نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية مقالاً للكاتب الإسرائيلي شوميل روزنر، تحدث فيه عن فكرة الكونفدرالية مع الأردن.
ويقول الكاتب في مقاله الذي ترجمته “شرق وغرب“ اللندنية: في يناير/كانون الثاني من عام 1968، وبعد بضعة أشهر فقط من الغزو الاسرائيلي للأراضي الواقعة على الضفة الغربية لنهر الأردن، تلقى رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول مذكرة تدور حول الطريقة المنطقية للتعامل مع الأراضي المحتلة حديثاً، وفقاً لما كتبه صاحب المذكرة، وهو البرفسور بنجامين آزكين، وتكمن هذه الطريقة في ضم تلك الأراضي للأردن، وهو البلد الذي تم اقتطاعها منه خلال حرب 1967.
ويضيف: كانت مذكرة آزكين، التي أُعيد نشرها في كتاب جديد للمؤرخ يوآف جيلبر، واحدة من أولى مفاصل ما يعرف بـ “الخيار الأردني”. وهو ما يزال خياراً حياً حتى اليوم.
ويشير إلى أن رئيس وزراء السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس كان قد أعلن الشهر الماضي أن إدارة الرئيس ترامب قدمت له في الآونة الأخيرة اتفاق سلام مبني على فكرة الاتحاد الكونفدرالي الفلسطيني مع الأردن. وقد رفض كل من السيد عباس والأردنيون هذا الاقتراح. ولكن لا تتوقع أن تختفي هذه الفكرة. فعلى مدى 50 سنة، أثبتت الفكرة القائلة بأن حل مشكلة الضفة الغربية يجب أن يشمل الأردن مرونتها.
ويتابع الكاتب: توضح لنا مذكرة 1968 المنسية منذ زمن أسباب هذا الأمر. فالاتفاق مع الأردن ربما لا يكون مستقراً، وفقاً لما كتب آزكين، ولكن الاتفاق مع الفلسطينيين سيكون أقل استقراراً. بالإضافة إلى ذلك، فإن العقد المبرم بين دولتين معترف بهما قانوناً سيكون أفضل من الاتفاق مع دولة لا وجود لها. ومع الأردن، يمكن لإسرائيل أن تضمن بعض الترتيبات مثل إخضاع بعض المناطق للإدارة المدنية. وإذا قام الأردن بخرق الاتفاق، فيمكن اللجوء إلى بعض العقوبات لضمان إعادة خضوعه – وهي العقوبات التي لا يمكن أن تشمل إلا بلد حقيقي.
ويلفت روزنر إلى أنه منذ العام 1967، لم تتمكن اسرائيل من تحديد إيجاد قيادة فلسطينية يمكن لها الوثوق بها للحفاظ على السلام وضبط الأمور. وبالمثل، لا تؤمن اسرائيل في الحقيقة بأن مقاطعة فلسطينية محاوطة ومحصورة بين اسرائيل والأردن يمكن لها أن تكون قابلة للحياة اقتصادياً. ولذلك لطالما أملت أن انفصال اسرائيل النهائي عن الفلسطينيين سيتضمن – لنقول بصراحة – ضمانة بوجود إشراف من قبل طرف آخر كبير.
ويمضي الكاتب في مقاله، فيقول: يُعتبر “الخيار الأردني” فكرة مقبولة وسائدة أكثر مما تعترف به اسرائيل علناً. حتى أن وزير الخارجية، شيمون بيريز، الذي أبرم اتفاقية أوسلو مع الرئيس ياسر عرفات منذ 25 سنة، لم يؤمن بأن وجود دولة فلسطينية معتمدة على نفسها هي فكرة جيدة، وفقاً لما رواه آفي جيل، وهو الرجل المقرب من بيريز لفترة طويلة، في كتابه الصادر مؤخراً. وقد كتب السيد جيل: “لم ينكر فكرة الكونفدرالية الفلسطينية الأردنية” . (اعتراف: أنا محرر كل من كتاب السيد جيل وكتاب السيد جيلبر).
ويتساءل روزنر: ما الذي سينتج عن هذه الكونفدرالية؟ في الحقيقة، توجد صيغ عديدة لهذه الفكرة ولكن الأغلب يقترح أن الفلسطينيين سيحصلون على ما هو أقل من دولة مستقلة بشكل كامل، بينما ستحصل إسرائيل على شريك أكثر من مجرد جار فلسطيني لا يمكن الوثوق به. ولتحقيق هذا، سيتولى الأردن السلطة على بعض أجزاء الضفة الغربية، مبقياً على حكمه كضامن للمواقع الإسلامية المقدسة في القدس، وسيصبح مركز الثقل السياسي والاقتصادي للفلسطينيين الذين يعيشون على جانبي نهر الأردن. كما سيصبح الفلسطينيون مواطنين في الكونفدرالية الفلسطينية أو الأردنية.
ويضيف: يرفض الأردنيون فكرة الكونفدرالية، ويرغب القليل جداً من القادة الإسرائيليين بالترويج لها علناً. ولكن من وقت لآخر ألوانهم الحقيقية تظهر. فمنذ عقد من الزمن وفي بداية قرننا الحالي، كتب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الجنرال جيورا ايلاند، في ظل رئاسة رئيس الوزراء آرييل شارون، عدة مقالات مؤثرة نصح فيها بالعودة إلى “خيار الماضي المتعلق بالكونفدرالية الأردنية”. كما تصورت آيليت شكد أيضاً، وهي وزيرة ذات نفوذ من حزب البيت اليهودي اليميني المتطرف، مستقبلاً يتم فيه ضم مناطق من الضفة الغربية للأردن. ومنذ بضعة أيام، تحدث جدعون ساعر، وهو وزير سابق وشخصية قوية في حزب الليكود الذي يقوده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، عن احتمالية “الربط في المستقبل بين حكم ذاتي عربي في يهودا والسامرة وبين مملكة الأردن.”
ويتابع الكاتب: بالطبع، تشير بعض التقارير إلى أن إدارة الرئيس ترامب، بقيادة جاريد كوشنر، تدفع أيضاً باتجاه الخيار الأردني. وعلى الرغم من أن الحكومة الاسرائيلية تنفي ذلك بشكل قاطع، إلا أن تقريراً واحداً على الأقل يقول بأن الفكرة قد صدرت عن الاسرائيليين أنفسهم.
ويواصل: ليس الأردنيون وحدهم من يرتابون بالخيار الأردني، فالفلسطينيين كذلك يفعلون. ووفقاً لاستطلاع رأي نشر هذا الشهر، تبين أن ثلثي الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة يرفضون هذه الفكرة. وينتج هذا الرفض الكبير للاقتراح، وفقاً لمنظم الاستطلاع، خليل الشقاقي، عن “نقص الثقة في فريق الولايات المتحدة الأمريكية والاشتباه الفلسطيني بأن الفكرة تهدف إلى استباق هدف إقامة الدولة الفلسطينية”. الفلسطينيون لديهم نقطة.
ويمضي فيقول: يبدو أن “الخيار الأردني” لم يصمد كون الاسرائيليين يحبون فكرة تسليم الأراضي المهمة تاريخياً ودينياً في الضفة الغربية لنهر الأردن إلى الأردن. إذ أنه من المؤكد أن العديد من الإسرائيليين سيشعرون بالإحباط عند رؤية بعض أقدس مواقعهم يتم حكمها من عمّان، عاصمة الأردن. ولكن الخيارات الأخرى تبدو أسوأ في نهاية المطاف: فالاحتلال العسكري للضفة الغربية ليس حلاً دائماً، على الرغم من أنه يبدو أكثر استقراراً مما توقعته أطراف خارجية عديدة. ولن يوافق الاسرائيليون اليهود على فكرة استبدال الدولة اليهودية بدولة واحدة يتم تشاركها مع الفلسطينيين. أما الخيار الآخر الذي نوقش طويلاً وهو “حل الدولتين” بحيث تعيش الدولة الفلسطينية جنباً إلى جنب مع اسرائيل، فهو يبدو أبعد من أي وقت مضى، وفقاً لما أثبتته المحاولات العديدة لتطبيقه.
ويعود الكاتب ليتساءل: هل تعتبر فكرة الكونفدرالية الفلسطينية الأردنية قابلة للحياة؟ لنكون صادقين، ليست كذلك. فالأردن يرفض هذه الفكرة بشدة، ولا يريد أن تتم زعزعة استقراره بإضافة أعداد كبيرة من السكان الفلسطينيين إليه. والفلسطينيون، من جهتهم، لا يزالون متمسكين بحلم إقامة دولتهم الخاصة. أما بالنسبة للمجتمع الدولي، حيث لا يزال حل الدولتين حلاً تقليدياً ومطروحاً، يتم رفض الفكرة باعتبارها حيلة من قبل اليمينيين الرافضين للسلام.
ويختم الكاتب مقاله الذي ترجمته “شرق وغرب” اللندنية بقوله: مع ذلك، انظر إلى الوضع في الشرق الأوسط. فنحن نحتفل الآن بالذكرى الخامسة والعشرون لتوقيع اتفاقية أوسلو، وهي صفقة احتفلنا بها كثيراً ولكنها لم تسفر عن السلام المنتظر. في غضون ذلك، نستعد لنسمع المزيد من التفاصيل حول خطط إدارة ترامب، تلك الخطط التي يتم وضعها من قبل أشخاص يقولون بأنهم مستعدون للتخلي عن “الحقائق الزائفة” المتعلقة بصنع السلام في الشرق الأوسط. وبالنظر إلى كل ما سبق، فإن فكرة الكونفدرالية الفلسطينية الأردنية لا تبدو أقل قابلية الحياة من الأفكار الأخرى. ولا تبدو بالتأكيد أقل متانة.