2024-11-28 08:48 ص

هكذا مضت السعودية والإمارات على خطى ترامب بتجفيف دعم الأونروا

2018-09-04
كما مضى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واثق الخطى وغير آبه بالغضب الذي أثاره في شوارع العالم عندما اعتبر القدس عاصمة لـ"إسرائيل" وفتح فيها سفارة بلاده، يمضي الآن في معاقبة ملايين الفلسطينيين بالمال والسياسة، وبخُطى متسارعة تسير إدارته ومعها حلفاؤه السعوديون والإماراتيون في تنفيذ خطتها بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتصفية القضية الفلسطينية.

لكن القرار الأخير الذي صدر عن الإدارة الأمريكية، بالتوقف عن دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" نهائيًا، لم تتوقف خطورته على صدوره فقط، بل ما بات يُقلق فعليًا هو مدى نجاح واشنطن في التأثير على الدول الأخرى الداعمة لـ"الأونروا" لوقف تمويلها، الأمر الذي ربطه مراقبون بتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين كجزء من خطة ترامب للشرق الأوسط أو ما يُسمى "صفقة القرن".

حلقة جديدة من "صفقة القرن".. الفلسطينيون من لعبة السياسة إلى المال

بعد أن كانت قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين شُردوا من ديارهم قهرًا وبقوة سلاح المحتل الإسرائيلي، تمثل حالة ألم ومعاناة للكثير من الدول العربية والغربية وبحثهم الدائم عن حلول عادلة لإنهائها، أصبحت القضية اليوم ورقة مساومة تهدد مصير ملايين الفلسطينيين حول العالم وتضعهم على حافة الخطر.     

فمنذ أيام قليلة، قررت إدارة ترامب، تقليص المساعدات للفلسطينيين، بأكثر من 200 مليون دولار، في أعقاب مراجعة لتمويل الضفة الغربية المحتلة، وقطاع غزة المحاصر، وفق ما قاله مساعدون بالكونغرس الأمريكي، بحسب ما أوردته وكالة "أسوشييتد برس".
وحدها تفاجأت السلطة الفلسطينية بهذا القرار، رغم أنه ليس الإجراء الأول من نوعه، فقد شهد مطلع العام الحاليّ الاستهداف الأمريكي الأول لـ"الأونروا"، بتقليص واشنطن مساهمتها في تمويل وكالة "الأونروا" بنحو 125 مليون دولار، وذلك بعد أيام من رفض الفلسطينيين لحديث ترامب عن إزاحة القدس من طاولة أي مفاوضات مقبلة بعد اعترافه بها عاصمة للكيان الإسرائيلي.

وفي خطوة ابتزاز مالي جديدة لدفع الشعب الفلسطيني إلى التخلي عن حقوقه المشروعة، وبعد تسعة أشهر من قراره الأول بخفض الدعم المادي للمنظمة، قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوقف عن دعم الوكالة نهائيًا، في خطوة وصفتها صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية بأنها تأتي للبدء في تنفيذ خطة السلام الأمريكية والمعروفة إعلاميًا بـ"صفقة القرن".

إعلان الرئيس ترامب قطع المساعدات الأمريكية نهائيًا عن "الأونروا" بدا في نظر الفلسطينيين ضربة ثانية لتصفية قضيتهم الوطنية، بعد قرارها الاعتراف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل"، فواشنطن لا تريد حرمانهم من التعليم والصحة فحسب، بل وربما أيضًا من حقهم في العودة وإسقاط صفة اللاجئين عنهم.
للخطوة التي أعلنتها الخارجية الأمريكية تداعيات سياسية واقتصادية على ملايين الفلسطينيين الذين يعتمدون على الوكالة الأممية، فبعد 70 عامًا من تأسيسها باتت الوكالة عقبة يجب إزاحتها في إطار ما يعتبره الفلسطينيون مخططًا أكبر تباركه "إسرائيل" في كل خطوة، ويقوده صهر الرئيس الأمريكي وكبير مستشاريه جاريد كوشنر.

ولعل بريده الإلكتروني المسرب والمنشور في مجلة "فورين بوليسي" في أغسطس الماضي يؤكد سيناريو تصفية "الأونروا" وملف اللاجئين وحق العودة لنحو 5 ملايين فلسطيني، فقد وصف كوشنر الأونروا في بريده الموجه لعدد من المسؤولين الأمريكيين بأنها "فاسدة وغير كفوءة وتستديم الوضع الراهن ولا تساعد عملية السلام".  

على خُطى ترامب.. السعودية تسقط مجددًا في شراك مخطط كوشنر 

التصعيد المفاجئ من إدارة ترامب، وضع وكالة الغوث الدولية في موقف صعب، وجعل الخيارات التي تتوفر أمامها محدودة للغاية في ظل الصمت العربي المطبق، وتلك خطوة وصفتها صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية بأنها "تأتي للبدء في تنفيذ خطة السلام الأمريكية والمعروفة إعلاميًا بـ"صفقة القرن".

تلك الصفقة لا تغيب عنها دول عربية وخليجية لم تعد تخف توجهاتها إزاء القضية الفلسطينية تماشيًا مع التوجهات والضغوط الأمريكية، فالرئيس الأمريكي لن يكتفي بإيقاف دعم بلاده لوكالة "الأونروا"، ولكنه سيطلب من دول الخليج العربي أيضًا وقف تمويلها تمهيدًا لإغلاقها، كما ذكرت وكالة "صفا" الفلسطينية.

وبحسب الوكالة التي نقلت عن القناة الثانية الإسرائيلية، فإن إدارة ترامب أبلغت دول الخليج أن بإمكانها ضخ الأموال لسد العجز الذي ستسببه في ميزانية "الأونروا" لهذا العام فقط، على أن يتوقف الدعم بعد ذلك تمهيدًا لإغلاق المنظمة التي تتهمها الولايات المتحدة بالتحيز الكامل.

وتشترط الولايات المتحدة للسماح للخليج بتمويل الوكالة بإعادة تعريف "اللاجئ الفلسطيني"، الذي تقول الولايات المتحدة إن أعدادهم قليلة مقارنة بأرقام "الأونروا"، فقد شككت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، في إحصاء الأمم المتحدة لعدد اللاجئين الفلسطينيين، واستبعدت حق العودة، وذلك في أحدث خطوة من جانب إدارة ترامب، في الاعتراض على كيفية تسليم مساعدات الإغاثة للفلسطينيين.

لكن أمريكا ليست وحدها من قلصت منحتها للوكالة قبل أن توفها نهائيًا، إذ قلصت السعودية، المانح العربي الأكبر، ما تدفعه للوكالة بشكل ملحوظ، كما فعلت ذلك الإمارات أيضًا، فالبيانات الصادرة عن الوكالة تؤكد أن السعودية والإمارات قلصتا دعمهما للوكالة في العامين الأخيرين، حيث قلصت الأولى دعمها إلى الثلث في العام 2017، الذي منحت فيه الوكالة 53 مليون دولار، مقارنة بما منحته للوكالة عام 2016، وقد بلغ 149 مليون دولار.

وبحسب تصريحات لعضو في اللجنة المركزية لحركة فتح لموقع "الخليج أونلاين"، فإن التمويل المالي الذي تقدمه السعودية للأونروا شهد خلال الشهور الأخيرة تراجعًا من حيث المبلغ المقدم، وكذلك التأخير في توصيله لخزينة وكالة الغوث، تمهيدًا لتجميد تمويلها بشكل تدريجي، حتى يتوقف بشكل كامل خلال الشهور القليلة المقبلة.

وتمثل السعودية ثالث أكبر حصة في دعم "الأونروا" بعد أمريكا والاتحاد الأوروبي بـ148 مليون دولار أمريكي، وفي حال نفذت تهديدها فسيكون له نتائج كارثية وكبيرة على اللاجئين الفلسطينيين، خاصة إذا مارست الإدارة الأمريكية ضغوطها وابتزازاتها السياسية والمالية على باقي الدول التي تدعم الأونروا، ومنها الدول العربية.

أما الولايات المتحدة فهي أكبر مانح للأونروا، وقدمت تعهدات بنحو 370 مليون دولار حتى 2016، ويمثل هذا المبلغ أكثر من ربع الميزانية السنوية للمنظمة البالغة 1.2 مليار دولار، وفقًا للموقع الإلكتروني للوكالة التي تعاني من أزمة مالية خانقة، بعد أن أصبح الأمر مرهونًا بموقف السلطة الفلسطينية، ورفضها استئناف المفاوضات سيدفع إلى عقوبات مالية إضافية عليها من جانب واشنطن، وسيكون من ضمنها وقف الإسهام في ميزانيتها.

وأُسست "الأونروا" عام 1950 لتوفير خدمات الإغاثة لنحو 700 ألف لاجئ فلسطيني، طردوا من فلسطين بعد إعلان تأسيس الكيان الإسرائيلي، وهي تعمل في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر والأردن ولبنان وسوريا، وتوفر للفلسطينيين التعليم الابتدائي والثانوي والخدمات الصحية، فضلاً عن مختلف مشاريع البنية التحتية للمخيمات.

ويستمر مخطط تصفية القضية الفلسطينية

بالعودة إلى رواية كوشنر، فإنها تساعد الاحتلال الإسرائيلي المنتشي بمساعي الإدارة الأمريكية لتغيير مفهوم اللاجئ الفلسطيني، وإلغاء حقه في العودة إلى دياره، وهو الذي تعتبره "إسرائيل" العقبة الرئيسية في أي مفاوضات، فيما تتبنى واشنطن المواقف الإسرائيلية كافة.

فقد كشف أكثر من مسؤول عن ضغوط كوشنر على الأردنيين لسحب صفة اللاجئ عن مليوني فلسطيني، وذلك يقتضي في حال توطيده إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة وأبرزها سوريا ولبنان والأردن، على أن تتحمل الدول الخليجية الغنية العبء المادي لرغبة ترامب وصهره.

وتضمن المخطط الذي تسرب الكثير منه عبر وسائل إعلام عبرية إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني ونزع هذه الصفة عن الأبناء والأحفاد؛ ليبقى اللاجى فقط هو الأب الذي وُلد في فلسطين، وهُجر منها منذ أكثر من 70 عامًا.

كما تتضمن الخطة الجديدة عددًا من التدابير التي تستهدف في المقام الأول وكالة "الأونروا"، فبحسب القناة الثانية الإسرائيلية، من المتوقع أن تعلن الإدارة الأمريكية قريبًا عن وقف الميزانية والدعم الأمريكي لوكالة "الأونروا" في الضفة الغربية المحتلة ومطالبة "إسرائيل" بالتضييق على الوكالة.

كما ستكتفي واشنطن بالاعتراف بالوكالة على أنها مفوضية تعنى بشؤون اللاجئين بشكل عام، وسيعقب ذلك وقف الميزانيات وتمويل فعاليات وأنشطة "الأونروا" في الضفة الغربية، وذلك من أجل ضمان عدم تمكين الدول العربية من تحويل الميزانيات إلى الوكالة بدلاً من الإدارة الأمريكية.

وبالإضافة إلى منع تحويل الميزانيات للوكالة من دول أخرى، سوف يطلب البيت الأبيض أيضًا خفضًا كبيرًا في عدد الفلسطينيين المعترف بهم كلاجئين، فواشنطن تتطلع للاعتراف فقط بنحو 10% من عدد اللاجئين المعترف بهم حاليًّا، حيث يزعم الأمريكيون أن عددهم يبلغ نصف مليون، مقارنة بأكثر من خمسة ملايين وفقًا للاعتراف الدولي ووكالة الأونروا.

وبالنسبة لتفاصيل الخطة الأمريكية بحسب صحيفة "هارتس" الإسرائيلية، فإن "الخطوط العريضة لها أصبحت واضحة بالفعل، فالجانب الأول فيها، هو زيادة البناء في المستوطنات، ووجود مخطط استيطاني إسرائيلي يفصل مدينة القدس بشكل نهائي وكامل عن امتدادها الفلسطيني، وذلك لدفن فكرة قيام دولة فلسطينية ذات تواصل إقليمي في الضفة الغربية".

والجانب الثاني بحسب الصحيفة، هو اعتراف الإدارة الأمريكية بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل" ونقل السفارة إليها"، وهو ما تم بالفعل، وبموجبه يتم إزالة أي خطاب بشأن تقسيم مدينة القدس أو اعتبار القدس عاصمة فلسطين عن جدول الأعمال"، فإلى أين ستؤدي قرارت واشنطن التي لم تعد أحادية بشأن القدس من قبل، والآن "الأونروا"، ولاحقًا حق العودة؟

العالم ليس الولايات المتحدة، والأمم المتحدة ليست يد نيكي هيلي المرفوعة دائمًا لرفض كل حق فلسطيني تحمية الشرعية الدولية، ونهاية القضية برأي الفلسطينيين لن تكون تحت رحمة السياسات المتقلبة والمشبوهة، وهذا المخطط لن يمر، وقرارات الشرعية الدولية التي تقر حقوقهم الوطنية لا تسقط بالتقادم ولا بيد هيلي.
نون بوست