانوا يعتمدون على تلك المبيعات لزيادة دخلهم، بالإضافة إلى أنها أثرت على صناعات اللحوم والجلود في البلد، لافتا إلى أن تخريب الأبقار الضالة للمزروعات أثر على مزارعي الحبوب، وهم يشكلون كتلة أساسية يعتمد عليها حزب مودي بهاراتيا جاناتا (بي جي بي)، الذي يواجه انتخابات عامة في الفترة ما بين 11 نيسان/ أبريل و19 آيار/ مايو.
ويشير التقرير إلى أن مصير الأبقار الضالة احتل عناوين الأخبار في الصحف والتلفزيون، من قيام عصابة بقتل رجل مسلم لأنها وجدت في ثلاجته ما ظنت أنه لحم عجل، والقطار السريع الذي اصطدم ببقرة بعد يوم من تدشينه، ووفاة سائق دراجة في حادثة اصطدام ببقرة، لافتا إلى أن من يسمون أنفسهم حماة البقر يستخدمون الإنترنت للسخرية ممن يتاجرون بالبقر ويحاولون إقناع الناس بالعناية بالأبقار.
وينقل الكاتبان عن هيمانشو، الذي يدرس في جامعة جوهرلال نهرو في نيودلهي، قوله: "إن الأمر خلق أجواء من عدم الثقة في البلد"، وأضاف أنه يجب التخلص من الأبقار غير المنتجة لأنها لا تعطي المزارع أي عائد، لكن عدد ملاجئ الأبقار ليس كافيا، وسيبقى عدد الأبقار الضالة يزداد، "فعلى الحكومة أن تجد حلا طويل الأمد".
ويقول الموقع إن كثيرا من العناوين تأتي من أكثر الولايات سكانا، أوتار براديش، التي يحكمها حزب "بي جي بي"، حيث يوجد 40 مليون مسلم، ويشكلون خمس عدد السكان، لافتا إلى أن الشرطة في الولاية، التي يوجد فيها تاج محل، قامت بتسجيل قضية ضد 24 شخصا لطردهم الطلاب والأساتذة من مدرسة ابتدائية ليستخدموا المدرسة ملجأ للأبقار الضالة، بحسب تقرير في "إنديان إكسبرس" في شهر كانون الثاني/ يناير.
ويلفت التقرير إلى أن "دائرة مودي الانتخابية في ولاية أوتار براديش، التي لديها أعضاء برلمان أكثر من أي ولاية أخرى، ويتوقع أن تكون ساحة صراع خلال الانتخابات، ويقوم بحكم المنطقة راهب هندوسي عضو في حزب (بي جي بي) هو يوغي إديتياناث، وكانت موقع أسوأ صدام ديني عندما قامت عصابات الهندوس عام 1992 بهدم مسجد في أيودها، يعود تاريخه للقرن السادس عشر، ما أثار أعمال شغب مات فيها حوالي 2000 شخص، معظمهم مسلمون".
ويقول الكاتبان إنه كان على مودي أن يجد توازنا بين استرضاء المؤيدين الهندوس المتشددين ومزارعي الهند، الذين يبلغ عددهم 260 مليون مزارع، الذين أزعجهم تراجع أسعار السلع وتراجع الأجور، ووعد رئيس الوزراء أن يدفع مبلغ 6 آلاف روبية "86 دولارا" في العام للمزارعين الذين يملكون اقل من هكتارين "20 ألف متر مربع" من الأرض، وتصل هذه الهدية إلى 10.6 مليارات دولار تضاف إلى عجز الميزانية المتزايد.
وينقل الموقع عن جاغفير سينغ (50 عاما)، الذي يعمل في زراعة القمح في أوتار براديش، قوله: "قضية الأبقار ستسقط الحكومة الحالية.. الأبقار الضالة في كل مكان.. لقد حولت حياتنا إلى جحيم".
وبحسب التقرير، فإن هناك واحدة من كل خمس بقرات وجواميس في العالم تنشأ في الهند، بالإضافة إلى أن البلد تعد ثاني أكبر مصدر للحوم البقر بعد البرازيل، مشيرا إلى أن الصادرات تراجعت بنسبة 20% إلى 1.67 مليون طن عام 2018 من الرقم القياسي لصادرات 2014، بحسب بيانات من وزارة الزراعة الأمريكية، بالإضافة إلى أن الهند تنتج 2.5 مليار قدم مربع من الجلد في العام، وهو ما يشكل 13% من منتوج العالم، ويذهب كثير منه لصناعة الأحذية والملابس.
ويبين الكاتبان أن أبقار الحليب تعيش ما بين 12 و15 سنة، لكنها تنتج الحليب لمدة حوالي 7 سنوات، في الفترة التي يحملن ويلدن فيها، فهناك ملايين الأبقار التي تصبح غير منتجة كل عام، وكثير منها، بالإضافة إلى العجول الذكور غير المرغوبة، يتم اخلاء سبيلها ببساطة، لافتين إلى أنه بحسب إحصائية في عام 2012، فإنه كان هناك 5.3 ملايين بقرة ضالة في الهند.
ويقول الموقع إن المزارعين قاموا بإنشاء سياج أو استئجار حراس ليطردوا الحيوانات؛ لمنع الأبقار الضالة من دخول الحقول، مستدركا بأنه بالنسبة لكثير من المزارعين، فإن التكلفة أكبر مما يستطيعون دفعه، فيكلف السياج 50 ألف روبية لكل فدان "4047 مترا مربعا"، فيما يكلف الحارس 500 روبية في اليوم.
ويفيد التقرير بأنه "في قرية تبعد 100 كيلومتر عن محطة الشرطة التي يعمل فيها خان، فإن عشوق كومار (50 عاما) يقوم باستخدام عصا لطرد مجموعة أبقار دخلت حقله المزروع بالبطاطا، فتغادر الأبقار وتقطع الشارع لتدخل مزرعة أخرى تابعة لسناهاري لال، وهو مزارع أكبر سنا، وتقوم الأبقار بدوس مزروعاته، وهذا مشهد عادي في المجتمعات الزراعية في الهند، البلد التي يأتي ترتيبها رقم 103 من 119 دولة على مؤشر الجوع العالمي".
ويورد الكاتبان نقلا عن كومار الذي يزرع القمح أيضا، قوله: "لقد جعلت الحكومة حياتنا تعيسة.. فإن ضربنا الأبقار لأنها تخرب محاصيلنا، قد نرسل إلى السجن ونرفض الخروج بكفالة لأشهر، إن الأشخاص الذين يطلقون الأبقار هم من يجب أن يكونوا خلف القضبان".
ويستدرك الموقع بأن الأبقار راسخة بعمق في الأساطير الهندوسية، حيث (كمادهينو) التي تعد أم الأبقار كلها خرجت من بطن المحيط بعد معركة حامية بين الآلهة والشياطين، موفرة الحليب غذاء في الطقوس الدينية، والرسومات للورد كريشنا، والأبقار شائعة في البيوت الهندوسية.
وينقل التقرير عن مودي، قوله في شباط / فبراير في بلدة فريندافان المقدسة، حيث يعتقد أن اللورد كريشنا قضى طفولته: "البقرة أمنا.. لا أحد في الهند يمكنه أن ينسى أنه مدين بالحليب للبقر".
وينوه الكاتبان إلى أن بعض الحلول العملية برزت، فقالت حكومة أوتار براديش إنها تخطط للحصول على 6 آلاف فدان لبناء ملاجئ أبقار، بحسب ما أوردت "هندوستان تايمز"، إلا أن هذا سيتسع فقط لمئة ألف بقرة، ففي شباط/ فبراير خصصت الميزانية الفيدرالية 7.5 مليارات روبية لبرنامج الأبقار.
ويذكر الموقع أن حاكم ولاية أوتار براديش اقترح استخدام أموال الضرائب لتمويل الملاجئ، فيما يخطط المسؤولون لوسم الأبقار الضالة باستخدام الباركود لإنشاء قاعدة بيانات بتلك الأبقار، بالإضافة إلى أن هناك محاولات لاستخدام تكنولوجيا التلقيح الصناعي لضمان ولادة الأبقار الإناث فقط.
ويورد التقرير نقلا عن رامفير سينغ بونيا، وهو مزارع عمره 50 عاما، من سوجات ناغار، وهو ينتج القمح والبطاطا في مزرعته التي تبلغ مساحتها 12 فدانا، قوله: "يجب أن يكون هناك ما يكفي من الملاجئ لحماية الأبقار، لكن الآن يتم بناء تلك الملاجئ على الورق فقط"، وأضاف أن المشكلة أن "الناس يخلون سبيل أبقارهم غير المنتجة بصمت في الليل".
ويفيد الكاتبان بأن البلد تعتمد بشكل رئيسي على متطوعين، مثل أخيل مانغليك، الذي يدير ملجأ للبقر فيه حوالي 350 حيوانا مصابا، ويقول: "هذا يعد مستشفى للأبقار.. وعندما تدخل بقرة هذا المكان لا تغادره".
ويشير الموقع إلى أن البقرة تكلف 60 روبية في اليوم في الهند، وهو ما يصل إلى 1.6 مليار دولار للعناية بالأبقار الضالة في الهند كلها، وهذا دون حساب خسارة الأراضي الزراعية، ما يترك مودي في مأزق.
ويختم "بلومبيرغ" بالإشارة إلى أن المزارع تريموهان سنغ من أوتار براديش اختصر هذا المأزق بالقول: "بيت دون بقرة هو مكان للشيطان.. لكن المشكلة الرئيسية في حياتنا الآن هي الأبقار، إنها تدمر محاصيلنا الزراعية، ولا نستطيع فعل شيء تجاهها".