2024-11-27 04:20 م

بوتين للأسد: نعتذر عن التأخير، الأس-300 صارت بأيديكم

2018-10-27
سمير الفزاع
ما زال الحديث عن منظومة أس-300 إلى سورية يثير الكثير من التساؤلات، ولكن سأحاول هنا طرح بعض الإجابات عن أسئلة لم يتم طرحها، أو أنها لم تنل الحدّ الأدنى من النقاش الذي تستحق، وهي: ما هي الأحداث خطيرة التي وقعت في 9/4/2018 و 10/4/2018 و 17/4/2018، وما علاقتها بترتيبات جنوب-غرب سورية، وتأجيل معركة إدلب، وبقرار موسكو القاضي بتزويد سورية بهذه المنظومات؟. * معركة الإنذار الخاطئ: في يوم 9/4/2018، أغارت طائرات صهيونية على مطار تي-4 في بادية حمص، وأدى ذلك إلى استشهاد عدد من الخبراء الإيرانيين، وتدمير وحدة الطيران المسير التي كانوا يديرونها من هناك وعربة دفاع جوي من طراز تور-أم إيرانية، واحتراق "هنغار" وعدد من السيارات الرباعية الدفع... ساعات قليلة، ويبدأ عدوان أمريكي-بريطاني-فرنسي بإستخدام الصواريخ الجوالة والقنابل الموجهة على عدد من الأهداف العسكرية والمدنية. تمكُن الجيش العربي السوري من تدمير نسبة مرتفعة جدا من هذه المقذوفات، وإسقاط بعضها سليمة تقريباً عبر وسائط الحرب الإلكترونية. هذه المعارك إلى جانب إسقاط طائرة أف-16 صوفا الصهيونية فوق الجليل بفلسطين قبل أشهر، قدمت مؤشرا كافياً على تزايد ثقة الجيش العربي السوري بنفسه، وقدرته على الإشتباك مع تحالف العدوان الذي يمتلك أحدث وأرقى الأسلحة، وتمتعه بخبرات رفيعة ومتنامية بوجه الهجمات الموسعة وضمن ظروف من التشويش والتمويه والأهداف المضللة... وهذا أمر بالغ الخطورة على كيان العدو، والوجود الأمريكي والغربي في سورية والمنطقة، وإهانة مروعة لأحدث أسلحة وتقنيات العدو بإستخدام منظومات دفاع جوي بعضها قديم والآخر قديم جداً... . لم تشف هذه الضربة غلّ الصهاينة وبعض الجهات الأمريكية والعربية؛ بل ورأوا فيها تسليماً أمريكيّاً مخزياً بسيطرة الجيش العربي السوري على غوطة دمشق الشرقية، وبداية إنكسار واشنطن وتل أبيب وأدواتهما في المنطقة الجنوبية-الغربية الأكثر حساسية وخطورة... فكان من الضروري جداً تذكير السوريين بموقعة البقاع 1982. في يوم 17/10/2018، دخلت منظومة الدفاع الجوي السوري في حالة تأهب واشتباك... لكنها لم تصب أهدافها، والسبب يعود الى تعرضها لهجوم الكتروني غربي أدخل شبكة الدفاع الجوي السوري في حالة إشتباك مع أهداف وهمية... ما يعني بأن منظومة الدفاع الجوي السوري باتت في حالة إنكشاف، وأن الأجواء السوريّة أصبحت شبه مستباحة، خصوصاً وأن منظومة الدفاع الجوي أس-200 الأبعد مدى، كانت الأكثر تضرراً بهذا الإنكشاف على العكس من المنظومات الأخرى القصيرة المدى والأحدث مثل بانتسير وبوك والتي إستمرت بالتصدي لمقذوفات الطائرات الصهيونية بكفاءة عالية. إستغل العدو الصهيوني هذه الثغرة الخطيرة، وصعد من استهدافه للمواقع السورية عبر صواريخ وقنابل موجهة يزيد مداها عن 100كم ليضمن بقاء طائراته خارج مدى المنظومات القصيرة المدى بانتسير وبوك وغيرها، والتي لا يزيد مداها عن 80كم... وتوقف إطلاق صواريخ أس-200 بشكل كامل تقريبا. توجه الجيش العربي السوري وحلفائه نحو غرب سورية وجنوبها بالرغم من كل الظروف، وبدأ بعملياته في منطقة (اللجاة) المعقدة، ثم بدأ بالتقدم نحو المناطق التي تُعد خطوطاً حمر صهيو-أمريكية، فعلى الصوت الأمريكي والصهيوني وتهديداتهما؛ بل وأسقطوا طائرة حربية سورية. إستخدمت سورية بعض من سلاحها الإستراتيجي، الصواريخ. أُطلق صاروخي "توشكا" نحو الحدود مع الجولان السوري المحتل وهما يحملان رسالة واضحة جداً: كما نعاني من "إنكشاف" سمائنا ستعانون، فشل الباتريوت ومقلاع داوود مقابل فشل أس-200، لو ذهبتم إلى المزيد من التصعيد هذه صواريخنا الجديدة للمواجهة، وليلة الصواريخ الــ55 خير شاهد، والنصر لمن يتحمل ويصبر، ولا عودة عن تحرير آخر شبر من دنس الإرهابيين. بلعت واشنطن وتل أبيب وأدواتهم ألسنتهم، حرر الجيش العربي السوري وحلفائه أرضه، وتراجع الخبراء والمستشارون الإيرانيون أكثر من 100كم عن حدود الجولان السوري المحتل. * توقف معركة إدلب: تقدمت جحافل القوات السورية وحلفائها نحو حدود محافظة إدلب، وبدأ الصراخ الكوني والتهديدات الغربية بضربة قاسية تقصم ظهر الجيش العربي السوري وحلفائه، وقد تطال حتى القوات الروسية المشاركة. إستجلبت ذريعة الكيمائي والفرق المتخصصة بتنفيذها، وتحضرت القوات الغربية في ميدان المعركة، وفرضت المزيد من العقوبات على روسيا وسورية وإيران... بالتزامن مع ارتفاع وتيرة الغارات الصهيونية على أهداف إمتلك بعضها حساسية عالية من حيث الموقع والوظيفة. في ظل "تجميد" إمكانات الدفاع الجوي السوري بعيد المدى، والتهديد بهجوم جوي وصاروخي كثيف قد يدمر ما تبقى من منظومات فعالة، وخطورة تدخل موسكو بشكل مباشر بطائراتها ودفاعها الجوي الموجود في سورية ضد هذه الهجمات، والمعلومات الموثقة عن هجمات كيمائية مرتقبة بالتزامن مع تقدم الجيش العربي السوري... تأجلت معركة إدلب، وتمّ تغليب التفاهمات المحلية والإقليمية والدولية على الخيار العسكري. لكن تراجع الخيار العسكري أغرى كيان العدو بالتمادي أكثر وأكثر، لتطال غاراته مواقع وأهداف لم يستهدفها من قبل، وبعضها كان أمام عين موسكو وأنفها... وصار الوقوع بخطأ ما يقلب المشهد مسألة وقت فقط. * نقطة التحول: قبل وبعد إسقاط طائرة إل-20، وقعت عدة أحداث تظهر وجود مخطط مدروس لهجوم معاكس أمريكي-غربي-إقليمي ردّاً على إنجازات الجيش العربي السوري وحلفائه، ولمنع تحويل هذه الإنجازات إلى معطيات سياسية-إقتصادية-أمنية تغير وجه المنطقة وجوهرها... مثلاً: التلويح بهجمات عسكرية مباشرة وعقوبات سياسية وإقتصادية ستتعرض لها سورية وروسيا وحلفائهم في حال الإقدام على تحرير ادلب من أدوات الغزو الارهابي، تعطيل الاتصالات "الكردية" مع الحكومة السورية وتعزيز النفس الانفصالي لديهم، انقلاب العبادي على الحشد الشعبي وإقالته لوزير الامن الوطني وقائد الحشد الشعبي فالح الفياض وانفجار أحداث البصرة، وتعطيل تشكيل قيادات المؤسسات العراقية في رئاساته الثلاث: البرلمان رئيس الجمهورية رئاسة الحكومة، بتدخل امريكي فاضح ومهين... ومنع تشكيل الحكومة اللبنانية، هجوم الاهواز في ايران واختطاف عناصر من حرس الحدود الإيرانيين على الحدود مع باكستان، وتفجير المدرسة في جزيرة القرم، تجميد واشنطن لاتفاق منبج وتدفق المال والمسؤلون السعوديون والإماراتيون نحو شمال-شرق سورية... وصولاً إلى منع فتح معابر سورية مع جيرانها وتحديداً الاردن... وإذا أضفنا إليها حالة الدفاع الجوي السوري، وحدثان إذا صدق الربط بينها وبين ذلك المخطط سنكون أمام مشهد غاية في الخطورة: الثلاثاء 16/10/2018، وتحت ستار مناورات "السماء الصافية" حاول طيارون أميركيون وصهاينة التعرف على خصائص وكيفية التعامل مع منظومات أس-300 الموجودة بأوكرانيا من جهة، والتمهيد لحدث ما في سورية من جهة ثانية. لقد كشف سقوط طائرة السوخوي-27 الاوكرانية عن أمر غريب حقاً، حيث قتل إلى جانب نائب قائد سلاح الجو الاوكراني العقيد "إيفان بيترينكو" المقدم الأمريكي الطيار "سيث جيثرو نيرنغ" قائد السرب (194) بولاية كاليفورنيا. الحدث الثاني، الخميس 18/10/2018، انفجار ضخم داخل معمل للتنظيمات الإرهابية تستخدمه لتصنيع وتحضير المواد الكيميائية، بإشراف خبراء أجانب بعضهم من الجنسية البريطانية في ريف إدلب. قد يقول البعض أن الطيار الأمريكي يحاول التعرف على خصائص سوخوي-27 المنافس العنيد لمقاتلة أف-15 الأمريكية، وهذا صحيح، ولكن ماذا لو كان الهدف إستغلال البيئة العسكرية-السياسية في المنطقة، والسعي لإنقاذ آخر الأدوات الإرهابية في إدلب، وإسقاط تفاهمات سوتشي وأستانة، وإعطاء المبرر لشن هجوم واسع على سورية قبل إكتمال تشغيل منظومات أس-300 أو تشغيلها بأيد سورية خالصة... بشن هجوم جوي عبر طائرة سوخوي مماثلة تستهدف هذا المصنع أو شبيه له، لتقع كارثة كبرى يقع بسببها مئات الضحايا، وتُحمل موسكو أو دمشق هذا الهجوم؟!. * ختاماً: لم تكن منظومة أس-300 حاجة سورية فقط؛ بل هي حاجة روسية أيضاً، فموسكو لا تستطيع الإشتباك على نحو متكرر مع تل أبيب كما لا تستطيع التهديد به دائما مع واشنطن... وأفضل السبل هو منح سورية إمكانات الدفاع عن نفسها وعن وجود القوات الروسية إلى أبعد مدى. ومن غير المقبول بتاتاً المغامرة بأهم إنجاز تحققه موسكو في القرن الواحد والعشرين، العودة إلى شرق المتوسط وقلب المشرق... لذلك أبلغ الرئيس بوتين شخصياً الرئيس بشار حافظ الأسد بقرار توريدها. وعلى الرغم من شهادة العدو بالقدرات الفنية العالية لمنظومات الدفاع الجوي أس-300 بمنصات إطلاقها الـ24 التي منحتها موسكو مجاناً لسورية، بالإضافة لعشرات المنظومات الأخرى التي تمّ تحديثها في المعامل الروسية والبيلاروسية، ومراكز قيادة الدفاع الجوي المؤتمته... يصرّ البعض على التقليل من خطورة الخطوة ومحوريتها. أنبههم بأنه وردت أنباء عن اختراق منظومة "كراسوخا" للحرب الإلكترونية للدفاع الجوي الصهيوني على الحدود مع قطاع غزه، مما تسبب في فشل نظامها، وشروعها بالإطلاق التلقائي للصواريخ المضادة. قياده جيش العدو، ومع التسليم بحقيقة الحادث، فضلوا الصمت. هذا الافتراض عقلاني تماماً، لان "كراسوخا" يعزي اليها الرحيل المبكر لحاملة الطائرات الأمريكية "هاري ترومان"من البحر الأبيض المتوسط بسبب الفشل المفاجئ لمعداتها وتجهيزاتها الإلكترونية... فأنتظروا إدلب والتنف وما بعدهما.