تصريحات نائب رئيس وزراء إيطاليا دي مايو التي انتقد فيها فرنسا محملا إياها مسؤولية هجرة الشباب الأفريقي إلى أوروبا، لاقت استحسانا من لدن شباب أفارقة على مواقع التواصل. فهل تقف فرنسا وراء "إفقار" إفريقيا، كما صرح دي مايو؟
"وأخيرا جاء شخص ليعبر عن ذلك بصوت مرتفع". هكذا كانت ردة فعل قراء موقع DW على الانتقاد الجديد الموجه لسياسة فرنسا الإفريقية من قبل نائب رئيس وزراء إيطاليا لويجي دي مايو. "فرنسا هي ذبابة أخرى تمتص إفريقيا"، كتب صامويل من بنين على فيسبوك. وقارء آخر من الكاميرون كتب :" وأخيرا يوجد شخص يسمي المشكلة. هنيئا لك لويجي"
والمشكلة أثارها دي مايو، العضو القيادي في أقوى حزب إيطالي الذي أعلن أن فرنسا تتحمل مسؤولية رئيسية في موجات الهجرة من إفريقيا. " إذا وُجد أناس يهربون (من بلدانهم)، فهذا يعود لكون بعض البلدان الأوروبية ـ لاسيما فرنسا ـ لم تكف أبدا عن استعمار إفريقيا".
الوحدة النقدية في قفص الاتهام
وطالب السياسي الإيطالي بأن يعاقب الاتحاد الأوروبي فرنسا لأنها تدفع الأفارقة إلى الفقر. وكدليل على الاستعباد المتواصل يذكر حزبه العملة النقدية لأربعة عشر بلدا في غرب إفريقيا ووسطها من السنغال عبر تشاد إلى جمهورية الكونغو: والغالبية هي مستعمرات سابقة لفرنسا، وتستعمل الفرنك الإفريقي الذي بدأ مربوطا بالفرنك الفرنسي فترة من الزمن ليصبح فيما بعد مربوطا باليورو بتأطير من الخزينة الفرنسية.
والعملة النقدية تنقسم رسميا إلى منطقتين نقديتين مع بنكين مركزيين في دكار وياوندي، عاصمتي السنغال والكاميرون. والعملة النقدية مرتبطة بسعر صرف اليورو ويمكن بالتالي استبدالها. وهنا تقع بعض البلدان التي بها أضعف دخل في العالم. وفي المجموع يستخدم 150 مليون شخص الفرنك الإفريقي.
وبتصريحاته، أثار نائب رئيس الوزراء الإيطالي دي مايو، الذي يشغل في نفس الآن منصب وزير الاقتصاد والعمل، أزمة دبلوماسية مع الجارة فرنسا. وفي إفريقيا، ولاسيما في منطقة الفرنك الإفريقي، حصد في المقابل الكثير من الاحترام. وكتب لوي إليفو من الكونغو على فيسبوك إن "الإمبريالية الفرنسية تتسبب في خسارة كبيرة، لاسيما في بلدان ذات دخل متوسط مثل ساحل العاج".
أسباب الهجرة واللجوء
في الوقت الذي أثار فيه الوحدة النقدية كسبب للهجرة، تسبب دي مايو في بعض الارتباك، يقول خبير الاقتصاد السنغالي، ندونغو سامبا سيلا في حديثه مع DW. ويضيف الخبير السنغالي "لا يوجد ارتباط مباشر بين الفرنك الإفريقي وموجة الهجرة نحو أوروبا. لا ينحدر عدد كبير من المهاجرين من منطقة الفرنك الإفريقي". لكن في الوقت نفسه يؤكد سامبا سيلا أن "الفرنك الإفريقي يساهم في فقر البلدان الإفريقية". الخبير سيلا الذي يعمل لصالح مؤسسة روزا لوكسمبورغ في دكار قال بشأن صدام الفرنسي الإيطالي "إنه "خلاف أوروبي، إذ أن إيطاليا سئمت من التوجه المتعجرف للفرنسيين تجاه سياسة الهجرة وأرادت توجيه ضربة علنية لسمعة فرنسا".
وبحسب الإحصائيات، ينحدر عدد قليل فقط من المهاجرين الذين انتقلوا في 2018 عبر البحر المتوسط إلى إيطاليا من أحد البلدان الواقعة في "منطقة الفرنك الإفريقي". وتفيد الأرقام أن غالبية المهاجرين جاءت من غينيا والمغرب، وكلاهما مستعمرتان فرنسيتان سابقتان لا ينتميان إلى الوحدة النقدية. فمالي وساحل العاج هما البلدان الوحيدان من هذه المنطقة التي ينطلق منهما عدد كبير من المهاجرين إلى أوروبا.
فرنسا تستفيد من إفريقيا
ويقول الخبير سيلا بأن فرنسا تستفيد إلى يومنا هذا من النظام النقدي للفرنك الإفريقي. وهذا النظام يعتمد على اتفاقيات تجارة تم التوقيع عليها مقابل استقلالية البلدان الإفريقية. وفرنسا تضمن لنفسها من خلال هذه الاتفاقيات القديمة منفذا تفضيليا لموارد المستعمرات السابقة. "منطقتنا النقدية تابعة لمنطقة اليورو. وهذا يعني أن بلدانا مثل النيجر وجمهورية إفريقيا الوسطى ـ من بين أفقر بلدان العالم ـ تملك نظاما ماليا يعكس ما يحصل في منطقة اليورو الغنية. إنه جنون تام".
فرنسا البلد المستعمر السابق يضمن لنفسه من خلال الشراكة سوقا لمنتجاته ومنفذا لمواد أولية رخيصة إضافة إلى التأثير السياسي والعسكري. وبالنسبة إلى الأفارقة تعني العملة النقدية أسعار فوائد مرتفعة، وبالتالي كميات كبيرة من الديون وعقبات تجارية ونمو اقتصادي ضعيف.
الفرنك وضعف النمو
إلا أن توبياس شتور من معهد الاقتصاد العالمي في كيل الألمانية لا يقبل حجة أن الفرنك الإفريقي مسؤول عن النمو الضعيف في تلك البلدان، بل إن الأسباب الرئيسية وراء انعدام التطور في تلك البلدان توجد أكثر "في التدبير الحكومي السيء والفساد"، كما يرى شتور. وارتباط العملة الإفريقية باليورو ييمنح بلدان إفريقيا الغربية في المقابل استقرارا عاليا في الأسعار:" التضخم ضعيف وهذا يضمن أجواء استثمار جيدة"، كما يقول شتور.