2024-11-24 05:53 م

نتنياهو يلمّ الخليجيين: التطبيع إلى العلن!

2019-02-15
نجح بنيامين نتنياهو في تصدير الصورة التي أرادها في وارسو. ودّ ولقاءات ووحدة صوت ضد إيران. هذا هو حاله مع ممثلي الدول الخليجية الذين دشّنوا، أمس، على الملأ، طوراً أكثر تقدماً من أطوار التطبيع الجاري على قدم وساق. أوصل مندوبو الممالك والإمارات رسالة واضحة مفادها أنهم مستعدون للذهاب إلى أبعد مدى في التعاون مع واشنطن وتل أبيب من أجل كسر شوكة طهران. لكن الحقيقة التي أعادت تأكيدها فعاليات «وارسو» هي أن هذا المشروع، الذي تُشكل تصفية القضية الفلسطينية العمود الرئيس فيه، لا يفتأ يواجه عقبات على مستويات متعددة، تجعل عمليات التحشيد الأميركية المتواصلة في إطاره أقرب ما تكون إلى الظواهر الصوتية.
لم يعد الأمر مجرّد تسريبات أو تأويلات أو تحليلات. رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو جنباً إلى جنب صقور الدبلوماسية الخليجية. لقاء حيّ بالصوت والصورة يعفي السعوديين والإماراتيين والبحرينيين من عبء النفي والتمويه والإيهام. عملياً، أخرج هؤلاء العلاقات من السرّ إلى العلن، لكن تدشينها سيكون «في وقته» وفق ما بشّر به وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة. نتنياهو بدا أكثر المغتبطين بالمؤتمر الذي انعقد على مدار يومين في العاصمة البولندية وارسو. بالنسبة إليه، شكّل المؤتمر «منعطفاً تاريخياً». كيف لا وقد أبصر التطور غير المسبوق في مستوى التقارب الخليجي ـــ الإسرائيلي النور، وبات يُجهَر به على رؤوس الأشهاد. ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي «اقتحم» قبل أيام كعبة المسلمين ليكرّس نفسه «خادماً لحرمَيهم الشريفين»، أوفد إلى وارسو وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير، فيما أرسلت الإمارات التي دخلت الأسبوع الماضي طوراً جديداً من التطبيع تحت شعار «التقارب بين الأديان» وزير خارجيتها أيضاً عبد الله بن زايد. أما البحرين، التي طالما مثلت بالنسبة إلى السعودية «عصفور الكناري في منجم» التطبيع، فمَن لِمَهمة من هذا النوع سوى وزير خارجيتها، الذي له قصب السبق في التودّد إلى الإسرائيليين؟ وخلف هؤلاء جميعاً، وزير خارجية لا يكاد يفارق مقرّ إقامته في الرياض، يجول ويصول بوصفه ممثّل اليمن. خالد اليماني لم يجد حرجاً في ملاصقة نتنياهو، بل ومنحه مكبّر الصوت ليصدح بالتحريض ضد إيران. إنها «لحظة تشرح القلب» كما سمّاها جيسون غرينبلات، مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، تجلّي بوضوح مرة جديدة التموضع الاستراتيجي الذي يُراد لليمنيين أن يؤخذوا إليه، وهم الذين لا تخلو ساحة من ساحاتهم من شعارات التضامن مع فلسطين ونصرتها.
قد تكون تلك المشهدية هي «الإنجاز» الوحيد لمؤتمر وارسو، الذي اجتهدت الولايات المتحدة، بشخص وزير خارجيتها مايك بومبيو، في التحشيد له. «إنجاز» يفترض أن تعقبه خطوات أكثر جرأة على طريق رصّ الصفوف الإسرائيلية والخليجية في مواجهة إيران، والدفع بـ«صفقة القرن» الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية قدماً، من دون أن يكون تحقيق أيّ من الهدفين مضموناً. صحيح أن مستشار الرئيس الأميركي وصهره، جاريد كوشنر، أبلغ المجتمعين في العاصمة البولندية نية إدارة دونالد ترامب إعلان بنود «صفقة القرن» بعد الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة في 9 نيسان/ أبريل المقبل، إلا أن الخطة الأميركية لا تزال تواجه عقبات كبيرة، على رأسها رفض الأطراف الفلسطينيين كافة التعامل معها. وهذا ما كرّره، أمس، المتحدث باسم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، نبيل أبو ردينة، حيث قال إن «الطريق الوحيد إلى السلام هو التفاوض مع القيادة الفلسطينية»، في حين كتب كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات على «تويتر» متسائلاً: «مكافأة الاحتلال، وقرار إلغاء مبادرة السلام العربية وقرارات قمة الظهران، مقابل ماذا؟».
أما على مستوى تشكيل تحالف ضد إيران، كان أُعلن أنه سيحمل اسم «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي» (ميسا) أو «الناتو العربي»، فلا تبدو الأمور أفضل حالاً. على رغم محاولات مايك بومبيو التسويق لما سمّاه «عهداً جديداً من التعاون»، وحديثه عن أن «أي دولة لم ترفع صوتها لتنكر الحقائق الأساسية التي توافقنا عليها جميعاً بشأن إيران، والخطر الذي تشكله»، إلا أن كلمة نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، جاءت لتظهّر حجم الهوّة بين واشنطن وشركائها الغربيين في ما يتصل بكيفية التعامل مع إيران. لم يتورّع بنس عن مهاجمة الدول الأوروبية التي «تمرّدت» على العقوبات الأميركية، وتجرّأت على إقرار آلية خاصة للتجارة مع طهران، واصفاً ذلك بأنه «إجراء غير حكيم»، ومعتبراً أنه «سيؤدي إلى تعزيز موقع إيران، وإضعاف الاتحاد الأوروبي، وإحداث شرخ أكبر بين أوروبا والولايات المتحدة». ودعا بنس الأوروبيين إلى الانسحاب من الاتفاق النووي، مهدّداً بأن العقوبات الأميركية «ستصبح أشد وطأة» إلا إذا «غيّرت طهران سلوكها الخطير والمزعزع للاستقرار». وهو ما لوّح به أيضاً بومبيو، الذي اعتبر «(أننا) نحتاج إلى مزيد من العقوبات، ومزيد من الضغط» على الجمهورية الإسلامية.
لكن الأوروبيين ظلّوا يغرّدون في سرب مغاير، إذ بعدما امتنعوا عن تسجيل مشاركة رفيعة المستوى في مؤتمر وارسو، وأرسلوا بأغلبهم ممثلين من الصف الثاني، جاءت مواقفهم لتصبّ في غير ما تشتهيه واشنطن، حيث شددت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، على أن «مواصلة العمل على تطبيق الاتفاق النووي كاملاً هي أولوية»، فيما أكد الدبلوماسي الألماني، نيلسن آنن، أن «أوروبا ليست منقسمة حيال قضية إيران»، وأنها «تدعم الاتفاق النووي». واعتبر دبلوماسي أوروبي آخر، لم يشأ الكشف عن هويته، أن «كل ما يهدف إلى دفع إيران للتصعيد، وخصوصاً في النووي، سيكون خطأ كبيراً نرفضه بشدة». وحده بنيامين نتنياهو كان يساوق التحريض الأميركي، من غير أن يلقى استجابة سوى من «وزراء خارجية دول عربية كبرى تحدثوا بقوة ووضوح ووحدة غير عادية ضد التهديد المشترك الذي يشكله النظام الإيراني»، على حدّ تعبيره. لكن هؤلاء يبدون أعجز عن تشكيل ائتلاف وازن بوجه إيران، في ظلّ الخلافات المتعددة الأوجه في ما بينهم، وتفاوت رؤاهم ومصالحهم. ولعلّ انعدام القابلية هذا يتبدّى في خلفية تصريحات المسؤولين الإيرانيين الذي لا يفتأون يشددون على أن مؤتمر وارسو «فارغ ومعدوم النتائج»، مثلما كرّر أمس الرئيس حسن روحاني خلال قمة سوتشي التي جمعته بنظيرَيه الروسي والتركي، في حين اعتبرت روسيا، على لسان مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبيزيا، أن ما جرى في العاصمة البولندية «طريق خاطئ للغاية».
(الاخبار اللبنانية)