2024-11-24 05:23 م

القُدس في الرواية العربية كتوثيق لمدينة تُطمس على الأرض

2018-10-16
معاذ العامودي

"مدينة الله"، هكذا كتب الروائي الفلسطيني حسن حميد في روايته عن مدينة القدس، التي تتخذ نفس العنوان، فهي ساحة الصراع على مدار العصور، شواهد قبورها بلغات مختلفة وثقافات مختلفة، قرن من الزمان على آخر صراعاتها التي ما زالت حاضرة، صراع الهوية الدينية، وقد اشتغل الاحتلال الإسرائيلي منذ استيطانه على تغيير معالمها، شوارعها وثقافتها والكتابة على جدرانها، ما جعل الكتّاب يبرزون تاريخها وحاضرها، ويحافظون على بقاء معالمها في الكتب على الأقل ما دام الأمر الواقع غير ذلك، وقد احتضن الكتّاب والروائيون القدس بين جنبات أوراقهم، خطوها قصصًا، منهم من هو داخل القدس أو خارج المدينة أو خارج فلسطين.

صورة القدس للروائيين المقيمين في القدس

صدرت عدد من الروايات التي وصفت واقع القدس الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي، وكان أهم الروائيين في القدس ديما السمان في رواية "برج اللقلق"، وعلاء مهنا في رواية "مقدسية أنا"، وعزام أبو السعود في روايتيه "حمام العين" و"سوق العطارين"، وعارف الحسيني في روايته "كافر سبت" التي سنروي بعض تفاصيلها لاحقًا.

أبدعت سحر خليفة في روايتها "صورة وأيقونة وعهد قديم"، وأضافت المزيد في روايتها "أصل وفصل"، وقد تحدث يوسف العيلة عن "قصة حب مقدسية"، وربط الرواية بالسياسي والاجتماعي أسامة العيسة في روايته "المسكوبية" التي تمرد فيها على الوجع، في فترة حصار بيروت عام 1982، وتدور أحداث الرواية في مكان محدد هو سجن المسكوبية، وفضاء محدد مدينة القدس، باعتبار المسكوبية جزء من تراثها، وقد تحدث عن التعذيب والإكراه الذي مارسه الاحتلال الإسرائيلي بشكل قصصي مثير، تحدث عن المسكوبية وبنائها، ومرورها عبر التاريخ من حرب القرم إلى الانتداب البريطاني، هذا السجن الذي أصبح معتقلًا رئيسيًا للثوار الفلسطينيين ومقرًا للموت والتعذيب لهم.

ما أماني الجنيدي فكتبت روايتها الشهيرة "قلادة فينوس" التي تدور أحداثها عن قصة أم أيمن كشفت من خلالها الفساد الاجتماعي المتفشي في المجتمع الفلسطيني من خلال أحداث دارت في القدس المكان الأكثر قدسية، تناقض عجيب جمعت فيه بين قدسية المكان وعبث الإنسان، وصفت فيه الإنسان المقدسي البسيط، الشرس، وصورة اليهودي، والاغتراب الفلسطيني.

صورة القدس لدى روائيين يقيمون خارج الوطن

أهم تلك الروايات لحسن حميد بعنوان "مدينة الله"، وواسيني الأعرج في روايته الشهيرة "سوناتا لأشباح القدس"، وعلي بدر في روايته "مصابيح أورشليم... رواية عن إدوارد سعيد"، وسنتطرق في القادم لمدينة الله نموذجًا نفككه وأثر هذه الرواية على القارئ.

مهما كتب الروائيون فإن الأحداث تتسارع بشكل يومي في المدينة المقدسة لقتل علاقة الفلسطيني بها، بثقافتها وأجوائها وشوارعها ومياهها، ونباتاتها وقصصها القديمة والحديثة، لكن تبقى الرواية أحد أهم الأسلحة المتوفرة لتوثيق تاريخ المدينة وتأريخ أحداثها.

رواية "كافر سبت".. الواقعية في المدينة المقدسة

تغلق الأبواب في السبت عيد اليهود على المدينة المقدسة، ويجتمع المتدينون منهم أمام حائط البراق، فكاتب الرواية المقدسي مواليد المدينة، متخصص في الفيزياء والإلكترونيات، لكنه أضفى على روايته بُعدًا اجتماعيًا عابرًا، فروايته تسرد حكايات بسيطة بشكل أدبي ترتبط بأمكنة وأزمنة مقدسية وفلسطينية كما يراها الكاتب ابن المدينة لا المغتربين أو المبعدين عنها، أهل البلد بهوياتهم الزرقاء وبعض حديثهم المختلط باللغة العبرية، فيها يتداخل نبيل بشخصيته الساخرة ومواقفه الظريفة ليخرج بوصف جمالي للمكان، وحالة اللامكان في القدس.

تفاصيل تاريخية وسياسية بأسلوب حكواتي ساخر عميق الثقافة، يعتمد فيها الكاتب أسلوب التورية والتلميح عن أشياء يقصدها ليبتسم القارئ عبر شخصية نبيه البطل الذي لا تظهر نواجذه وهو يضّحك الحاضرين بحواراته باللهجة المقدسية الفريدة وبعض الكلمات الطريفة بعيدًا عن التعقيد والمبالغة.

من نص رواية "كافر سبت"

"لم أناقشه كعادتي، ولم أشتمه لأنه عنصريّ، كما كنت أفعل دومًا، ولم أستفزه بصراخي في وجهه: أن دولته هي دولة القانون، ولكن قانونهم هم، ومن أجلهم هم، ولم أعطه الفرصة ليقتادني خلفه مثل الكثيرين قبله، إلى أقرب مخفر، بتهمة السبّ والتطاول على موظف حكوميّ أثناء تأدية واجبه، لأقضي ليلة في الحجز، وأخرج بكفالة مالية، (غير مستردة) تذهب لخزينة الدولة كي تصرفها على الجيش والعسكر، ليقمعنا كما يجب، وقّعت هذه المرة على قبولي المخالفة بلطف وخنوع، وأكملت دربي...".
مقالات:القُدس في الرواية العربية كتوثيق لمدينة تُطمس على الأرض