2024-11-27 06:49 م

السعودية تعلن الحرب على نساء الكونغرس الأمريكيات المسلمات

2018-12-18
علاء سالم
منذ انتهاء الانتخابات النصفية، عملت وسائل الإعلام المحافظة في الولايات المتحدة الأمريكية على استهداف إلهان عمر، وهي امرأة مسلمة ذات أصول صومالية ترتدي الحجاب وتمكنت من الظفر بمقعد في الكونغرس الأمريكي، بقدر كبير من الاندفاع، وفي إطار الرد على مساعي الديمقراطيين لإلغاء حظر ارتداء أغطية الرأس داخل مجلس النواب بهدف استيعاب إلهان عمر، تحدث السياسي والقس الأمريكي المحافظ إيرل والكر جاكسون، ضمن أحد البرامج الإذاعية للتعبير عن امتعاضه إزاء تحويل المسلمين للكونغرس الأمريكي إلى "جمهورية إسلامية".

يمتلك الحزب الديمقراطي العديد من النجوم السياسيين الصاعدين ذوي الخلفيات العربية أو الإسلامية، وقد أصبحوا جميعًا هدفًا لنظرية المؤامرة التي تُحاك ضدهم، في واقع الأمر، لا يقتصر الانخراط في خضم هذه الحرب الثقافية على المحافظين الأمريكيين فقط، حيث وجهت الهجمات المنظمة ضد السياسيين ذوي الخلفيات العربية والإسلامية من خارج البلاد، خاصة من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

أدت الانتخابات النصفية إلى تعزيز الشكوك القائمة في صفوف وسائل الإعلام في الشرق الأوسط عن النشاط السياسي الإسلامي في الولايات المتحدة، ولطالما عمل الأكاديميون ووسائل الإعلام المقربة من حكومات الخليج الفارسي على اتهام إلهان عمر ورشيدة طليب، وهي عضو الكونغرس المنتخبة حديثًا، وعبدول السيد الذي لم يتمكن من الظفر بمنصب حاكم ولاية ميشيغان، بأنهم أعضاء سريون لجماعة الإخوان المسلمين المعادية للحكومات السعودية والإماراتية.

يوم الأحد الماضي، نشرت قناة العربية المملوكة لسعوديين خبرًا مفاده أن عمر وطليب كانتا تمثلان جزءًا من تحالف بين الحزب الديمقراطي والجماعات الإسلامية بهدف السيطرة على الكونغرس الأمريكي، وزعم التقرير الذي نشرته القناة السعودية أن "السيدتين تتبعان توجهًا مناهضًا لترامب والخيارات التي يتخذها وفريقه السياسي، خاصة سياسته الخارجية ابتداءً من العقوبات المسلطة على إيران ووصولاً إلى حظر الإخوان المسلمين وكل حركات الإسلام السياسي".

في مثال آخر، ناقش برنامج حواري تليفزيوني بث على قناة إم بي سي السعودية موضوع دخول طليب وعمر للكونغرس الأمريكي، فضلاً عن تداعيات استئثار الديمقراطيين بالسيطرة على مجلس النواب في إطار أوسع، ومن جهته، تطرق المذيع العربي البارز عمرو أديب إلى هذه المسألة خلال حديثه مع العالم السياسي المصري معتز عبد الفتاح، الذي أفاد بأن نجاح ترامب في محاربة الإسلاميين سيقوضه انتصار الديمقراطيين، وبشكل عام، أصبحت الهجمات على عضوتي الكونغرس تتدفق من كل حدب وصوب من دول الخليج العربي، ليُصبح هذا التوجه في حد ذاته موضع نقاش في هذه البلدان، سواء على التليفزيون أم الإنترنت.

بين الفينة والأخرى، تصدر هذه الهجمات عن المسؤولين في هذه الحكومات الخليجية، حيث يبدون قلقهم إزاء إمكانية تقويض علاقات بلدانهم العامة، التي بذلوا من أجل تكريسها مجهودات جبارة للضغط على الأطراف المعنية وأموالاً كثيرة، وبعد مرور بضع ساعات فقط على انتخاب إلهان عمر، اتهمها أحد الموظفين في السفارة السعودية في واشنطن باتباع إيديولوجية الإخوان المسلمين، قائلا إنها قد نجحت في التغلغل داخل الحزب الديمقراطي.

في هذا السياق، نشر المستشار الثقافي في الملحقية الثقافية السعودية في أمريكا، فيصل الشمري، تغريدة ورد فيها: "ستكون إلهان عمر معادية للخليج ومناصرة للإسلام السياسي المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط"، وتجدر الإشارة إلى أن الشمري يعمل لصالح قناة "العربية" التابعة لقنوات إم بي سي ويضطلع بمنصبه في الملحقية التي تتبع السفارة السعودية في واشنطن.

تفطن عبدول السيد، وهو سياسي أمريكي ولد لمهاجرين مصريين، لهذه الهجمات القادمة من منطقة الخليج الفارسي خلال حملته الانتخابية، كما عملت وسائل إعلامية في الشرق الأوسط على تضخيم اتهامات صادرة عن المرشح الجمهوري لمنصب حاكم ولاية ميشيغان، باتريك كولبيك، التي تفيد بأن السيد كان على صلة بالإخوان المسلمين، وكمثال على هذه الاتهامات، ذكرت صحيفة اليوم السابع المصرية أن السيد خسر سباق الانتخابات نظرًا لصلته بحركة أمة الإسلام "المتطرفة"، فضلاً عن صلته بالناشطة الإسلامية الأمريكية ليندا صرصور، التي تُعرف بآرائها المتطرفة.

من جهته، أخبرني السيد أن النخب السياسية في بلدان مثل مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة شعرت بالتهديد من جانب السياسيين الأمريكيين الذين يعتنقون الدين الإسلامي، لكن قصة حياته تعتبر ملهمة بالنسبة لمواطني الشرق الأوسط العاديين، وعلى نحو مثير للسخرية، يتمثل أبرز دليل على أن الشرق أوسطيين قد استلهموا مثل هذه الممارسات، إبان فوز باراك أوباما بالانتخابات الرئاسية الأمريكية للمرة الأولى، حيث واجه آنذاك اتهامات كاذبة بأنه مسلم.

يمكن القول إن تنامي شهرة سياسيين مثل السيد وطليب وعمر سيقوض الحجة الرئيسية التي قدمها الديكتاتوريون في الشرق الأوسط، التي تقضي بأن شعوبهم ليست مستعدة لتقبل الديمقراطية، وخلال حديثه عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، صرح السيد قائلاً: "لا يمكن للمواطنين اعتلاء السلطة في بلدانهم، لكنهم ينجحون في تحقيق ذلك عندما يغادرونها، من السخرية أنه لا توجد طريقة يسمح لي من خلالها بالتطلع للاضطلاع بمنصب قيادي في مصر، مسقط رأس والديّ".

من جهة أخرى، يخشى حلفاء واشنطن في منطقة الشرق الأوسط من إمكانية دعوة القادة العرب الجدد في الحزب الديمقراطي إلى تغيير سياسي في بلدانهم، فبعد أن أنفقت ملايين من الدولارات على حملات العلاقات العامة في العواصم الغربية، تشعر دول الخليج العربي بالتهديد من جانب أي صناع سياسات يمتلكون مصالح مستقلة وعلى دراية  بشؤون المنطقة، الأمر الذي دفعهم إلى الإقرار بأن آراء هؤلاء المسؤولين فيما يتعلق بالانتهاكات الإقليمية لحقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية ما هي إلا تجسيد لتحيز شخصي.

في هذا السياق، نشر أحد المعلقين، الذي غالبا ما يتبنى وجهات نظر وتصريحات الحكومة وكثيرًا ما يعيد المسؤولون الحكوميون نشر تغريداته، مؤخرًا الإشاعة التي مفادها أن عمر تنحدر من أصول "يمنية حوثية"، وذلك سعيًا منه إلى تقويض انتقاداتها للحرب التي تقودها السعودية في اليمن، ويتمثل الهجوم الأكثر شيوعًا الذي شن عبر الإنترنت من الكتلة التي تقودها المملكة العربية السعودية ضد الديمقراطيين الأمريكيين المسلمين في تصنيفهم كأعضاء تابعين لجماعة الإخوان المسلمين، أو بشكل عام على أنهم إخوان، وهو مصطلح شامل يستعمل لوصف المتطرفين. في الواقع، انطلقت هذه الهجمات قبل فترة طويلة من انتخابات هذه السنة، فخلال سنة 2014، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة قائمة الإرهابيين التي شملت مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية بسبب علاقاته المزعومة بالإخوان المسلمين.

في الأثناء، بدأت الهجمات التي تحاول ربط عمر وطليب بالإخوان المسلمين تأخذ منحى جديًا بعد أن رحب مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية علنًا بانتخابهن عضوتين في الكونغرس، ومن جهتها، انتقدت نجاة السعيد، وهي أكاديمية تتخذ من دولة الإمارات العربية المتحدة مقرًا لها، وسائل الإعلام العربية لاحتفالها بانتصار السيدتين المسلمتين في الانتخابات النصفية، وأشارت إلى دعم مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية لهن كدليل على علاقتهن بالإخوان المسلمين.

في الإطار ذاته، اتخذت الهجمات على عمر منحى عنصري، فعلى الرغم من أن كل من طليب وعمر كانتا بمثابة أهداف للتشهير، كان من السهل على الخليجيين أن يوجهوا إهانات لعمر بسبب أصولها الإفريقية، خاصة مع انتشار الصور النمطية السلبية عن الأفارقة، العمال المهاجرون الذين يعاملون بطريقة سيئة في بلدان الخليج التي يعتمد اقتصادها على النفط، في جميع أنحاء المنطقة، وقد أصبح الأمر جليا من خلال الحملة التي أطلقت على وسائل التواصل الاجتماعي الشهر الماضي ضد عمر من أحمد الفراج، وهو كاتب وباحث سعودي يعمل مع شركة ترندز للبحوث والاستثمارات التي تتخذ من الإمارات مقرا لها، وهي شركة أسسها مسؤول ومستشار سابق في شرطة دبي.

لقد هاجم الفراج، عمر بسبب انتقادها لعدم رد ترامب على تقييم وكالة المخابرات المركزية فيما يتعلق باحتمال توجيه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لأمر بقتل جمال خاشقجي الصحفي السعودي الذي يعيش في الولايات المتحدة بالقنصلية السعودية في إسطنبول، وقد نشر الفراج تغريدة على حسابه على موقع تويتر الذي يتابعه عليه أكثر من 600 ألف مستخدم، قائلاً: "مثل هذه الشخصيات البائسة التي تأتي من العوالم المتخلفة تخفي كرهًا كبيرًا لعرقها ولكم أيضًا أكثر من أي عدو"، وقد تلت هذه التغريدة موجة من الهجمات العنصرية ردًا على ما قاله الفراج، كما نشر شخص آخر صورة لعمر مصحوبة بتعليق"عندما تشتري عبدًا، اشتري معه عصا لأنه قذارة بائسة".

بعيدًا عن موجة التعليقات العنصرية، كانت عمر محل تصيد بسبب اتهامين زائفين يتمثلان في عضويتها في جماعة الإخوان المسلمين وزواجها من شقيقها، بدأت هذه الوسوم تصبح الأكثر تداولاً خاصة بعد نشر العشرات من الحسابات المجهولة لنفس الاتهامات مع القليل من الاختلافات، علمًا أن هذه التغريدات تعكس ما تنشره حسابات معروفة تابعة للحكومة، ويشبه هذا النمط جيوش التصيد على تويتر التي يبدو أنها تستخدم بانتظام من محمد بن سلمان لإسكات منتقدي المملكة.

لا ينبغي أن يعتبر أمرًا مفاجئًا أن يطغي الذعر والخوف على ردود فعل الحلفاء السلطويون للولايات المتحدة ضد أصوات مثل طليب وعمر، لقد استفادت هذه الأنظمة دائمًا من حقيقة أنها تمثل الخيار الوحيد الخاطئ المتاح لصانعي السياسات في الغرب، حيث يعتبر المتطرفون في البلدان الإسلامية البديل الوحيد للديكتاتوريين، وغالبًا يقع تقويض هذه الحجة بوضوح من السياسيين الأمريكيين الذين يتبنون الانتماء الديني ذاته الذي تعتنقه أنظمة الحكم هذه، ولكنهم لا يشاركونها الاستهزاء بمبادئ الديمقراطية.



المصدر: نون بوست