2024-11-27 11:36 م

رسائل الإمارات من التسامح مع الديانات الأخرى

2019-02-02
بعد أيام يحل البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، ضيفاً على الإمارات لأول مرة في تاريخ الجزيرة العربية لعمل قداس بملعب رياضي يسع 120 ألف شخص، فيما سيكون شيخ الأزهر أحمد الطيب زائراً للعاصمة أبوظبي أيضاً.

ليس أتباع المسيحية والإسلام فقط مرحباً بهم في الإمارات، لكن أصحاب الديانات الأخرى مثل اليهودية يوجد لأتباعها معبد في الإمارات، وأيضاً هناك آخر للهندوس والبوذيين.

لكن ثمة مفارقة هامة رصدتها صحيفة The Wall Street Journal، نقلاً عن وزارة الخارجية الأمريكية، وهي التخوف الشديد وعدم التسامح مع أنصار تيار الإسلام السياسي، إذ تشرف وزارة الأوقاف بشكل كبير على خطب الجمعة، خوفاً من «انحراف أهدافها»، وتعتقل السلطات عدد كبير من المعارضين الإماراتيين من أبناء هذا التيار.

وبحسب الصحيفة الأمريكية فإن الإمارات لديها رسائل واضحة وهامة من وراء التسامح مع أصحاب الديانات الأخرى وهي: تعزيز فكرة تقول إنَّه في منطقة مزقتها الصراعات، يمكن للأشخاص أصحاب الثقافات والديانات المختلفة أن يجدوا أرضية مشتركة، وأيضاً محاربة التطرف والإرهاب.


ويشهد يوم الجمعة من كل أسبوع اجتماعاً في الدور الرابع بمركز المؤتمرات التابع لأحد الفنادق في دبي، إذ يصل بضعة آلاف من المسيحيين إلى الموقع لممارسة الشعائر الدينية في جلسات تستغرق ساعتين، داخل ما يمكن أن يوصف بأفضل كنيسة سرية ضخمة في العالم.

لا توجد لافتة خارج المركز لإرشاد الأشخاص إلى كنيسة Fellowship. ظهرت هذه الجماعة البروتستانتية تقريباً قبل عقد من الزمان في الإمارات، وحيث كانت ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين تُراقَب عن كثب، وكانت الكنائس المسموح بتشييدها محدودةً وتخضع لضوابط قانونية.

وبحسب الصحيفة الأمريكية القيود على أماكن العبادة خُففت تدريجياً في الإمارات. فقد أعلنت الإمارات 2019 «عام التسامح».

وبدأت كنيسة Fellowship ببضعة أشخاص، لكنها الآن تجتذب ما يقرب من أربعة آلاف شخص أسبوعياً من جميع الخلفيات الدينية إلى حضور الصلوات في فندقين. تعكس هذه الممارسات الانفتاح والتقبل لغير المسلمين في الإمارات، وهي عملية حالة تسارعت وتيرتها في الأعوام الأخيرة، مع تعزيز الحكومة روابطها مع القوى الغربية التي تقدر حرية العبادة، واستكشافها طرقاً لتقويض الانجذاب نحو التطرف الإسلامي، بحسب الصحيفة الأمريكية.

ونتيجة لهذا، يخدم معبد بوذي في الوقت الحالي، من داخل إحدى فيلات دبي، المغتربين القادمين من سريلانكا، وكمبوديا، وتايلاند. وكشف كذلك مؤخراً قادة كنيس يهودي كان يعمل سراً، أن الكنيس كان موجوداً بالفعل. فضلاً عن وجود معبد هندوسي كبير قيد الإنشاء. تقدم المؤسسات الدينية خدمات لمجموعة سكانية تتشكل في الغالب كلياً من عمال مغتربين قادمين من آسيا وأوروبا وغيرها.

كنائس منذ الستينيات

سمح حكام الإمارات بإنشاء الكنائس منذ الستينيات، وكانوا عادةً أكثر تسامحاً على الصعيد الديني من الدول المجاورة لهم، مثل السعودية.

لكن الحريات الدينية هنا تخضع لقيود. إذ إن الدستور الإماراتي يكفل حرية العبادة مادامت لا تتعارض مع الأخلاق والسياسات العامة، وذلك حسبما أوضحت وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها عن الحرية الدينية لعام 2017. ويحظر قانون البلاد أيضاً الإلحاد ونشر ديانات غير الإسلام.

لا تُظهر الإمارات كثيراً من التسامح تجاه الإسلام السياسي أيضاً، وتقدم السلطات توجيهاتها حول محتوى الخطب في المساجد، حسبما تقول وزارة الخارجية الأمريكية.

وأيدت حكومة الولايات المتحدة خطوات الإمارات نحو نشر التسامح. والتقى مسؤولون تابعون لوزارة الخارجية الأمريكية مع عدد من الرموز الدينية المحلية، حسبما أفاد أشخاص حضروا هذه الاجتماعات، وسط جهود للتشجيع على تحسين التفاهم الديني في الشرق الأوسط، إذ يُعزى جزء من هذه الجهود إلى مساعي مكافحة الإرهاب.

لم يكن الطريق نحو حرية ممارسة العبادة في الإمارات مفروشاً بالورود.

توجد حوالي 45 كنيسة مرخصة في البلاد، لكنها تخدم 700 تجمع مسيحي، وهو ما يجبرهم على التشارك في مساحة صغيرة لممارسة العبادات. ففي ردهة المركز التابع للكنيسة الإنجيلية بالعاصمة الإماراتية أبوظبي، يضع مجلس الكنيسة قائمة تضم 50 أبرشية، حيث تمارس العبادات. تُقدم الخدمات الكنسية في الإمارات عامة يوم الجمعة، وهو يوم يمارس فيه المسلمون شعائر صلاة الجمعة، وهو يوم العطلة الأسبوعية لأغلب السكان، بحسب الصحيفة الأمريكية.

قال قادة دينيون محليون إنهم يودون أن يروا تخصيص مزيد من المباني من أجل الكنائس، لكن كثيرين أيضاً يعترفون بأن القرار ليس بأيديهم.

«ليست بلادنا في النهاية»

يقول الكاهن أندرو طومسون، القسيس البريطاني في كنيسة القديس سانت أندرو الأنغليكانية في أبوظبي: «يوجد بكل تأكيد حاجة إليها. لكني أيضاً أحذر المسيحيين أنها في نهاية المطاف ليست بلادنا، وأشعر بالقلق من الشعور باستحقاق (إقامة المزيد من الكنائس)».

بدأت ظاهرة الكنائس المقامة في الفنادق في مدينة دبي قبل أعوام، بعد أن صار عدد المسيحيين أكثر من أن تسعهم المرافق الكنسية المصرح بها. بدأت التجمعات في الاجتماع حول المدينة، لكن السلطات حظرت الممارسة في نهاية المطاف خلال العام الماضي، وأشارت إلى وجود تشريعات معنية بالمؤسسات الدينية.

سُمح لثلاث كنائس فقط -بما فيها Fellowship- بمواصلة اجتماعها في الفنادق بعد مناشدات إلى الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، أحد أبناء العائلة الحاكمة في أبوظبي، الذي شغل منصب وزير التسامح منذ 2017.


وظهرت المخاوف من عدم قدرة التجمعات المسيحية على الاجتماع في أعقاب تلك الخطوة، وذلك في المناقشات التي دارت بين وفد من القادة الأنغليكانيين الأمريكيين وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، حسبما أفاد عدد من الأشخاص الذين حضروا هذه المناقشات.

قاد القس تيم ماكسون ممارسة دينية تُعرف بمناولة القربان المقدس في اجتماع عُقد مؤخراً في إحدى عطلات الأسبوع بكنيسة Fellowship، وهو تجمع كنسي في دبي بدأ منذ ما يقرب من عقد من الزمان.

تفاؤل بالمستقبل

وبحسب الصحيفة الأمريكية، قال قادة دينيون محليون إنهم يشعرون بالتشجيع إزاء التقدم التدريجي وإنهم متفائلون بشأن المستقبل. غادر كثير من الأنغليكانيين اجتماعاتهم وهم مطمأنين بأن المشكلة لا تنبع من اضطهاد متعمد للمسيحيين، بل من غياب إجراءات بيروقراطية واضحة توافق على بناء تأسيس كنائس جديدة، حسبما أوضح أعضاء الوفد.

في إحدى الممارسات الدينية التي احتضنتها كنيسة Fellowship مؤخراً، لم تكن هناك أي علامة على وجود قوات أمن أو أفراد من الحكومة ليراقبوا الداخل والخارج من المكان. وفي قاعة حفلات تابعة لمركز المؤتمرات، كانت امرأة فلبينية ترتدي سروال جينز باهت، وقادت فريقاً موسيقياً يتكون من 9 عازفين، وغنت الأغنية المسيحية «10,000 Reasons (Bless the Lord)» للمغنى المسيحي مات ريدمان.

قاد تيم ماكسون، أحد قساوسة الكنيسة، ممارسة مناولة القربان المقدس من أجل تجمعٍ بدا كما لو أنه قطاعٌ عريضٌ من العمال المغتربين في دبي، وهو خليط من جنسيات تضمنت فلبينيين وكينيين وأستراليين وأمريكيين وجنوب أفارقة وهنود.

قال جيم بيرغيس، القادم من ولاية أوكلاهوما، الذي صار أول قس متفرغ في كنيسة Fellowship قبل 10 أعوام: «لدينا أتباع للكنيسة المشيخية، والمعمدانية، والخمسينية، والكاثوليكية الرومانية، وكنيسة مار توما، والأنغليكانية، والأسقفية، والجمعيات الربانية. الناس غير مهتمين بالمسمى بنفس قدر اهتمامهم بما يوجد في الداخل».
(عربي بوست)