2024-11-26 03:38 م

هل الصين بصدد بسط نفوذها في أفريقيا؟

2018-09-04
طاهر هاني

بسط الغرب نفوذه على دول أفريقية كثيرة بقوة السلاح خلال القرن الماضي. أما الصين فهي تركز على "قوتها الناعمة" للتغلغل في اقتصاداتها والاستفادة من مواردها الطبيعية. فهل القمة الصينية الأفريقية السابعة، التي تعقد حاليا بالعاصمة بكين، قادرة على أن تعيد الكفة لصالح القارة السمراء أم ستكون مثل القمم الماضية؟

افتتح الرئيس الصيني شي جينبينغ الاثنين المنتدى الاقتصادي الصيني الأفريقي السابع(فوكاك) بحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس و53 زعيما أفريقيا بالعاصمة بكين.

ويعتبر هذا الحدث الاقتصادي الأكبر من نوعه في الصين نظرا للمشاركة القوية (حوالي 1000 شخص)، فيما يأتي في وقت تمر فيه الدول الأفريقية بأزمات سياسية واقتصادية مختلفة ناتجة سواء عن الصراعات المسلحة أوعن تدهور أسعار النفط من جهة أخرى.

وقال الرئيس الصيني في افتتاح قمة "فوكاك" إنالصين تقف على أهبة الاستعداد لتعزيز التعاون الشامل مع الدول الأفريقية لبناء طريق للتنمية عالية الجودة، تناسب الظروف الوطنية والشاملة والمفيدة للجميع" وأضاف:" إن الصين لا تفرض شروطا سياسية ولا تسعى وراء أية استفادة أو ميزة خاصة من تعاونها مع أفريقيا."، مؤكدا في الوقت نفسه أن الصين "ستقوم بجهود حثيثة وستبذل قصارى الجهود طالما تؤمن بأن ذلك يعود بالنفع على الدول الأفريقية ومواطنيها".

كما تأتي أيضا هذه القمة في وقت رفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الضغط على العديد من الدول الأفريقية كقراره عدم السماح لمواطني بعض الدول الدخول إلى الأراضي الأمريكية، فضلا عن أزمة الهجرة التي تشهدها أوروبا وفرار عشرات الآلاف من الأفارقة من بلدانهم بحثا عن ظروف معيشية أحسن.

ما بين 1000 و2500 شركة صينية تعمل في أفريقيا

وتسعىالصين التي تغلغلت خلال السنوات الأخيرة في اقتصاديات الدول الأفريقية، سواء عبر تمويل مشاريع في هذه الدول أو نقل بعض التكنولوجيات الحيوية، إلى المحافظة على مكانتها، بل وتعزيزها من خلال التوقيع على عقود اقتصادية واستثمارية أخرى تشمل شتى المجالات.

فهي تريد أن تصطاد عصفورين بحجر واحد كما يقول المثل. الأول، تنشيط اقتصادها وجعله يتنامى بشكل أسرع وأقوى، والثاني غلق المجال أمام الولايات المتحدة وأوروبا اللتين تشتكيان من «القوة الناعمة" الآسيوية التي حلت محلها في القارة السمراء.

وتشير دراسة أجرتها "وكالة ماكنزي الأمريكية" أن أكثر من 1000 شركة صينية تعمل حاليا في أفريقيا. بعض المصادر تتحدث عن 2500 شركة، 90 بالمائة منها شركات خاصة.

فيما توقعت أن تصل قيمة الأرباح المالية التي تجنيها الصين من أفريقيا في حلول 2025 إلى 440 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 144 بالمائة. وتعد جنوب أفريقيا وأثيوبيا من بين الدول التي تتصدر الطليعة فيما يتعلق بالاستثمارات الصينية، بينما تحتل زامبيا وأنغولا ذيل الترتيب.

"طرق الحرير" أو كيف تريد الصين أن تدخل أفريقيا

نفس الدراسة أظهرت في المقابل أن وراء الاستثمارات المالية التي تقوم بها الصين في أفريقيا، ما يهم في الحقيقة بكين هو الحصول على الموارد النفطية والمعدنية التي تملكها بعض الدول الأفريقية، كنيجيريا والجزائر والكونغو إلخ... والدليل أن 90 بالمائة من صادرات الدول الأفريقية تجاه الصين تخص فقط النفط والمعادن والغاز، ما جعل الميزان التجاري يميل أكثر للصين على حساب هذه الدول التي تبقى اقتصاداتها متذبذبة بسبب تذبذب أسعار النفط على المستوى العالمي.

وبالإضافة إلى نسف ثروات أفريقيا الباطنية، ارتفعت مؤخرا أصوات كثيرة للتنديد بالإستراتيجية الجديدة التي تسلكها الصين، والتي تكمن في شراء أراض زراعية شاسعة في دول أفريقية بهدف استثمارها لإطعام سكانها الذين سيتجاوزون 1,5 مليار شخص بحلول عام 2025.

من ناحيتها، تحاول الصين تبرئة نفسها من الانتقادات التي تطالها بالقول إنها لا تسعى إلى نسف الموارد الطبيعية بقدر ما تريد مساعدة القارة السمراء للنهوض باقتصادها. ففي 2013 مثلا، بادر الرئيس شي جينبينغ بخطة جديدة "تدعى طريق الحرير" والمتمثلة في جملة من الاستثمارات الصناعية والزراعية والخدماتية، إضافة إلى بناء طرق وجسور ومبان إلخ...

غزو أوروبا وأفريقيا بالمواد الصينية

وحسب وزارة التجارية الصينية، تستثمر بكين سنويا منذ 2015 ما يقارب 15 مليار دولار في الدول الأفريقية. ووراء هذه الاستثمارات في الحقيقة هدف واحد، وهو تأمين مشترياتها في مجال الموارد الطبيعية، فيما شرعت حتى في بناء مصانع تابعة لها على الأراضي الأفريقية ( مثل أثيوبيا) بهدف غزو الأسواق الأوروبية والأفريقية المجاورة بمنتجاتها والاستفادة من اليد العاملة الأفريقية الرخيصة جدا.

ومع وصول دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة والأزمة الاقتصادية التي تعصف بأوروبا، ينظر الزعماء الأفارقة إلى الصين كسترة نجاة بالنسبة لاقتصاديات بلدانهم.

فهرعوا كلهم إلى بكين للقاء بالرئيس الصيني. فيما تعددت مطالبهم بين من يطلب استثمارات أكثر ومن يطمح في مساعدات مالية لمواجهة الوضع الاجتماعي المتردي ومن يريد من الصين أن تنقل له التكنولوجيات الحديثة. ويشير تقرير للمعهد الأمريكي الصيني للبحوث والمبادرات، بلغت قيمة الديون الأفريقية لدى الصين 132 مليار دولار، ما يجعل دول القارة السمراء تحت قبضة وتأثير الصين.

الصين تستثمر أيضا في الثقافة واللغة

وإلى جانب الملف الاقتصادي، تتجلى "القوة الناعمة" الصينية في مجالات أخرى مثل الإعلام والثقافة حيث شرعت في بناء مراكز ثقافية عديدة لتعليم اللغة والثقافة الصينتين في حين بدأ الكثير من الصينيين في الإقدام على الزواج من نساء أفريقيات. والمثل الأكثر تداولا هو الزواج بين جزائريات وصينيات إذ أصبحت أحياء عديدة في الجزائر مكتظة بالصينيين الذين يعيشون طقوسهم الثقافية والدينية بشكل حر.

وإضافة إلى المساعدات المالية التي تقدمها الصين للدول الأفريقية باسم التعاون المشترك والاقتصاد المتبادل، فهي لا تتدخل في السياسات التي تتبعها الحكومات الأفريقية التي لا تحترم في معظمها حقوق الإنسان وحرية التعبير فضلا عن تفشي الفساد وسيطرة الطبقة الحاكمة على جميع مناصب السلطة والأجهزة الأمنية. الأمر الذي جعل مئات الآلاف من سكان أفريقيا يغادرون القارة على متن قوارب الموت بحثا عن حياة أفضل أو هربا من النزعات المسلحة التي أصبحت تطال العديد من البلدان مثل الكونغو وليبيا ومالي وأفريقيا الوسطى وغيرها من الدول الأخرى.

تمركز عسكري إستراتيجي جديد

وعندما تريد الصين استعراض عضلاتها مثل الولايات المتحدة أو أوروبا، فهي قادرة أيضا. والدليل أن في شهر يوليو/تموز الماضي أرسلت بارجتين بحريتين إلى القرن الأفريقي وبالتحديد إلى جيبوتي حيث تملك قاعدة عسكرية ولوجيستية هناك. 400 عسكري أصبحوا يتواجدون في هذه القاعدة. الهدف هو تأمين طرق الملاحة في القرن الأفريقي على مستوى خليج عدن والقرن الأفريقي فضلا عن تأمين سلامة الجنود الصينيين المساهمين في قوات حفظ السلام بدول أفريقية عدة.

وجاء اختيار جيبوتي أيضا بسبب تواجد قوة عسكرية أمريكية هناك تضم 4000 عسكري. فالصين لا تريد أن تكون واشنطن هي الوحيدة التي تسيطر على طرق الملاحة لأن هذا يمكن أن يعارض مصالحها ويعيق توصيل الموارد الأولية. لكن بتمركز الصين العسكري، تكون بكين قد ضربت على عرض الحائط أحد وأبرز الثوابت التي كانت تدافع عنها، وهو عدم التدخل عسكريا في شؤون الدول الأخرى والحفاظ على نوع من التوازن في سياستها الخارجية.

ينظر الغرب إلى العلاقة الصينية الأفريقية الناشئة بنوع من الخوف والحذر. ففرنسا مثلا ترى تأثيرها الاقتصادي يتراجع بشكل كبير في الجزائر بعدما كانت الشريك التجاري الأول في منطقة شمال أفريقيا. نفس الشيء أيضا بالنسبة للمغرب الذي بدأ يرفع من تبادلاته التجارية مع الصين.

نفس الصورة تقريبا تسود في الدول الأخرى مثل نيجيريا وجنوب أفريقيا وكوت ديفوار ومالي ودول أخرى أصبحت شوارعها ومؤسساتها تعج بالصينيين. فهل الصين "قوة ناعمة" إيجابية أم مستعمر جديد سلبي؟
france 24