بات «الحديث العربي» عن الملف السوري يدور حول محور واحد هو «عودة دمشق» إلى المحور العربي. يأتي ذلك بعد سنوات من العمل الحثيث على «إسقاط النظام» وتجريم أي تواصل معه. بالأمس، وبعد زيارة الرئيس السوداني، جاء افتتاح سفارة الإمارات ضمن خطوة جديدة وهامّة لتكريس واقع جديد في العلاقة السورية ــــ العربية. علاقة لم تأتِ سوى بعد تثبيت انتصار الدولة السورية، ليكون «العائدون» مطعّمين بالهزيمة والانكسار أمام الأمر الواقع.
على رغم المعلومات المتواترة منذ أشهر عن نشاط القنوات السورية ــــ العربية في مسعى لإعادة العلاقات إلى حالها قبل سبع سنوات، جاءت عودة العمل في سفارة الإمارات العربية المتحدة لدى دمشق أمس، لتفتح الباب واسعاً أمام مبادرات أعمق على خط «عودة دمشق إلى الحضن العربي». الخطوة الإماراتية كانت قيد التحضير منذ أشهر طويلة؛ وسبق أن كشفت «الأخبار» في منتصف أيلول الماضي عن زيارة وفد إماراتي أمني إلى العاصمة السورية، لبحث ملفات عدة بينها إعادة نشاط السفارة. كما نقلت «الأخبار» عن مصادر لبنانية في منتصف تشرين الأول الماضي، قولها إن القيادة الإماراتية تسعى إلى «تكوين تجمّع عربي ليكون شريكاً في مستقبل سوريا السياسي والاقتصادي، مع التسليم بأنّ النظام الحالي برئاسة بشار الأسد باقٍ». البيان الرسمي الذي خرج عن وزارة الخارجية الإماراتية أمس، أكد وإن بكلمات مختلفة المعنى نفسه، إذ قال إن «هذه الخطوة تؤكد حرص حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة على إعادة العلاقات بين البلدين الشقيقين إلى مسارها الطبيعي، بما يعزّز ويفعّل الدور العربي في دعم استقلال وسيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية ودرء مخاطر التدخلات الإقليمية في الشأن العربي السوري». وأعرب عن تطلّع الإمارات إلى أن «يسود السلام والأمن والاستقرار» في سوريا.
وكان لافتاً أمس أن الجانب السوري لم يُظهر عودة السفارة الإماراتية بوصفها حدثاً غير اعتيادي. إذ أوفدت وزارة الخارجية السورية مدير المراسم لديها حمزة دواليبي، واكتفت بإصدار بيان مقتضب نُشر عبر صفحتها على «فايسبوك»، يشير إلى أن القائم بالأعمال بالنيابة في السفارة الإماراتية، عبد الحكيم النعيمي، باشر مهام عمله من مقر السفارة. وكذلك فعلت وكالة «سانا» الرسمية التي نقلت بيان وزارة الخارجية الإماراتية. وعقب الافتتاح الرسمي، دعا دواليبي، كما السفير العراقي في سوريا سعد محمد رضا، إلى عودة سفارات جميع البلدان العربية إلى دمشق. وفي المقابل، حاول التعليق الإماراتي الرسمي، عدا بيان وزارة الخارجية، وضع إطار «عربيّ» يبرر خطوة أبو ظبي. وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، أن القرار «يأتي بعد قراءة متأنية للتطورات، ووليد قناعة أن المرحلة المقبلة تتطلب الحضور والتواصل العربي مع الملف السوري حرصاً على سوريا وشعبها وسيادتها ووحدة أراضيها». وأضاف في تغريدة عبر «تويتر»، أن «الدور العربي في سوريا أصبح أكثر ضرورة تجاه التغوّل الإقليمي الإيراني والتركي»، موضحاً أن الإمارات تسعى اليوم عبر حضورها في دمشق إلى تفعيل هذا الدور، وأن تكون الخيارات العربية حاضرة، وأن تساهم إيجاباً تجاه إنهاء ملف الحرب وتعزيز فرص السلام والاستقرار».
التحرك الإماراتي اللافت لا يعني الإمارات وحدها فقط، بل يأتي ضمن سياق أوسع مدعوم بمبادرات وجهود روسية، كانت زيارة الرئيس السوداني عمر البشير، واحدة من محطاته. ففي موازاة الدعوات الشعبية والبرلمانية في بعض الدول العربية لإعادة العلاقات مع سوريا، تحدثت أوساط عدة عن جهود مستمرة، على أعلى المستويات الرسمية، لدعوة الجانب السوري إلى القمة العربية التي تستضيفها تونس في آذار المقبل. وينتظر أن تشكّل القمة الاقتصادية العربية، التي تستضيفها بيروت في كانون الثاني، منصّة لنقاش عربي واسع حول إعادة سوريا إلى الجامعة العربية عبر قمة تونس المنتظرة. وبينما تتحدث أنباء عن نيّة البحرين اقتفاء خُطى الإمارات، أفادت أوساط روسية بأن البحث جار بين سوريا والأردن، لرفع التمثيل الديبلوماسي في السفارة الأردنية لدى دمشق، خلال المرحلة المقبلة. وكشفت أن هناك «أجواء إيجابية» في شأن تعيين سفير أردني جديد، إلا أنها أكدت أن هناك «عراقيل سياسية» ينبغي العمل على تخطيها أولاً.
وجاءت خطوة أبو ظبي بعد أيام فقط على زيارة رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك، إلى مصر، وأنباء عن قرب زيارة وفد أمني مصري إلى دمشق، لبحث ملفات عدة بينها مصير مناطق شرق الفرات بعد الإعلان الأميركي عن انسحاب مرتقب من سوريا. وكانت أوساط «مجلس سوريا الديموقراطية» قد أكدت وجود اتصالات مع مصر لتيسير المحادثات بين المجلس ودمشق. ومن شأن فتح قنوات التواصل المباشرة بين دمشق وأبو ظبي، ومن خلفها بقية القوى العربية، أن تساعد في حلحلة عقد هذا الملف، خصوصاً أن الإمارات والسعودية كانتا قد تعهدتا بتغطية جزء كبير من كلفة تأهيل مناطق سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية»، وهما تملكان نفوذاً مهماً هناك.
وفي موازاة تلك التطورات، وفي خطوة غير رسمية، حطّت أمس طائرة مدنية سورية في مطار الحبيب بورقيبة الدولي في تونس، قادمة من دمشق للمرة الأولى من نوعها منذ العام 2012. وضمّت الرحلة التي تتبع شركة «أجنحة الشام» 143 مسافراً سورياً، حجزوا لقضاء عطلة في تونس، بمبادرة من «جمعية الجالية السورية في تونس»، التي نظّمت الحدث بالتعاون مع شخصيات وفعاليات تونسية، وعدد من وكلاء السفر في سوريا.
(الاخبار اللبنانية)