فوزي رمضان
” أميركا خدعت العالم واشترت ثروات الشعوب، وهيمنت على ممتلكات الدول، بحفنة من أوراق خضراء لاغطاء ذهبى لها، النظام المالى الاميركى قائم على الخداع والريبة، فالحكومة الاميركية ليست هى من يصنع الدولارات، وليست هى من يضمن قيمتها الشرائية، فمن يصنع تلك العملات هى مؤسسات خاصة ليس لها علاقة بالحكومة الاميركية،”
عن طريق قوة الدولار الناعمة، وباستخدام سلاح العقوبات، الفاعل القوى والمنخفض التكاليف، استطاعت الولايات المتحدة الاميركية تدمير دول وتغيير حكومات، وفرض سياسات خاصة على كل بلدان العالم بلا استثناء، بدءا من روسيا العظمى الى العراق المنهك، وصولا الى فرض عقوبات قاسية على ايران افقدتها 19% من قيمة عملتها، حتى تركيا الحليف الاستراتيجى لها، لم تفلت هى الاخرى من العقوبات الاقتصادية، والتى كبدتها خسائر متتالية وسقوط الليرة الحاد امام الدولار، من هنا فتش عن الدولار المهيمن والمسيطر بالقوة الجبرية على العالم . (يجب ان نلعب اللعبة كما صنعناها، ويجب ان يلعبوها كما وضعناها)، هكذا قال الرئيس الاميركى ريتشارد نيكسون عندما قرر ان يركع العالم اجمع امام الدولار، وعلى طريقة من لايعجبه يشرب من البحر، ألغى صرف الدولار مقابل الذهب، واعلن ان اميركا لن تسلم حاملى الدولار مقابل من الذهب، ولخوف العالم من بطش الالة العسكرية الاميركية، لزم الصمت والسكون، وارتضى ان يبادل سلعه وخدماته واصول ممتلكاته، باوراق خضراء بلا ادنى قيمة، والتى لاتساوى الا قيمة ورق الطباعة.
كلما حاولت دولة او تكتل اقتصادى الخروج من دائرة الاستعمار المالى، وهيمنة قوة الدولار فاقد القيمة، تحركت آلة البطش الاميركية للتنكيل، او لتدمير اقتصاد من يفكر في المساس بقوة اميركا الناعمة، التى تضاهى بل وتتفوق على ترسانتها العسكرية الهائلة، فقد حاول من قبل الرئيس العراقى صدام حسين، اتخاذ اليورو عملة للحسابات المالية، في اطار برنامج النفط مقابل الغذاء، بدلا من الدولار وطالب بتحويل مبلغ 10 مليارات دولار، التى تراكمت لحساب العراق الى عملة اليورو، حينها كان التدخل العسكرى المباشر، في العراق للتخلص من هذا الرجل الخطر، على النظام المالى الاميركى قبل ان يكون خطرا على اسرائيل.
وبعدها سقطت طرابلس وتدمرت ليبيا وقتل القذافى، عندما حاول ادخال عملة افريقية موحدة مرتبطة بالذهب، وهو ما سماه الدينار الذهبى الافريقى، وكانت بمثابة خطوة لتخليص شعوب القارة السمراء، من الاستغلال السيئ لمواردهم، وخروجهم من دائرة الديون والفقر، فكان الدينار الذهبى هذا، السبب لتدخل حلف الاطلسى والتخلص من القذافى، ليس هذا فقط بل عندما طرح الخبير الاقتصادى الفرنسى دومنيك ستراوش الرئيس السابق لصندوق النقد الدولى، ضرورة ربط الدولار بتغطية من الذهب، تمت عرقلة اقتراحه، بتلفيق تهمة الاغتصاب لعاملة نظافة في احد الفنادق الاميركية، وتمت محاكمته ودخوله السجن، والقضاء على سمعته المالية المشرفة.
الرئيس الروسى بوتين قالها بصراحة اميركا تسرق العالم ، واميركا تعلم ذلك والعالم ايضا يعلم ذلك، ولكن ما في اليد حيلة، وقد خدع العالم اجمع عندما وقعت اتفاقية بريتون وودز عام 1944، التى جعلت الدولار الاميركى هو المعيار النقدى الاول لكافة الدول مقابل غطاء الذهب، بمعنى لو ذهبت للبنك المركزى الاميركى بامكانك استبدال كل 35 دولار بأوقية من الذهب، لذا تكالبت معظم الدول، لجمع اكبر قدر من الدولارات في خزانتها على امل تحويلها الى ذهب، واستمر هذا زمنا حتى صدمة نيكسون، عندما اعلن ان الولايات المتحدة الاميركية، لن تسلم حامل الدولار مايقابله من ذهب، ولاصدى كان ولا اعتراض حصل او اعلان الرفض حتى، لان ذلك يعنى ان كل ما خزنته هذه الدول من مليارات الدولارات سيصبح ورقا بلا قيمة وهى النتيجة الأكثر كارثية.
اميركا خدعت العالم واشترت ثروات الشعوب، وهيمنت على ممتلكات الدول، بحفنة من اوراق خضراء لاغطاء ذهبى لها، النظام المالى الاميركى قائم على الخداع والريبة، فالحكومة الاميركية ليست هي من يصنع الدولارات، وليست هي من يضمن قيمتها الشرائية، فمن يصنع تلك العملات هى مؤسسات خاصة ليس لها علاقة بالحكومة الاميركية، فمن أربع مصارف مالية متحدة ومملوكة للعائلات الثرية اليهودية، ( ال روثشيلد، وال مورغان ، وال روكفيللر، وال ماربورج) ، تحصل الحكومة الأميركية على المال الذى تريده، عن طريق الاقتراض من تلك المصارف الخاصة بفائدة 2%،واذا توقفت تلك المصارف عن الاقراض ستنهار الرأسمالية الاميركية.
اميركا تعلم ان الدولار سينهار في الزمن القريب وبصورة مرعبة، وتعلم ايضا ان مركز التجارة العالمية يتجه الان وبقوة نحو اسيا، حيث الصين ثانى اقتصاد في العالم وسيحتل المركز الاول خلال سنوات، كذلك قوة الاقتصاد اليابانى والكورى الجنوبى ناهيك عن صعود الاقتصاد الروسى، وتعلم ايضا ان اتفاقية شنغهاى تتيح للدول تحت مظلتها للتعامل بالعملات المحلية، كذلك تتعامل تركيا مع الهند وايران وبلدان اخرى بالعملات المحلية، اضافة الى عجز الموازنة الاميركية وزيادة الديون التى بلغت 20 تريليون دولار، لذلك تدافع اميركا بشراسة لحماية دولارها من الانهيار حتى لو تطلب الامر استخدام اسلحتها النووية.
ان من يحمى الدولار ليس القوة الاقتصادية الاميركية كما نعلم، بل القوة العسكرية وعدم وجود منافس قوى امامه، اوراق الدولار لم تعد تعنى الثراء، وان الدولار لم يعد رمزا للثروة، فليست اميركا هى حاكم العالم، بل الدولار هو الحاكم الفعلى، لذا تسخر كل امكاناتها العسكرية والسياسية لحماية منظومتها المالية، والمتمثلة في الدولار بعد أن انفرطت خيوط اللعبة السياسة الدولية من بين ايديها، وفي الطريق دولارها المخادع، فإذا سقط الدولار سقطت اميركا.
الوطن العمانية