2024-11-26 03:25 م

كيف يؤثّر "صراع الأجيال" في قرارات واشنطن العسكريّة؟

2018-09-13
جورج عيسى
تدخل عناصر كثيرة في تحديد السياسة الخارجيّة وصياغة الرؤية العالميّة التي ترسمها أيّ إدارة أميركيّة. يُعتبر الرئيس أحد أهمّ أركان صناعة القرار في السلطة التنفيذيّة وغالباً ما يختار مستشاريه بناء على الرؤية نفسها التي يشاطرونه إيّاها. ومع ذلك، ليس شرطاً أن يستطيع الرئيس الأميركيّ الالتزام بالإطار العام للسياسة الخارجيّة الذي يكون قد عبّر عنه خلال حملته الانتخابيّة. والأمثلة على ذلك في المرحلة المعاصرة كثيرة حتى ولو كانت متفاوتة المدى بين كلّ من الرؤساء جورج #بوش الابن وباراك #أوباماودونالد #ترامب.

أراد بوش إبعاد واشنطن عن مشاكل العالم، لكنّه سلك مساراً معاكساً لذلك خلال رئاسته بعد هجمات 11 أيلول. أوباما أعلن خلال حملته الانتخابيّة عن توجّه مماثل غير أنّه وافق على عمل عسكريّ يقوده حلف شمال الأطلسي في ليبيا. أمّا ترامب فكان أكثر مرشّح انتقد حروب بلاده الخارجيّة داعياً إلى سحب جنوده سريعاً من ساحات المعارك المختلفة. استطاع المقرّبون منه إقناعه سابقاً بالإبقاء على قوّاته في أفغانستان ومؤخّراً بالإبقاء عليها في#سوريا، بحسب تقرير نشرته صحيفة "ذا واشنطن بوست" الأسبوع الماضي. علماً أنّه لم تمرّ ستّة أشهر على خطابه في أوهايو الذي وعد فيه بعودة الجنود "بأسرع وقت ممكن" إلى بلادهم.

أبعاد السؤال عن مونتينيغرو

يسعى أيّ رئيس أميركيّ إلى إرضاء قاعدته الشعبيّة وهو أمر تتوضّح صعوبته مع مرور الوقت داخل البيت الأبيض. قد تتألّف هذه القاعدة من طبقات اجتماعيّة واقتصاديّة متنوّعة، لكن الأهمّ من ذلك أحياناً، أنّها تضمّ تنوّعاً في الأجيال والفئات العمريّة. من هنا، درس عدد من الباحثين تأثير هذا التنوّع على منحى السياسة الخارجيّة لبلادهم.

في تمّوز الماضي، وجّه الإعلاميّ في "فوكس نيوز" تاك كارلسون سؤالاً إلى ترامب عمّا تمثّله #مونتينيغرو من أهمّيّة للولايات المتّحدة كي تذهب للدفاع عنها كدولة حليفة في الناتو لو هوجمت من قبل الروس. الباحث البارز في "معهد أبحاث السياسة الخارجيّة" نيكولاي غفوسديف رأى أنّ هذا السؤال يطرحه أيضاً مؤيّدو الرئيس الذين يبدون ميولاً انعزاليّة. لكنّه سؤال يلقى صدى إيجابيّاً أيضاً لدى جيل الألفيّة أو جيل "واي" (مواليد أواخر السبعينات حتى أواسط التسعينات) وجيل "زي" (مواليد أواسط التسعينات وحتى 2012). ومواليد هذين الجيلين هي الأقلّ ارتباطاً ببرنامج استكمال بناء "أوروبا كاملة وحرّة" والذي حدّد عصر ما بعد الحرب العالميّة الثانية.

جيل الألفيّة والشأن العام

يُقدّر جيلا "واي" و "زي" بحوالي 71 مليون و23 مليون نسمة على التوالي، بينما يُعدّ الأوّل هو الأكبر نسبيّاً بالمقارنة مع سائر الأجيال في الولايات المتّحدة. وهذا يعني أنّ له تأثيراً بارزاً على مستوى صناعة القرار الداخليّ كما الخارجيّ. من هنا، قد لا يكون تصاعد المسار "الانعزاليّ" للإدارات الأميركيّة مرتبطاً بأفكار رؤسائها وحسب، بل ربّما أيضاً بمدى انخراط هذا الجيل في الشأن العام. لكن بالرغم من ذلك، يثار التساؤل حول تخريج هذا الجيل للمسؤولين الأميركيّين الذين بدأوا أو سوف يتبوّأون مختلف المناصب الرسميّة في #واشنطن. فهؤلاء متخرّجون من مختلف الجامعات الأميركيّة وعملوا في مختلف مراكز الأبحاث التي استطاعوا من خلالها تكوين نظرة عن دور الولايات المتّحدة التاريخيّ والسياسيّ على الصعيد العالميّ.

ماذا تقول الأرقام الحديثة؟

في تقريرهم ضمن معهد "كايتو" في 29 آب الماضي، لفت كلّ من الباحثين أي تريفور ثرال ووليام روجر وإريك غوبنر إلى استطلاع رأي شاركوا في إعداده لصالح "مجلس شيكاغو للشؤون الدوليّة" في 25 حزيران الماضي. وجدت الدراسة أنّ 47% من جيل الألفيّين فضّلوا إبعاد الولايات المتّحدة عن شؤون العالم فيما رأى 51% منهم أنّ على بلادهم لعب "دور نشط" فيها. أتى ذلك مقابل 70% من جيل طفرة الولادات (46-64) والجيل الصامت (28-45) الذين يؤيّدون دوراً نشطاً أيضاً في هذا المجال.

ربط الباحثون بين "صراع الأجيال" والسياسة الخارجيّة مضيفين أنّ الأميركيّين الأصغر سنّاً ليسوا معارضين للتعاون الديبلوماسيّ والتجاريّ مع العالم، لكنّهم أقلّ دعماً لاستخدام القوّة العسكريّة بالمقارنة مع الأكبر سنّاً. على سبيل المثال، كان هؤلاء أقلّ دعماً للضربات العسكريّة على #سوريا أو على داعش أو لنجدة الحلفاء الآسيويّين. من الفرضيّات لشرح ذلك أنّ الأميركيّين الأصغر سنّاً شهدوا خلال نشأتهم حروباً طويلة وغير ناجحة ولم يختبروا فترة التفوّق الأميركيّ بعد الحرب العالميّة الثانية. قد تكون رؤيتهم للعالم كمكان أقلّ خطورة بشكل نسبيّ، ناجمة عن قلّة ثقتهم بجدوى القوّة العسكريّة: "إذا كنت لا تثق بالمطرقة، فقد لا يبدو أيّ شيء كمسمار"، يكتب الباحثون.

نطاق هذا التأثير

إذاً يبدو أنّ هنالك مساراً أقلّ تشدّداً في السياسة الخارجيّة تسلكه الأجيال الأميركيّة المتعاقبة مع مرور الوقت بحسب الدراسة. وقد يترك ذلك أثره في واشنطن خصوصاً على أبواب الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة. لكن بالمقابل، قد لا يكون هذا التأثير واسع النطاق. ربّما أكّدت التجارب داخل البيت الأبيض أنّ النظرة إلى العالم من الداخل مختلفة عمّا هي عليه من الخارج وأنّه لا يمكن إطلاق مقاربة جدّيّة لمسؤوليّات الحكم طالما أنّ الفرد لم يتحمّل عبئها فعليّاً. فالنظرة إلى شنّ حرب أو ضربة عسكريّة مثلاً قد تختلف بين شخص يسمع أسبابها من وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعيّ وبين الشخص نفسه حين يصبح محاطاً بالمستشارين السياسيّين والعسكريّين والتقارير الأمنيّة.

بشكل شبه مؤكّد يصبح شنّ الحروب مسألة أكثر تعقيداً وصعوبة داخل دوائر القرار في العاصمة الأميركيّة، لعدد من الأسباب من بينها نظرة جيل الألفيّة إليها. لكنّ ذلك لا يعني أنّ عصر الحروب أو حتى التدخّلات العسكريّة المحدودة، قد انتهى. سيظلّ هنالك دوماً توازن هشّ بين ما تريده القاعدة الشعبيّة وبين ما يراه المسؤولون الأميركيّون كمتطلّبات أساسيّة للحكم داخل واشنطن.
النهار اللبنانيةل