2024-11-30 05:44 ص

ابعاد زيارة نتنياهو الى تشاد

2019-01-19
بقلم: إيهاب شوقي

يحاول رئيس حكومة العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الايحاء بانتصار وفتح جديد في افريقيا، وهذه المرة عبر تشاد والتي يتوقع أن تعود العلاقات الدبلوماسية بينها وبين العدو، بعد أن انقطعت منذ العام 1972.

ولكن، هل يعد هذا فتحاً استراتيجياً؟ وما هي حقيقة هذه الزيارة؟ وما هو حجم مكاسبها ووزنها النسبي في تغيير معادلات المنطقة؟

تتطلب الاجابات تأملاً في الوضع البانورامي للمنطقة وكذلك الساحة الدولية، وذلك وفقاً للشواهد المعلنة، الا اذا كانت هناك بنود سرية لم يتم كشفها بعد، والتحليل قد يكون مفيداً للاستعداد لما هو خفي، ان كان موجودا.

بمقاييس الفتح الاستراتيجي، لا تعد الزيارة فتحا، فقد كانت المبادرة تشادية بالأساس، نظراً لوضع تشادي يتعلق بالواقع الجيوسياسي من جهة، وبالوضع السياسي للرئيس ادريس ديبي من جهة أخرى.

أولا: فيما يتعلق بواقع تشاد ومحيطها، فإنها تشعر بانكشاف استراتيجي، بعد زوال نظام معمر القذافي، جارها الشمالي، وبعد الزلازل المتلاحقة التي تهز عرش عمر البشير، جارها الشرقي، وبعد أن أحيطت بجبهات تكفيرية على حدودها في النيجر ونيجيريا والكاميرون، اضافة الى جبهات تشادية منشقة لا يعترف بها النظام التشادي، مثل المجلس الديمقراطي الثوري (CDR)، جبهة تشاد للتحرير الوطني (FROL – INAT) التي تتمركز في الجزائر، جبهة تشاد الوطنية (FNT) التي تتمركز في السودان، حركة الديمقراطية للتنمية (MDD)، جيش المقاومة ضد القوات المناهضة للديمقراطية (RAFAD) ويتمركز في شمال نيجيريا، اتحاد القوى الديمقراطية (UFD).

ولا تجد تشاد مظلة جامعة يمكنها الاحتماء بها، لا عربية جارة، ولا اسلامية، فبدأت بالبحث عن مظلات أخرى، قد توفر لها الدعم الغربي، وتمدها باحتياجات البقاء على مستوى الاقتصاد، وعلى مستوى السلاح، وخاصة الاسلحة القذرة الاسرائيلية.

ثانيا: فيما يتعلق بالرئيس ديبي، فهو مأزوم داخليا، بفعل الفقر الذي تتخطى نسبه 60%، رغم دخول البترول كعامل مستحدث في الاقتصاد التشادي، الا أن عوائده تنفق على الأسلحة، وهو ما سبب توترا بينها وبين البنك الدولي، والذي انسحب في العام 2008 من تمويل استثمارات نفطية بسبب توجه العوائد لمصارف أخرى مخالفة لاشتراطاته.

وكذلك بسبب أزمة ديمقراطية، حيث يحكم ديبي فعليا منذ عام 1990 بمساعدة فرنسية، وتولى رسميا عام 1996 الحكم وقام بتعديل الدستور للتمديد لنفسه، ومؤخراً أجريت تعديلات دستورية للانتقال إلى "نظام رئاسي شامل"، يمكّن الرئيس إدريس ديبي من البقاء رئيساً حتى العام 2033، وهو أمر ترفضه المعارضة في البلاد.

ولا تزال ذاكرة تشاد تحمل حصار المعارضة لقصره وعرض فرنسا باللجوء اليها كمنفى، ثم مساعدة سلاح الجو الفرنسي لقوات تابعة لديبي على فك الحصار وتمكينه من السلطة.

هنا يمكننا أن نرى حاجة تشاد للعدو الاسرائيلي والتي تتلخص فيما يلي:

1- الأسلحة، ولا سيما القذرة منها، لمواجهة الخصوم وحركات التمرد.
2- جسر للغرب ومؤسساته الدولية بديلا عن المظلات المتداعية مثل الاتحاد الافريقي ومنظمات الوحدة الاسلامية، والجامعة العربية التي كانت تشكل مظلة لدول اسلامية وافريقية في عهود التحرر الوطني.
3- المساعدات الاسرائيلية في المجالات التكنولوجية ولا سيما ما يتعلق بالمياه، نظراً لكون تشاد بلداً زراعياً يعاني من مشكلة في المياه.

أما على الجانب الاسرائيلي، فتتمثل الاحتياجات والمكاسب بما يلي:

1- مكاسب سياسية معنوية تساند نتنياهو في أزمته الداخلية.
2- نزع البعد الإسلامي عن القضية الفلسطينية، والتي كانت تستند إلى بعديها العروبي والاسلامي، وذلك بفرط عقد الاجماع الاسلامي على مقاطعة العدو الاسرائيلي، خاصة وأن تشاد يمكن أن يعقبها ولأسباب مشابهة، دول مثل النيجر ومالي.
3- العمل بالوكالة لصالح أميركا في اطار التنافس الفرنسي - الاميركي على ثروات القارة، خاصة أن تشاد تتمتع ببعض الثروات المعدنية مثل البترول الذي بدأ تصديره عام 2003، وهناك مخزون هائل من الذهب والحديد واليورانيوم والزنك والرخام والذي لم تستفد منه الدولة حتى الآن.

كل هذا لم يكن ليحدث، لولا تخلي الوكلاء الأصليين عن فلسطين وقضيتها، ودولة اسلامية كبرى مثل السعودية، بممارساتها التطبيعية، كسرت حاجز الحرج وفتحت المجال لرؤساء فاسدين ومعتمدين كليا على الغرب، لاعادة العلاقات مع العدو، في مفارقة سخيفة تاريخيا، فحواها أنه في لحظات ضعف استراتيجية غير مسبوقة، لا تحتاج الا لتضافر عربي اسلامي لالحاق الهزيمة به واستعادة الحقوق، بينما الحاصل هو تقديم العون له ومواجهة قوى المقاومة والتحرير وحصارها بدلا من حصار العدو!

تدرك "اسرائيل" جيدا ان هذا ليس فتحا استراتيجيا، وان الاوضاع قابلة للعودة لمرحلة التحرر الوطني، ولا سيما وان الانظمة التي تعتمد عليها تتميز بالهشاشة وبمعاداة شعوبها، وان الحلقة الخارجية للامن القومي لا قيمة لها مع تخلخل وخرق الحلقة الاولى المحيطة بها.
بينما لا تدرك الانظمة الافريقية والعربية والاسلامية التي تساند العدو هذه الحقيقة وتراهن دوما على السراب الاستراتيجي!