2024-11-28 10:26 ص

الكونفدرالية.. فكرة قديمة خطرت للملك حسين وياسر عرفات، وأحيتها واشنطن

2018-09-04
في مطلع الثمانينيات، خطرت للملك حسين وياسر عرفات فكرةٌ بإنشاء اتحاد كونفدرالي بين الأردن و الضفة الغربية بعد انسحاب إسرائيل إلى حدود 1967 ودون اعتراف أيٍّ من طرفي الاتحاد بإسرائيل. حظيت معظم الخطة بالموافقة، لكنَّهما أحجما عنها في ما بعد، في الغالب بسبب الخلاف حول توزيع المسؤوليات ووضع كلا الطرفين. وذكر تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية، أنه في عام 1988، أُجِّلَت الخطة رسمياً، حين جمَّد الملك حسين العلاقات الشرعية والإدارية مع الضفة الغربية. ومذاك الحين، عادت الخطة إلى الأذهان بين الحين والآخر، وغالباً ما كان يقترحها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لكنَّ الملك عبد الله واظب على رفضها. واشنطن أعادت فكرة الكونفدرالية إلى الحياة والآن يُفتَرَض أن فكرة الاتحاد الكونفدرالي قد عادت إلى الحياة من جديدٍ، ويرجع الفضل هذه المرة للولايات المتحدة، التي يقول الرئيس الفلسطيني محمود عباس إنَّها عرضت عليه مؤخراً خطةً مشابهةً لنسخة الثمانينيات. وعباس على درايةٍ تامة بالخطة التاريخية وظروف وضعها. في الثمانينيات، سعى ياسر عرفات وراء الدعم السياسي بعد طرد قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ومقاتليها من لبنان، بينما بادرت الأردن بإحكام قبضتها على الضفة الغربية. لكنَّ الظروف مختلفةٌ اليوم. فبعد انفضاض مصر والسعودية من حول قيادة فتح، ما زالت في حاجةٍ إلى دعمٍ سياسيٍّ قويٍّ لأجل تسيير المصالح الفلسطينية، لكنَّ الأردن ليست في عجلةٍ للعودة إلى المتاعب التي قد تجرُّها هذه المسألة إليها. ويوم الأحد الموافق 2 سبتمبر/أيلول، قالت جمانة غنيمات، وزيرة الدولة الأردنية للشؤون الإعلامية والقائمة أيضاً بدور المتحدثة الرسمية باسم الحكومة، إنَّ فكرة إنشاء اتحادٍ كونفدرالي مع الأردن ليست موضع نقاش، وإنَّ للفلسطينيين الحق في تأسيس دولتهم على أرضهم. هكذا بالمختصر المفيد. وهذه تفاصيل «الخطة الإسرائيلية» التي عرضت على الملك عبد الله تقضي الخطة الإسرائيلية التي ناقشها مبعوثو الرئيس الأميركي دونالد ترمب وعُرِضت على الملك عبد الله بتولِّي قوات الأمن الأردنية مسؤولية حماية الضفة الغربية (باستثناء القدس) والحدود بين إسرائيل والاتحاد الكونفدرالي. واتفاقية الاتحاد، التي يُفتَرَض أن توقع عليها الضفة الغربية والأردن، لا تحدِّد إن كان سيجري تأسيس برلمانٍ ودستورٍ مشترك، ولا إن كان الطرف الفلسطيني سيتمتع بوضع الدولة. من المُحتَمل أن تعترف إسرائيل بالدولة الفلسطينية، لكنَّ هذا فقط في حالة كونها جزءاً من الاتحاد الكونفدرالي ومن دون قطاع غزة، الذي ستتولى مصر تأمينه. وستظل المستوطنات في محلها، تحت السيطرة المدنية والأمنية المباشرة لإسرائيل. وخطةٌ كهذه لا تقدر على طمأنة القادة الأردنيين فهم يخشون أن يكون الاتحاد مجرد تستُّرٍ على تأسيس دولةٍ فلسطينيةٍ بديلةٍ على أرض الأردن. ويؤمنون بأنَّ بنية الاتحاد قد تؤدي إلى أغلبيةٍ فلسطينيةٍ (الأغلبية التي تملكها الأردن بالفعل) بين حدود 1967 والحدود الشرقية للمملكة، وقد تطالب هذه الأغلبية بحقوقٍ قوميةٍ على الأرض المشتركة. ولا توضِّح الخطة كذلك مستقبل غور الأردن، الذي لطالما أصرَّت إسرائيل على الاحتفظ به تحت سيطرتها. فمن شأن الأردن أن تصير حرس الحدود النسبة لإسرائيل، وتكون مسؤولةً عن منع الأنشطة الإرهابية على الضفة الغربية، بينما تستمر ذريعة الصراع، المرتكزة على المستوطنات ووضع القدس والحدود، في تغذية المقاومة الفلسطينية. وهو نفس الموقف الذي واجهوا به عرفات قبل عقود عندما أعلن عرفات في الماضي أنَّ خطة الاتحاد الكونفدرالي مع الأردن «في جيبه»، ردَّ عليه الملك حسين بـ»الاحتفاظ بها في جيبه حتى يحين وقتٌ يستطيع فيه الفلسطينيون التعبير عن آرائهم بحرِّيةٍ. وآمل أن يفعلوا، وعندها، بإمكاننا دراسة الأمر». ويبدو أنَّ موقف الأردن ما زال كما هو، وأنَّ الأردن مُصِرَّةٌ على اعتراف إسرائيل أولاً بالدولة الفلسطينية قبل موافقة عَمَّان على مناقشة مسألة إنشاء الاتحاد الكونفدرالي. لكن ما الذي جعل عباس يطرح الفكرة في هذا الوقت؟ كان لدى عباس سببٌ وجيه للإسراع بقول إنَّه على استعدادٍ لمناقشة الاقتراح إذا كانت إسرائيل جزءاً من الاتحاد. فهو يعي جيداً موقف الأردن، وعلى درايةٍ بالخطة الإسرائيلية كذلك. ومن المثير للاهتمام أنَّ عباس، لا عبد الله ولا نتنياهو، هو من «كشف» عن الفكرة الأميركية؛ فهي فرصة الزعيم الفلسطيني لتقديم اقتراحه الخاص، مُخلِّصاً نفسه من وصف «المتعنت» الذي التصق به بينما يعرف أنَّ فرصة نجاح اقتراحه مساويةٌ لفرصة «صفقة القرن» الخاصة بترمب. ولماذا يصر على شرط انضمام إسرائيل في إحدى استطلاعات الرأي بالضفة الغربية منذ عامين، أيَّد 42 بالمئة من المشاركين فكرة الاتحاد الكونفدرالي مع الأردن (وعارضها 38 بالمئة)، لكن آنذاك، كما الآن، لم تُطرَح على الجماهير حيثيات المفهوم. ويرى عباس الاتحاد خطوةً على طريق الاعتراف بالدولة الفلسطينية، إذ أنَّه يؤمن بأنَّ تأسيس اتحادٍ بين الجهات غير الدول أمرٌ محالٌ. ولهذا يصرُّ على أن تكون إسرائيل شريكاً في الاتحاد، لكيلا يضمن فحسب فكرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكن أيضاً بحدودها ومركزها. فاتحادٌ من هذا النوع سيتطلَّب توصُّل إسرائيل إلى اتفاقياتٍ اقتصاديةٍ جديدة، وتنسيق العلاقات الخارجية مع الأردن والدولة الفلسطينية، والاعتراف بهما شريكين متساويين. ولإسرائيل «نسختها» من الكونفدرالية ويمكن للمرء أن يتصوَّر تجاهل إسرائيل لطرح الفلسطينيين. فإسرائيل تعتبر الاتحاد الكونفدرالي المقترح اتفاقيةً بين الضفة الغربية، كمقاطعةٍ مستقلَّةٍ بذاتها روابطها الأساسية مع الأردن هي روابط اقتصادية، والأردن التي ستحدِّد السياسة الخارجية والدفاعية. إنَّها النسخة الإسرائيلية القديمة لـ»حكومةٍ مستقلةٍ» فلسطينيةٍ تُدير الحياة اليومية لمواطنيها على المستوى المحليِّ دون تمثيلٍ مستقلٍّ في المجتمع الدولي. وستكون هذه الحكومة مرهونةً اقتصادياً بالسياسة الأردنية وخاضعةً للقيود الإسرائيلية، ومنفصلةً عن غزة على الرغم من تعريف القطاع في جميع الاتفاقيات بأنَّه جزءٌ لا يتجزَّأ من فلسطين. لكن ما هو مصير مليوني فلسطيني في القطاع! والانفصال عن غزة ليس مسألةً هيِّنةً. فلا يمكن لأي قيادةٍ فلسطينيةٍ تجاهل وجود مليوني فلسطينيٍّ والتخلي عن أراضي دولتهم الجنوبية. لذا يجب لحلِّ الاتحاد الكونفدرالي أن يضم غزة، بالذات في الوقت الذي لا ينفك الصدع بين جانبي فلسطين يزداد اتساعاً، واستمرار فشل المساعي المصرية للصلح بين فتح وحماس. فكرة الاتحاد الكونفدرالي، سواءٌ كان بين شريكين أو ثلاثة شركاء، ليست غير مقبولةٍ في حد ذاتها. فقد يتضح أنَّها مفيدةٌ لجميع الأطراف، طالما يمكن لكلٍّ منها الاستفادة من ضمانات الاستقلال والسيادة القومية. ولكن في ظلِّ استمرار الفلسطينيين في رفض التخلِّي عن طموحاتهم في الاستقلال القومي، وشنِّ إسرائيل حرباً ضروساً على فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، وخشية الأردن من فقدان هويتها القومية في مزيج الاتحاد الكونفدرالي، تبدو هذه الفكرة أشبه بأضغاث أحلامٍ وردية.